الثلاثاء 2022/08/30

آخر تحديث: 14:45 (بيروت)

وثائقي إسرائيلي عن "صبرا وشاتيلا": كنّا نعلم...ولم نمنع المذبحة

الثلاثاء 2022/08/30
وثائقي إسرائيلي عن "صبرا وشاتيلا": كنّا نعلم...ولم نمنع المذبحة
مجزرة صبرا وشاتيلا (أرشيف)
increase حجم الخط decrease
تحت عنوان "صبرا وشاتيلا..جرح لا يندمل"، بثّ تلفزيون "مكان" الإسرائيلي، للمرة الأولى، شهادة طاقم التلفزيون الإسرائيلي الذي كان أول من وثّق المذبحة التي وقعت في 16 أيلول/سبتمبر 1982 في بيروت واستمرت ثلاثة ايام، حينما دخل إلى مخيمي صبرا وشاتيلا قبل أربعين عاماً، وتحديداً بعد يوم من اقتحامها من قبل قوات "حزب الكتائب اللبنانية"، بـ"أمر إسرائيلي"، حسبما يقول الطاقم.
ويبدو أن الغاية الرئيسية من بثّ التقرير التلفزيوني الوثائقي، ومدته أكثر من 13 دقيقة، هي محاولة تحديد المسافة التي تفصل إسرائيل عن المجزرة، أو على الأقل، تبرئتها من قسط من المسؤولية، عبر القول إن المليشيات اللبنانية التي تحالفت معها ظرفياً في تلك الفترة، "كانت منفلتة وغير مهنية، ما حال دون أداء مهمتها المقصودة إسرائيلياً"، والتي تتمثل في "تطهير المخيمين الفلسطينيين من المسلحين والسلاح".

لذا قرر "مكان" مقابلة طاقم التلفزيون الإسرائيلي، المكون من ثلاثة أشخاص، هم المراسل والمصوّر وفنيّ الصوت، كشهود أوائل على المذبحة.


توثيق فوز بشير الجميل
وثائقي "مكان"، كشف أن الصحافة الإسرائيلية كانت توثّق قرب فوز الرئيس اللبناني الأسبق والزعيم الكتائبي، بشير الجميل، برئاسة الجمهورية، ومن ثم اغتياله، وصولاً إلى مواكبة التلفزيون العبري لتوثيق أولى الشهادات لمجزرة صبرا وشاتيلا.

وبموازاة ذكرى خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت (30 آب) في أعقاب الغزوة الاسرائيلية العام 1982، يبدأ الوثائقي بعرض مشهد تاريخي للمراسل السابق للتلفزيون الإسرائيلي، رون بن يشاي، وهو يقف قبالة صبرا وشاتيلا، حيث يتكلم للكاميرا، محاولاً رفع المسؤولية المباشرة عن قوات الاحتلال، بقوله إن الأخيرة كانت على التلة المقابلة غرباً (منطقة السفارة الكويتية والمدينة الرياضية في بئر حسن)، ولم تكن قريبة لدرجة تمكنها من مشاهدة ما يفعله "الكتائبيون" في المخيم.

ثم، ظهر بن يشاي، أثناء تصوير الوثائقي، ليؤكد أنه يشاهد تقريره التاريخي، للمرة الأولى، منذ ذلك الحين. وبدأ مع زميليه الآخرَين بإستذكار ما شاهدوه، حينما دخلوا المخيمين في اليوم التالي لبدء المجزرة. 

يروي بن يشاي اللحظات الأولى لدخول المكان الذي تعرض للمذبحة، "لمحاولة فهم ما جرى، كيف ولماذا قُتلت عائلات بأكملها". وبثّ الوثائقي المشاهد الأولى للمشاهد الفظيعة في مخيمي صبرا وشاتيلا. وتابع يشاي: "صمت مطبق في المكان، صوت ذباب ونحل. يقشعر بدني كلما تذكرت تلك المشاهد".

تشبه الهولوكوست
اللافت أن بن يشاي عقد مقاربة استثنائية بين مذبحة "صبرا وشاتيلا" والمحرقة النارية التي تعرض لها اليهود في ألمانيا خلال أربعينيات القرن الماضي. وبالرغم من أن الوثائقي سعى لتخفيف وقع المسؤولية على إسرائيل، إلا أنه حمل إدانة ضمنية لجيشها، حينما قال بن يشاي: "رأينا كيف أن الكتائب الذين يرتدون الخوذة العسكرية التي منحناهم إياها، وهم ينكلون بالفلسطينيين، لقد بدا مشهداً من المحرقة النازية". 

وأكد بن يشاي في شهادته، أن الطاقم الإخباري الإسرائيلي، "كان أول من دخل إلى المخيمين"، واصفاً المشهد بالمروّع، حيث سمع صرخات النساء وشاهد أكواماً من الجثث المتناثرة في الطرق والأزقة والمنازل.

كما أدلى فني الصوت الإسرائيلي، بول كولسي، بشهادته عن المذبحة، ورؤيته لأم ممددة على مدخل بيت، وطفلة على بطنها، قائلاً: "لن أنسى ذلك في حياتي".

أما المصور الإسرائيلي، الذي كان ضمن الطاقم الثلاثي، فقد أكد أنه انشغل بتصوير الفظائع، بأسرع وقت ممكن، من دون أن يكترث بأي شيء آخر. 

لا براءة لإسرائيل
استعرض الوثائقي أول شهادة لفلسطينية ناجية، وهي تتحدث، باللغة الإنكليزية، لرون بن يشاي عما حصل، ويُرجَّح اعتقادها بأنها تتحدث لصحافي أجنبي، لا إسرائيلي. ووصف بن يشاي هذه الفلسطينية بـ"الشاهدة الأولى، وهي تروي ما حدث بدقة". 

بعد استعراض هول المشهد، يبحث الوثائقي، بائساً، عما يمكن أن يبرئ جيش الإحتلال، حيث عاد إلى الوراء لأسابيع قليلة قبل المذبحة، وتحديداً إلى يوم الثالث والعشرين من آب/أغسطس العام 1982، حين فاز الزعيم الماروني بشير الجميل، برئاسة الجمهورية اللبنانية.

انتخاب واغتيال بشير الجميل
وبث وثائقي تلفزيون "مكان" جزءاً من تقرير الصحافي الإسرائيلي دان سمماه، وهو يواكب الإحتفال بفوزه في بيروت، حيث وثق هذا المراسل في تقريره الأرشيفي قبل عقود، ومن قلب العاصمة اللبنانية، "اللافتات التي غطت بيروت، وكذلك أحاديث لبنانيين لهذا المراسل عن وصفهم بشير الجميل بالأمل لهم". 

واعتبر المراسل الإسرائيلي (متوفى حالياً)، أن الجميل كان "أمل إسرائيل أيضاً، بتطهير لبنان من المسلحين السوريين واللبنانيين المعادين لإسرائيل، وإبرام تل أبيب اتفاق سلام مع دولة عربية جديدة". 

بيدَ أن الوثائقي الإسرائيلي ذكر أن "الأمل" برئيس لبناني مُهادن لإسرائيل، سرعان ما تلاشى، إثر اغتيال الجميل في تفجير ضخم هز بيروت بعد ثلاثة أسابيع من انتخابه. 

ويظهر أن الصحافي الإسرائيلي ايهود يعاري قد غطى واقعة اغتيال الجميل ببث حي ومباشر من محيط مقر حزب "الكتائب" في حي الأشرفية في بيروت.

ويحاول الوثائقي تبرير عودة الجيش الإسرائيلي لإحتلال "بيروت الغربية"، حيث يقع مخيما صبرا وشاتيلا الفلسطينيان، وذلك بقوله إن "إسرائيل التي قلصت وجودها في لبنان، فهمت أن الرسالة من اغتيال بشير الجميل موجهة إليها". 

تطهير المخيمين
هنا، يقدم الوثائقي دليل إدانة لإسرائيل، حينما نقل عن جنرال إسرائيلي، بأن جيشه أعطى تصريحاً لقوات "الكتائب" بتنفيذ مهمة "تطهير المخيمين" من المسلحين. كما أظهر الوثائقي انتهازية إسرائيل التي أرادت الحفاظ على حياة جنودها، عبر تحويل المهمة الى "الكتائب" مستفيدة من حالة الغضب الشعبي على اغتيال بشير الجميل، وهو ما يؤكده الوثائقي، بالرغم من أنه سعى لإبعاد المسؤولية عن إسرائيل، من خلال القول إن حزب "الكتائب" كانت لها خطط أخرى، ألا وهي الإنتقام لاغتيال زعيمه.

فالوثائقي يقدم دليلاً ملموساً على أن إسرائيل أرادت "قاتلاً بالوكالة"، لإبعاد جنودها عن المهمة وحمايتهم، ولدرء أي مسؤولية مباشرة عن المذبحة التي ستقع. ناهيك عن أن إسرائيل "تعي جيداً بأن مقاتلي الكتائب مشحونون بالإنتقام لزعيمهم"، وأن سيناريو المذبحة قائم، خصوصاً أن الإذن الإسرائيلي بإقتحام المخيمين الفلسطينيين جاء بعد أيام قليلة على اغتيال بشير. 

ويبرز تساؤل مفاده: طالما تشرف إسرائيل على العملية العسكرية، فكيف يمكن التصديق بأنها لا تعلم بالمذبحة منذ اللحظات الأولى؟.. ولماذا استمرت المذبحة ليومين إضافيين بالرغم من أن الطاقم الصحافي الإسرائيلي قد وثق المذبحة في اليوم الثاني؟

رعب اسرائيلي
الحال أن بن يشاي كشف الرعب الإسرائيلي من تحمل مسؤولية المذبحة أمام العالم، حيث اجرى المراسل اتصالاً هاتفياً عاجلاً بوزير الحرب آنذاك، أرييل شارون، ليخبره بضرورة "أن تفعل إسرائيل شيئاً، حتى لا يلفّ العالم الحبل على رقبتنا". 

وفي نهاية استعراض وثائقي "مكان" لشهادة الطاقم الصحافي الإسرائيلي، قال إن رون بن يشاي، بعد إنجاز تقريره عن صبرا وشاتيلا، عاد إلى تل أبيب، وفي جعبته الشهادات على المذبحة. وعرض الوثائقي مشاهد لتظاهرات واحتجاجات في الدولة العبرية، للمطالبة بلجنة تحقيق في المذبحة.

وختم الوثائقي بعبارة لم تخلُ من الإدانة لإسرائيل، وذلك على لسان بن يشاي، إذ أقر بأنه "كان بوسع الجيش الإسرائيلي منع المذبحة". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها