الجمعة 2022/09/02

آخر تحديث: 20:31 (بيروت)

فيديوهات "حزب الله": مقدمة لحرب أم تسوية؟

الجمعة 2022/09/02
فيديوهات "حزب الله": مقدمة لحرب أم تسوية؟
مسيرات حزب الله فوق كاريش (أرشيف)
increase حجم الخط decrease
يعيش اللبنانيون اليوم حالة ترقب مستمرة، في ظل الأسبوعين الحاسمين لمفاوضات ترسيم الحدود المائية بين لبنان و"إسرائيل". وفي ظل هذا الجو، من المفيد الإمعان في سلسلة الفيديوهات التي نشرها حزب الله، منذ تموز الماضي، وآخرها فيديو "أنتم رهان الأيام" لفهم ديناميات الصراع وتطور الرؤية.

هي ليست حرباً نفسيّة بمعنى التهويل كما يراها البعض. تقدم الفيديوهات تجسيدًا لما ستؤول إليه الأمور في حال لم يتم الحصول على الغاية، بمعنى آخر إنّها وسيلة الضغط من أجل ضمان التسوية.. وهي لا تشبه بكل مكوناتها حرب الأبواق أو المنشورات التي عهدناها في الحروب الماضية، لأنّها ليست دعائيّة بالمعنى الكلي، وإنما تكتنز على رسائل تحذيريّة واستباقية.

وتكمن أهمية تحليل هذه الفيديوهات في معرفة العلاقة الترابطية بين ثلاثية: الموقف، والعاطفة والسلوك المتوقع. وهذه الانفعالات الثلاث، التي دائماً تظهر كنتيجة لعناصر التهديد على أنواعها؛ أكانت دائمة عن طريق الخطاب والحرب الكلامية، حدثية أي مرتبطة بحدث أو ذكرى، أو مبطنة ومعقدة كما تشير تقنية الرسوم المتحركة.

وبالعودة الى مطلع شهر تموز، وبعد حادثة تحليق المسيرات غير المسلحة فوق موقع "كاريش"، نشر حزب الله فيديو يصور فيه كيفية تدمير هذه المنصة. والسؤال هنا: لماذا هذا السعي المتعمد للاستعانة بالصورة المتحركة في ظل عداء لا يمكن حصره في الخيال التصويري؟

تخضع مضامين الفيديوهات الى تأويلات عديدة، وبين الاحتمال والتأكيد، يكون التأويل ضرورة من أجل الاستعداد للمتوقع واللامعقول. لا يستهدف "حزب الله" العدو وحده، لكن يسعى أيضاً لمحاكاة جمهوره بطريقة أو بأخرى وخصوصاً من طريق استحضار الخيال لأبعد مما سماه "انتصار تموز". 

هذه الفيديوهات تشير الى أنّ كل ما قيل عن تطور السلاح في السنوات الماضية ليس أمراً مستحيلاً أو مبالغاً فيه أو غير محسوس، والدليل خطة العمل وإمكانية التطبيق وصوابية الأهداف وجدوى التوقيت، التي صورتها الفيديوهات. وعليه، فالهدف من هذه الصور المتخيلة والمستحضرة من الواقع والمنسوبه اليه، هو تشجيع الجمهور على التصديق بكل الأدلة الموجودة والمتخيلة، وأولها تصوير أدوات القتل التي لم يفصح عنها حزب الله بشكل تصويري سابقًا، وإنّما أعلن عنها وذكرها في غالبية المناسبات التي خاطب بها جمهوره. 

وتهدف هذه الفيديوهات الى طمأنة البيئة الداخلية بأنّ حزب الله قادر وسيفعل، وبالتالي تقدم للحزب خدمة نيل استحسان الجمهور الذي لن يرى في الحرب استثماراً خاسراً، إن عرف النتائح مسبقاً، وهو على قناعة تامة بأنّ الانتصار مضمون لا محالة. والحقيقة، أن توقع نتائج الحرب لا يختلف عن التطبيل أبداً. 

ولا يمكن مقاربة المعاني التي تتضمنها هذه الفيديوهات، من دون فهم المواقف السياسية لطرفي الصراع، وهنا نتحدث عن حزب الله وإسرائيل، وبالانطلاق من فرضية أنّ الطرفين لا يفضلان الدخول في حرب، وإنّما قد يكون خيار الدخول فيها مرتبطاً بمن سيبادر بضرب الطلقة الأولى التي تبيح للطرف المدافع، أيًا كان، عملياته العسكريّة بوجه المعتدي عليه.

شكّل الفيديو الأول الذي نشره "حزب الله" ترجمة حقيقية لتهديدات نصرالله. لكننا لم نعتد في السابق، وهنا أتحدث عن حرب تموز، معرفة نوع العملية والهدف والصاروخ المستخدم إلا بالتجربة الفعلية. 

هكذا حفظنا أسماء صواريخ مثل "زلزال" و"رعد" و"خيبر 1". اليوم، نلاحظ تبدلًا في طريقة التقديم، بحيث سرعان ما انتشرت الفيديوهات في وسائل التواصل الاجتماعي ولاحظنا تداولًا كبيراً لصور الطائرات وطرازها وخصائصها. هذه المرة يفكر "حزب الله" جيدًا في طريقة تمرير رسائله. فإن كان أحداً، حتى اللحظة، لا يملك قرار الحرب أو تجنبها، فالسعي هو لضرب الجبهة الداخلية الاسرائيلية بتحقيق توازن الرعب لدى الاسرائيليين ومعرفة العواقب في حالتين: إن لم يحصل لبنان على ما يريد، وإن قررت إسرائيل الدخول في الحرب. بكلمات أخرى، المبالغة في الآثار الناتجة عن الحرب للتأكد من عدم حصولها! 

في العادة، لا يتم تشارك المواقع المستهدفة مع العدو، نظراً الى إمكانية تحصينها أو على الأقل إخلائها من كل ما قد يكون ثميناً على الصعيدين الأمني و القومي. من هنا يمكننا أن نفهم ما تعنيه صورة ضرب الصاروخ لمنصة كاريش أو تدمير الكنيست مع التركيز في الفيديوهين على عامل الوقت صورياً وسمعياً. 

وتستعير هذه الفيديوهات أسلوب الفيديو الإيراني، الذي لم يحدد مصدره بشكل رسمي، لكنه نشر من قبل الحرس الثوري الإيراني. ويحاكي الفيديو كيفية تدمير مفاعيل ديمونا، مختتماً بساعة رملية للدلالة على الوقت. والخلاصة، أنّ هذه الفيديوهات مفادها أنّ التخويف لا يطاول السياسيين فحسب وانما الأمة بأكملها، والرسالة المبتغاة هي إن التسويّة في جميع الأحوال أقل خسارة من الدمار الشامل. 

ليس هذا الأسلوب جديداً في تضمين الرسائل، فالأمثلة كثيرة ولا يمكن حصرها، لكن الأقرب الى هذا الأسلوب هو استعانة الحرس الثوري الإيراني بالصورة المتحركة لتجسيد ضرب قاعدة عسكرية أميركية غير محددة للانتقام لسليماني، وهذا مثال واضح على تضخيم الصورة من أجل خدمة المعنى. فالضربة لم تأتِ بالحجم التي صوّرت فيه، مع العلم أن الفارق الزمني بين الفيديو المنشور والضربة على القاعدة العسكرية الأميركية في العراق لم يتجاوز ستة أشهر.

ولعلنا نرى في الأيام القليلة المقبلة، مفاعيل هذه الرسائل الإعلامية التي تبدو كأنّها وضعت السطر الأول لخطة التفاوض.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها