الثلاثاء 2022/09/27

آخر تحديث: 10:38 (بيروت)

زمني سائل.. وإن كثرت صُوري

الثلاثاء 2022/09/27
زمني سائل.. وإن كثرت صُوري
رسم: رولا الحسين
increase حجم الخط decrease
صُوري كثيرة لأني ألتقط الكثير منها. وحين أقول "صوري"، لا أقصد الصور التي التقطها للعالم، بل الصور التي التقطها لنفسي. أنا الصورة، مع – في بعض الأحيان – اختيار خلفية أو جزء من خلفية مناسِبة كغصن شجرة مثلاً، سيضفي المزيد على تألقي. إذا كانت الشجرة كاملة ستنسحب سجادة التألق من تحت أصابع قدميّ التي قد تكون موضوع الصورة. أنا بطلة صوري الوحيدة. أو، لأكون أكثر دقة، أجزائي هي الصورة، أجزائي هي أبطال صُوري.

تبحث عيني من خلال العدسة، في وجهي أو جسمي أو أي جزء منهما، عن الزاوية والوضعية الأمثل للالتقاط، وعندها يتجمد الزمن. نظرتي في الصورة تصبح ثابتة، ولو أنها من زجاج، يدي لا ينبت عليها شعر زائد. حاجباي لا يتغير رسمهما. في الصورة أنا تماماً كما أريد. عيني تلتقطني كما أريد. في الصورة، لا أتعرف على باقي أجزائي خارج الصورة، أتنكّر لها. في الصورة أنا مبتورة من الأطراف الموجودة خارج الصورة.

في الصورة أنا متأهبة، حتى في استرخائي. انتظاري، أقصد انتظار أجزائي في الصورة، يحولني لامرأة منتظرة، وجاهزة لما تنتظر وينتظرها. وأجزائي الملتقطة بكمالها تثبت ذلك، دليلي على الجهوزية. وفي الصورة ألتقط رغباتي التي ستدوم على قدر ما يسمح الزمن المتجمد لها أن تدوم. ورغباتي مؤرشفة. حتى الصورة التي تظهر كلّي، تطبق فيها شروط وأحكام الزمن المجمد للجزء.

أنا بطلة صوري، وملتقطتها أيضًا.
عيني تختار كذبتي وتلتقطها، وتبدلها في كل صورة. وإن أحببتم كذبتي، أكررها. أكرر كل هذه الصور، أكرر كل هذه الأجزاء. أكرر كل هذه الأكاذيب. وأكرر إعجابكم في كل مرة تبدونه.

في صورتي، لا أكبر. فقط أكذب. وبعد أن تلتقط عيني صورة جزئي، أنفضها عني وأتحرر منها نحو كلي. تبقى لكم صورة جزئي وأعود إلى كلّي، إلى أجزائي التي لم تلتقطها عيني والتي تكمل حياتها وتعيش في زمن منفصل حيث شعري يتلبد، أحمر شفاهي يبهت، حيث الفك المربك الذي لا يظهر في صوري يزداد ارتباكاً، ما تحت عيني ينتفخ كوسادتين، أظافري تتسخ وتنكسر، وقلبي أيضاً.

خارج الصورة أعيش مُتعي، وإن قصرت مدتها، أعيشها من دون أرشفة. خارج الصورة مرآة، صفحة ماء تتذكرني.

ليس لكلّي شعبية أجزائي وأكاذيبي. فكلّي هو الحدث الذي يقع عندما ترمش عيونكم في لحظة ظننتم فيها أن الزمن ما زال متجمداً. زمني سائل، وإن كثرت صوري، سائل كالدم في عروقي والدمع في عينيّ والريق في فمي والعرق في مساماتي.

أجمع كل صوري، أضع أجزائي أمامي، فأرى كلّي وأسمع كل ضحكاته. أنا بطلة صوري وملتقطتها، أنا صانعة أكاذيبها، أنا الحدث، فلا ترمشوا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها