الأحد 2023/01/22

آخر تحديث: 14:52 (بيروت)

"المدرسة"..مسلسل إسرائيلي لتحييد الجيل الفلسطيني الجديد

الأحد 2023/01/22
"المدرسة"..مسلسل إسرائيلي لتحييد الجيل الفلسطيني الجديد
increase حجم الخط decrease
 
  
يضطلع تلفزيون "مكان" العبري أخيراً، بمهمة بثّ المحتوى المُوجَّه بكثافة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، بأشكال مختلفة، سواء في البرامج، أو الأخبار، ومروراً بالدراما، بهدف تحييده عن أي مواجهة للاحتلال وعنصريته بحقهم. 

يدل على ذلك، مسلسل "مدرسة" الذي يعرضه التلفزيون العبري الرسمي أربعة أيام في الاسبوع، وتتمحور وقائعه حول مدرسة "ثنائية اللغة"، تضم فلسطينيين ويهود، فتتجلى انعكاسات الصراع بين الطرفين "على الهوية بنحو مختلف"، وفق توصيف التقرير الترويجي للمسلسل الذي بُثّ في نشرة الأخبار المسائية على "مكان".

ويبدو أنّ القائمين على صناعة المسلسل اعتقدوا أنهم بجعلهم المسلسل مُشتركاً من حيث الصناعة والتمثيل، سيكونوا أكثر قدرة على ترك الرسالة "المؤثرة" في ذهنية الجيل الفلسطيني الشاب داخل الخط الأخضر، فتم اختيار الإسرائيلي غوري ألفي لاخراج المسلسل، واختيار الفلسطيني ابن مدينة الطيرة سيد قشوع لكتابته، ويتشارك ممثلون عرب واسرائيليون بتمثيله.

وانتهج المسلسل حبكة درامية كوميدية، متقصداً تمرير رسائله السياسية والسيكولوجية عبر المزج بين الرومانسية والكوميديا والسياسة، على مدار حلقاته بمدة 25 دقيقة لكل واحدة منها، بعناوين متعددة بدت منتقاة؛ لتحقيق الغاية المرجوة من إنتاج المسلسل.

تقرير "مكان" حاول تسويق المسلسل ورسائله الدعائية، عبر الزعم بأنه "يعالج الصراعات، التحديات، والمعضلات التي يمر بها أبطال المسلسل (طلاب المدرسة الفلسطينيين واليهود)، ومعهم المعلمون والأهالي". 

يُحاول المسلسل دسّ أفكار واستنتاجات تقود الجيل الفلسطيني الجديد إلى الانكفاء على ذاته، وعزله عن قضيته، عبر دفعه إلى طرح تساؤلات من منظور شخصي بحت، لا من منطلق بيئته وقضيته الفلسطينية، بالرغم من السياسة الاحتلالية العنصرية، ونزعة المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين. وهنا، يلعب المسلسل على وتر تحديات جيل المراهقة، فتنشأ "أسئلة الهوية والانتماء كلما مرّ الوقت، والتي تفرّق بين الطلاب وهم يتعاملون مع واقعهم الشائك من جهة، والمضحك من جهة أخرى"، وفق مزاعم صُنّاع المسلسل.

ويعزز هذا التوجه في حبكة المسلسل، ما قالته إحدى المشاركات فيه، إذ رأت أن "المطلوب من مدرسة (الثُّنائية) أن تختلط الأفكار في ذهنية الطلاب"، وأن يبحثوا ويتساءلوا من خلال "الرواسب التي قدموا منها نتيجة تأثير الصحافة، والبيت، والسياسة"، ليقودهم ذلك إلى "تجربة التخبط بكل المشاكل، ومن ثم محاولة إيجاد طريق واحدة فيها نوع من الحوار".

ويريد الاسرائيليون جيلاً فلسطينياً يردّ على استهدافهم من الاحتلال واليمين المتطرف في أراضي-48 بـ"حوار مصمم على المقاس الإسرائيلي"ّ!.. بمعنى، أن المطلوب إسرائيلياً هو "جيل غير مبالٍ"، ومنقسم على ذاته، وأن ينظر إلى قضية استهداف وجوده،  بنظرة شخصية لا جَمعية!

وهذا ما أشارت إليه طالبة يهودية في مدرسة "الثنائية" في حيفا، كغاية للمدرسة، والمسلسل أيضاً، حينما قالت"مكان": "يوجد في مدرستنا مشاكل، ولكن أعتقد أننا نتعلم كيف نواجهها بشكل نقدي، ونخوض حروبا من أجل ذلك".

خلاصة فكرة المسلسل ودعايته المستترة في ثنايا رسائله المتعددة تدعو إلى ثني الجيل الفلسطيني الجديد، تحت كذبة "الحياة المشتركة في إسرائيل"، عن فكرة المواجهة المفروضة عليه من المؤسسة الإسرائيلية التي بات اليمين المتطرف لاعباً رئيسياً فيها، وأن يُحيّد نفسه عن المعركة، بحجة أن "الحوار هو أقل تكلفة، وإن لم يحقق مُراده"..وهو بحد ذاته تهديد إسرائيلي للفلسطينيين.

ويتعلم في مدرسة "ثنائية اللغة" نحو "ألفيّ" طالب وطالبة من اليهود وفلسطيني الخط الأخضر، ولها فروع متعددة في القدس وحيفا ويافا والجليل وغيرها. وسبق أن تعرض فرع المدرسة في القدس المحتلة إلى حريق متعمد من قبل عناصر اليمين الاستيطاني المتطرف عام 2014، وقد كتبوا شعارات ضد العرب.

فلسطينيون - إسرائيليون

وفي سياق تكثيف المحتوى المُستهدِف لفلسطينيي الخط الأخضر، بثت فضائية "مكان" تقريراً آخر حمل سؤالاً انتهازياً مفاده: "هل تبنّى الجيل الصغير في المجتمع العربي في الدولة، الهوية الفلسطينية عبر تخليه عن اللغة العبرية؟".

جاء التقرير تحت عنوان "سلسلة فلسطينيون (إسرائيليون)"، وهذا تغيير في تعبير دأب عليه التلفزيون العبري، إذ عكف في الماضي على استخدام تعبير "المجتمع العربي في إسرائيل"، من دون وصفهم كفلسطينيين، ما يثير تساؤلاً عما وراء استخدام مصطلح "فلسطينيون-إسرائيليون".. فهل يُخفي مخططاً إسرائيلياً جديداً يُحاك ضد فلسطينيي-48 باعتبارهم يشكلون قلقاً مضاعفاً لوجود إسرائيل، كون المجتمع الفلسطيني في الداخل يشهد متغيرات مُرعبة ديموغرافيا وجودياً لدولة الاحتلال، وقد عكستها المواجهات الكبيرة في البلدات الفلسطينية داخل الخط الأخضر خلال حرب غزة الأخيرة.

التقرير يسلط الضوء على  دوافع ابتعاد الجيل الفلسطيني الجديد عن اللغة العبرية، مُجرياً مقابلات مع طلاب وشباب في البلدة القديمة لمدينة الناصرة، حيث سألهم معد التقرير الإسرائيلي عن سبب عدم إجادتهم للغة العبرية، فتنوعت الإجابات بين حبهم للإنكليزية وسهولتها، وبين حاجز التواصل مع المجتمع الإسرائيلي الذي بات يمينياً أكثر مما مضى.

وهنا، يقدم التقرير الإسرائيلي النجم الرياضي من بلدة سخنين الفلسطينية، عباس صوان، حيث يعمل الآن معلم رياضة في إحدى مدارس بلدته، كـ"رمز" لاندماج العرب بالمجتمع الإسرائيلي، باعتبار أنه لعب سابقاً مع المنتخب الإسرائيلي لكرة القدم".
وفي المقابل، استعرض التقرير حكاية مؤنس دبور الذي استقال من المنتخب الإسرائيلي احتجاجاً على حرب غزة الأخيرة، كدليل على الفجوة المتزايدة، ومستجدات فلسطينية تقلق إسرائيل.
لكن التقرير أراد من عقد المقارنة بين الأمس واليوم أن يفرض غايته الانتهازية عبر التفريق بين جيل الآباء والأبناء من فلسطينيي الخط الأخضر، ليجد ضالته في كلمات انتزعها من رجل ستيني تدعي "أنهم كفلسطينيين جزء من الدولة، ويحبون السلام".. كي يصفها بـ"أصوات قلقة تمثل جيلاً آخر مختلفاً آمن بالإندماج في المجتمع الإسرائيلي، وأن جيل الشباب سيلحق بركب الكبار في نهاية المطاف"، على حد قوله.

بيدَ أن هذا كلامٌ دعائيٌ زائفٌ من إسرائيل، ذلك أنه لا فرق بين جيل فلسطيني قديم أو جديد في أراضي48، فكلهم يشكلون مزيجاً يعاني من سياسة الاحتلال التمييزية والاستعمارية، وأيضاً مُواجِهاً لهذه السياسة من مسافة صفر.

يختبئ التقرير الإسرائيلي خلف عناوين "الحياة المشتركة" و"الاندماج" من أجل زرع البذور لتفريق فلسطينيي الخط الأخضر وتقسيمهم عمرياً ومناطقياً وسياسياً، كحاجة ملحة للمؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، بدليل خاتمة التقرير التي ارتأت ترهيب الفلسطينيين، عبر تحذيرهم من أن "المستقبل أسوأ بكثير..إن استمروا في فجوتهم"!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها