الخميس 2022/09/08

آخر تحديث: 19:32 (بيروت)

عندما يستنسخ مسلسل "من...إلى" عملاً اسرائيلياً

الخميس 2022/09/08
عندما يستنسخ مسلسل "من...إلى" عملاً اسرائيلياً
قصي خولي وفاليري ابو شقرا في برومو "من..إلى"
increase حجم الخط decrease
ليس خفياً على أحد أن الدراما اللبنانية- السورية المشتركة تعيش أزمة نصوص درامية، ففي معظم المقابلات والحوارات الفنية، يتطرق الفنانون للأمر. ورغم ذلك، ما زال هذا النوع من المسلسلات عالقاً في مساحة ضيقة ولا يحاول أن يخرج منها أبداً، لتسير المسلسلات كلها في الخط ذاته. فالجميع يحاول صُنع مسلسلات يختلط فيها الأكشن بالرومانسية، لتبدأ غالبيتها بجرائم قتل يتورط فيها أبطال المسلسل، وتنطلق المطاردات البوليسية وتتكون أثناءها علاقات عاطفية بين الأطراف المتضادة.  

الفكرة تكررت بشكل واضح عندما بدأت الدراما اللبنانية- السورية المشتركة تتأثر بالمسلسلات العالمية، التي ازدادت جماهيريتها في العالم العربي بفضل "نتفليكس"، غير أن تأثير "الاستيراد" هذا، ما زال شكلياً، ويقتصر على نسخ بعض المَشاهد وأشكال الشخصيات واقتباس خطوط درامية بشكل رديء. فاستنساخ الحكايات لا يصاحبه أي جهد حقيقي لإيجاد معادل لها في الواقع السوري أو اللبناني، فيمسي في الكثير من الأحيان حَرفياً، ولا يُشار في المسلسل إلى المصادر، ربما لأن الكتّاب يظنون أن الجمهور لن يكتشف الأمر، خصوصاً عندما لا يتم نقل الحكاية من الدراما الأميركية أو البريطانية الأكثر انتشاراً في العالم العربي. 

هذا هو الحال في مسلسل "من .. إلى" الذي انتهى عرضه أخيراً في منصة "شاهد"، للكاتب بلال شحادات والمخرج مجدي السميري، وأدى أدوار البطولة فيه: قصي خولي وفاليري أبو شقرا وفادي أبو سمرا ورامز أسود وإيهاب شعبان. ففي هذا المسلسل، اقتبس شحادات، الظرف الدرامي الرئيسي الذي رسم معالم الحكاية في بدايتها، من المسلسل الإسرائيلي  "HIT&RUN"، الذي عُرض العام الماضي في "نتفليكس". وقام شحادات بتبسيط حكاية المسلسل وإفراغ محتواه من كل الخطوط الدرامية الثقيلة، ليصبح مشابهاً لمعظم المسلسلات اللبنانية- السورية المشتركة، والنتيجة: مهزلة درامية، تصيب المشاهد بالملل على مدار الحلقات الثلاثين.

قصة مسلسل " HIT&RUN"  تدور حول "سيغيف"، الذي يعمل كدليل سياحي في تل أبيب. تتوفى زوجته في ظروف غامضة، وأثناء البحث والتحقيق في قضية موتها، يكتشف أنه لا يعرفها، وأنها كانت تعيش معه بإسم وهميّ. وخلال رحلته بحثاً عن الحقيقة، يتحول إلى رجل عصابات ويسافر إلى الولايات المتحدة ليكتشف أن زوجته كانت عميلة مزدوجة، وتمت تصفيتها بأمر من المخابرات الأميركية والمخابرات الإسرائيلية بسبب حيازتها وثائق سرية خطيرة. 

هكذا يذهب المسلسل إلى كشف الصراعات بين القوى السياسية ويفضح الأساليب الإجرامية التي تتبعها الحكومات. ويتم تصعيد الدراما عندما تبدأ المحاولات لتصفية "سيغيف"، بسبب إعادة اكتشافه  للوثائق ذاتها. وكان من المفترض إنتاج جزء ثانٍ من العمل، إلا أنه لم يلقَ الصدى المطلوب فألغيت الفكرة.

يحافظ مسلسل "من ..إلى" على الخطوط الدرامية الرئيسية بشكلٍ ما؛ فبطل المسلسل يكتشف أنه يعيش مع امرأة لا يعرف هويتها الحقيقية بعد أن تحدث مجزرة في بيته، يُقتل فيها ابنه وأطفال الحي الذي يعيش فيه وتختفي زوجته، وخلال البحث سيتحول إلى رجل عصابات، رغم كل الاختلافات التي طرأت على باقي التفاصيل، التي نلاحظ صياغتها بشكل سطحي بعد  تضخيم الحدث الرئيسي وتسُخيف مبرراته. فالمسؤول عن ارتكاب المجزرة هو عشيق زوجته السابق، رجل العصابات خليل أبو العسل (فادي أبو سمرة)، والأسباب عاطفية وغير منطقية. 

وتُضاف جرعة درامية إضافية على الحدث الرئيسي من خلال جعل الزوجة ذات الهوية المزدوجة، حاملاً بطفلة، ليكون الهدف الرئيسي من رحلة البحث التي يجريها "وليد" (قصي خولي) هو استعادة طفلته التي لم تولد بعد، والتي ستتحول مع تقادم حلقات المسلسل إلى موضوع الرغبة الذي يشعل فتيل الصراع بين البطل والبطل المضاد بشكل غير مقنع.

وبعد أن ينجح المسلسل في جذب الجمهور بالاعتماد الكامل على استنساخ الحبكة المسروقة، يبدأ كل شيء بالانهيار، حين تتداخل الخيوط الدرامية بطريقة غير منطقية، لتتحول قضية البحث عن الحقيقة، أو حتى استعادة الطفلة، إلى قضية جانبية، على هامش حرب العصابات غير المفهومة، بين عصابة "خليل أبو العسل" وعصابة "هاني" (رامز أسود)، شقيق "هند" (زوجة "وليد")، الذي يحاول إنقاذ أخته. 

وتتفاقم التطورات عندما تحاول كل من العصابتين زجّ "وليد" في حرب العصابات، والتي لا تحتاج إلى مدرس حساب بكل تأكيد؛ لينجح "خليل أبو العسل" بتحريضه على القتل، وتأخذ رحلة "وليد" مساراً مختلفاً، وهو الهروب من العدالة.  

في هذا الخط الدرامي، يبدو أن الكاتب يحاول أن يضيف أبعاداً وصراعات سياسية، ليقلّد مرة أخرى مسلسل "HIT&RUN"، فتنتج عن ذلك خلطة غير مفهومة من العلاقات التي تربط المافيات الروسية مع سياسيين فاسدين من الطبقة الحاكمة في لبنان، هدفهم الأساسي العبث بأمن لبنان، من دون أن يكون هناك أي رابط بين هذه "المؤامرة" وما حدث مع "وليد"، الذي يصبح فجأة ضمن الشبكة! 

هذا الخط الدرامي لا يمكن فهمه إلا بعلّة غائية لا علاقة لها إطلاقاً بالواقع أو المسلسل؛ فغالباً هي تهدف لمواكبة النزعة العالمية لانتقاد الروس درامياً بعد حربهم على أوكرانيا، وهو أمر بدأنا نلمحه في العديد من الإنتاجات الدرامية الحديثة، لكن في مسلسل "من .. إلى" يبدو الأمر فجاً للغاية بسبب ضعف الدراما.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها