الإثنين 2023/01/23

آخر تحديث: 19:51 (بيروت)

أزمة ياسر العظمة.. في أن مسيرته مرتبطة بالنظام

الإثنين 2023/01/23
أزمة ياسر العظمة.. في أن مسيرته مرتبطة بالنظام
increase حجم الخط decrease
كلما تحدث الممثل السوري ياسر العظمة، أثار غضب الجميع من موالين ومعارضين، لأن حديثه الرمادي لا يرضي أحداً بشكل كامل في بلد يسود فيه الاستقطاب السياسي والتشنج ليس فقط بسبب طول أزمة الحرب إثر الثورة في البلاد وما تبعها من ضحايا كثر وانهيار اقتصادي وغيره، بموازاة الخلاف على من تسبب في المأساة ككل. بل أيضاً بسبب اختلاف عميق في الرؤية حول معنى الوطن والانتماء والهوية حيث أثبتت الثورة في البلاد أنه لا معنى أصلاً لأن يكون المرء مواطناً سورياً مهما تعاظم خطاب النزعة القومية/الوطنية في البلاد (Nationalism) من كافة الأطراف.


والعظمة الذي تحدث عبر قناته الشخصية في "يوتيوب" عن الهجرة من سوريا، لا اللجوء منها، وعن كون سوريا بلداً لا يحترم مواطنيه وساده الخراب، لم يشِر مطلقاً إلى الضحايا الذين قتلوا طوال 12 عاماً ولا إلى المعتقلين والمخفيين قسراً، ولم يُشِر إلى سبب هجرة السوريين ولجوئهم في دول العالم، بل تحدث بعمومية عن الانهيار الاقتصادي وغياب الكرامة. ورغم أن ذلك سبب كاف لنيل غضب المعارضين، إلا أنه أيضاً كاف لنيل غضب الموالين الذين يرفضون أصلاً فكرة وجود مشكلة في البلاد لأن المشكلة بنظرهم تأتي من الحصار والحرب الكونية والإرهاب وغيرها من المصطلحات الرسمية التي يشترطون وجودها في لغة المؤيد للخطاب الرسمي بنسبة 100%.


والعظمة، مثل عشرات الممثلين السوريين الآخرين، يعيش في أزمة لأن حياتهم كفنانين أصلاً كانت مرتبطة بالنظام السوري طوال عقود، بسبب الرعاية الرسمية للدراما السورية كواحدة من المنافذ الدعائية الناعمة. وكان ذلك الارتباط عميقاً لدرجة أن الفنانين لم يكونوا قادرين حتى على العمل والحضور من دون تكوين تلك العلاقات الشخصية، وهو ما تحدث عنه الفنانون المعارضون الذين كشفوا طوال العقد الماضي كواليس العمل الفني في البلاد في تصريحات صحافية مختلفة.

والفنانون الذين خرجوا من البلاد وجدوا أنفسهم ضائعين، لأن نجوميتهم حتى لو كانت واسعة النطاق في العالم العربي، مرتبطة بمحليتهم. العظمة، طوال عقود، لم يقدم سوى سلسلته الناقدة "مرايا" التي تتحدث عن الحياة في سوريا بأسلوب يفترض أنه ناقد، مع ميل لتقديم القيم المحافظة التي ترضي شرائح واسعة من الجمهور المحافظ في الشرق الأوسط. ورغم تواجده في مصر لسنوات ثم في الإمارات، فإنه لم يستطع سوى تقديم مسلسل واحد لاقى فشلاً ذريعاً بعنوان "السنونو". ولم يرتبط ذلك بأي موقف سياسي لصاحبه بقدر ما هو نتيجة لوهم تفوق الدراما السورية والممثل السوري على أقرانه في المنطقة، وهي عبارات عنصرية إلى حد كبير يكررها معظم "نجوم" الدراما السورية باستمرار.

وحتى الممثلين المعارضين خسروا كثيراً، ولم ينالوا الأموال والأدوار والحضور الكثيف "كثمن لخيانتهم" مثلما يتهمهم الموالون والإعلام الأسدي حتى اليوم. بل على العكس تماماً، غاب معظمهم عن الحضور، بمن فيهم يارا صبري وعبد الحكيم قطيفان ومازن الناطور وفارس الحلو والراحلة مي سكاف، ومخرجون من مؤسسي الدراما في البلاد، مثل هيثم حقي، وآخرين، ولم يظهروا سوى في أدوار قليلة وانشغلوا بحياتهم في دول اللجوء أو انصرفوا نحو مهن جديدة مثل الممثلة سلافة عويشق التي تعمل في إذاعة "مونتي كارلو" الفرنسية، أو غابوا عن الأضواء ولا يُعرف عن حياتهم الجديدة شيء تقريباً. ولم يستفيدوا من موقفهم المعارض، مهما كان نبيلاً، للترويج لأنفسهم من هذه الزاوية، لأن صورة المعارضة السياسية السورية غلب عليها (عبر الدعاية الرسمية أيضاً) طابع الإسلام السياسي من دون القدرة على تقديم نموذج آخر أكثر انفتاحاً وتنويراً، ما جعل أولئك الممثلين يبقون في الظل حتى ضمن حيز المعارضة نفسه.

أما الممثلون الذين نجحوا في العمل ضمن الدراما العربية المشتركة، فهم إلى حد كبير من الممثلين الرماديين الذين التزموا الصمت، مثل باسل خياط، أو ممن كانت مواقفهم السياسية أقرب للموالاة منها للمعارضة، مثل تيم حسن وعابد فهد، فيما كان مكسيم خليل الاستثناء المعارض الوحيد ربما في هذا السياق. وكانت الأسماء النسائية أقل حضوراً، لأن توليفة الدراما المشتركة قامت على وجود بطل سوري إلى جانب بطلة لبنانية في العموم. ولعل المشترك بين هذه الأسماء، بغض النظر عن المواقف السياسية لأصحابها، هو تنازلها عن نزعة التفوق السورية واستعداد أصحابها للعمل ضمن الدراما المشتركة ومع طاقم إنتاج لبناني على سبيل المثال. وبالنظر إلى أن حيز الإنتاج نفسه في هذه الشروط، أقل مما كانت تقدمه الدراما السورية قبل 2011، فمن الطبيعي ألا يتم استقطاب سوى عدد قليل من الممثلين لإعطائهم فرصة للظهور.

ضمن هذا الجو العام، فإن "النخب السورية" المتواجدة في الخارج لا تقطع شعرة معاوية مع النظام، ليس مراهنة على بقائه في السلطة حباً فيه، بل لأنهم يدركون الواقع السياسي الحالي الذي نجا فيه النظام من الثورة الشعبية ضده، مع إمكانية استعادة سلطته وسطوته تدريجياً. إلا أن بعضهم، من حين إلى آخر، يضطر إلى مخاطبة السوريين الذين باتوا منقسمين سياسياً، ومن بينهم العظمة اليوم، ومثله الممثلة أمل عرفة على سبيل المثال، التي قدمت اعتذاراً عن تصويرها حلقة من سلسلة "كونتاك" قبل سنوات كذّبت فيها وجود ضحايا فقدوا حياتهم بالأسلحة الكيماوية التي استخدمها النظام مرات عديدة، وظهرت قبل أيام في لقاء صحافي تحدثت فيه عن خسارتها للكثير نتيجة لذلك الاعتذار الإنساني بموازاة حديثها عن انتمائها للشعب السوري من كافة التوجهات السياسية. وحتى الممثلين المعارضين يقدمون تصريحات مشابهة يخاطبون فيها الموالين ليس بغرض استمالتهم نحو المعسكر المعارض بل من باب الهوية المشتركة والانتماء الواحد للبلد.

وتلك هي المشكلة تحديداً، لأن هوية المواطنة السورية نفسها لم تكن أكثر من مجرد وهم رومانسي بسبب فشل الدولة البعثية/الأسدية، بشكل مقصود ربما، في توليد هوية قومية جامعة، لصالح الهويات الطائفية والإثنية المتصارعة. لكن فكرة الهوية السورية نفسها تصبح منطلقاً لتوجيه تهم الخيانة. الموالون يتهمون العظمة اليوم بأنه إماراتي، مثلما اتهموا المغنية أصالة نصري بأنها خليجية تعبد البترودولار، ويشمتون ديمة قندلفت، التي لا يمكن وصفها سوى بأنها ممثلة موالية للنظام في سوريا، بسبب تواجدها في السعودية وتهميشها من قبل المغنية المصرية أنغام على المسرح. وبالمثل، فإن الموالين ينالون اتهامات بأنهم تابعون لروسيا وإيران وتخلوا عن سوريتهم لصالح "الدول الصديقة".



ويغذي الطرفان الخطاب الرجعي القديم نفسه، حول الوطن وقدسيته، في زمن سقطت فيه القوميات لصالح فكرة المواطن العالمي (Global Citizen). لكن الانغلاق الذي كان ومازال حاضراً في سوريا بفعل عقود من الحكم الشمولي، يجعل التحرر من تلك العقد السابقة صعباً، حتى على مَن خرجوا من البلاد. ويصبح السجال الحاضر حالياً في معرض الرد على العظمة أو الدفاع عنه، إعادة تدوير مملة للتورط العاطفي بالانتماء للوطن السوري بمفهومه البعثي القامع للأفراد والذي تنتفي فيه قيمة المواطنة ضمن النظام السياسي، حتى في سياق المطالبة الشكلية بها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها