الثلاثاء 2022/08/23

آخر تحديث: 13:51 (بيروت)

التاريخ اللبناني كما يرويه "حزب الله"

الثلاثاء 2022/08/23
التاريخ اللبناني كما يرويه "حزب الله"
increase حجم الخط decrease
مجموعة من الأشخاص يتظاهرون في منطقة مجهولة، على الأرجح في الضاحية الجنوبية لبيروت، في مشهد يعود إلى أوائل ثمانينيات القرن الماضي. نسوة يرتدين العباءة السوداء، ويرفعن شعارات تدعو  المسلمين إلى التوحد.. وبالتزامن، يُسمع هتاف هجائي للولايات المتحدة: "أمريكا الشيطان الأكبر".. وفي الخلفية، يظهر رسم للخميني على الجدار باللون الأسود.

ينتقل المشهد إلى معسكرات التدريب في البقاع، شبان يحملون رايات حمراء ويهتفون "لبيك يا حسين" على وقع إطلاق الرصاص وخبط  أقدامهم على الأرض، لتبدأ بعدها مسيرة الجماعة الشيعية  بقيادة "حزب الله". 


في اختتام فعاليات "الأربعون ربيعاً"، بذل "حزب الله" جهداً إعلامياً ضخماً. أموال طائلة أُنفقت لإعداد فيديوهات الاحتفال بانطلاقة "حزب الله" في العام 1982. تستعرض الفيديوهات بعد البداية، انجازات الحزب، من التحرير في العام 2000 إلى حرب العام 2006 ودخول الحزب إلى سوريا وقتاله إلى جانب بشار الأسد.

يحاول الحزب، عبر المشاهد المصورة لمقاتلين يساعدون المدنيين على الخروج من مناطق الحرب، أن يظهر صورة مغايرة للأخبار التي تم تناقلها طوال العقد الماضي، عن القتل الذي مارسه نظام الأسد وحلفاؤه بحق المدنيين في حلب وحمص والغوطة وغيرها. 


الأهم من ذلك كله، هو أن حزب الله، عبر الفيديوهات المعروضة والمناسبات الاحتفالية، يروي تاريخاً لبنانياً مغايراً للتاريخ المتعارف عليه، وهو ما تحاول كل جماعة تمتلك زمام السيطرة أن تفعله، وأن تقدم روايتها الخاصة لجماعتها وللآخرين. 

لم يحتفل "حزب الله" يوماً بعيد الاستقلال المؤرّخ في 22 تشرين الثاني 1943، بل إن جمهوره يعتبر أن الاستقلال الحقيقي للبنان قد حدث العام 2000 إثر الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب. لبنان بالنسبة لحزب الله، بدأ مع بداية "النهضة الشيعية" في العام 1982 وتكرس استقلاله في العام 2000.  

قبل "حزب الله"، دأب المؤرخون المسيحيون والدروز على كتابة تاريخ لبنان، مستلهمين الصراع الذي خاضته الجماعتان ضد السلطنة العثمانية للحصول على وطن مستقل خاص بهم. كتب التاريخ، التي روت قصة الأمير بشير والأمير فخر الدين وثورة الفلاحين الموارنة، استثنت أي مساهمة شيعية في مسيرة تأسيس دولة لبنان، بقي الشيعة على الهامش، جماعة غير معترف بها. 

بالتوازي مع التاريخ الذي يكتبه حزب الله، والذي ينتقل إلى الذاكرة الجماعية لجمهوره ويترسخ فيها، تكتب الجماعات اللبنانية الأخرى تاريخاً خاصاً بها. يكتب المسيحيون، بقيادة "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، تاريخ الصراع الذي خاضوه ضد الجيش السوري في ثمانينيات القرن الماضي. يخلدون المعارك التي خاضوها في زحلة والأشرفية وسوق الغرب.

الاستقلال بالنسبة لهؤلاء، حدث في العام 2005، بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، كثمرة نضالات استمرت أكثر من خمسة عشر عاماً. 

يضيع التاريخ اللبناني في خضم صراعات الجماعات الطائفية التي تحاول كل منها كتابة تاريخ لبناني خاص بها، ومعها تضيع الهوية الوطنية التي يفترض بها أن تكون جامعة للكل. يتحول يوم 22 تشرين الثاني 1943، إلى تاريخ رمزي لاستقلال لبنان، تحتفل به المؤسسات الرسمية للدولة، بينما تحتفل كل جماعة طائفية بعيد استقلال خاص بها. 

ينسحب هذا الاختلاف على جميع المناسبات اللبنانية، وينعكس على تعريف الأعداء والأصدقاء، ووجه لبنان، وانتمائه، وصورته، واقتصاده. كل شيء يصبح نسبياً، أي حسب: هل سوريا عدو أم صديق؟ حسب: هل نسأل في الأشرفية أم الضاحية الجنوبية؟ 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها