السبت 2022/08/20

آخر تحديث: 14:40 (بيروت)

فنانو لبنان متضررون أيضاً من الأزمة

السبت 2022/08/20
فنانو لبنان متضررون أيضاً من الأزمة
increase حجم الخط decrease
"صوته حلو... بس ما يحكي سياسة"، بهذه العبارة البسيطة، يجرد الجمهور الفنان اللبناني من حقه في التعبير، ليصبح مواطناً "مكتوم" الرأي السياسي. وإذا كانت هذه القاعدة، فتبقى الغلبة في لبنان للاستثناء بالمجال الفني.

عقدان يفصلان بين أغنيتي غسان الرحباني، "صارت سنة الـ2000 وظبط البلد" و"دار الموتور... عطيني الشارجير". و"بعده ما ظبط البلد".

بدورهم، ما زال الفنانون ينتقدون الأوضاع السائدة، مع فارق في التطور التكنولوجي الذي غيّر أساليب تعبيرهم، حدّ تكريس حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، لانتماءاتهم السياسية، ما زاد من ضريبة تعبيرهم عن رأيهم، وصولاً لإحجام بعضهم كلياً عن التعبير بعد خوضهم تجارب قاسية، كتجربة الملحن سليم صفير الذي تسببت تغريدة له باحتجازه في السعودية.

الفنانون كالشعب: بين مؤيد وثائر

وهؤلاء الفنانون هم من الشعب الذي حجزت أمواله في المصارف، ودمرت مدينته وهدمت منازله في انفجار 4 آب/أغسطس 2020 وتراجعت أعماله وانتفض العام 2019 على نهج الفساد القائم.


وامتيازات الشهرة، دونها سلبيات، أبرزها تأثير آراء الفنانين السياسية في شعبيتهم، وصولاً لشن حملات ضدهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وبينما كانت المنظومة تروج لانهيار على وقع أغنية "أهلا بهالطلة"، كان عدد كبير من الفنانين يتراجع عن تأييده للأحزاب بالعلن، إما عن قناعة أو تماشياً مع الحالة الشعبية، كما أن عدداً منهم أطلق أغنيات ضد الطبقة السياسية خصوصاً مع انتفاضة 17 تشرين.

وافتتحت أغنية "طار البلد" للفنان راغب علامة، العام 2019، مرحلة الانهيار الكبير. ورغم أنها عمل فني وليست رأياً سياسياً لعلامة، إلا أنه لم يسلم من التهديد وقتها بأن "يطير راسو"، في إشارة واضحة إلى أن الأعمال الفنية نفسها مهددة عندما تحوي رسائل سياسية ترى فيها الأنظمة الحاكمة تصويباً عليها.


مقابل انزعاج السلطات من أعمال تؤلّب الرأي العام ضدها، كانت هناك استفادة حزبية من فنانين عبّروا عن دعمهم العلني للأحزاب عبر مواقع التواصل، بل إن بعضهم جنّد صفحاته لتأييد مواقفها وتبرير قراراتها وشن هجمات على كل من يعاديها، وهي مبادرات فردية في أغلبها، لكنها في غالب الأوقات كانت تصبّ لصالح الأحزاب وتنقلب على مطلقيها سلباً.


على سبيل المثال، دعمت الممثلة سهى قيقانو الحملة السياحية "أهلا بهالطلة" من بوابة البترون، هي المدافعة الشرسة عن التيار الوطني والرئيس ميشال عون، فيما يسخّر المنشد علي بركات أناشيده لصالح أفكار حزب الله السياسية، وتُنتقد شخصية "إم خالد" التي تؤديها الممثلة جوانا كركي، لـ"حصرها المرأة البيروتية بالولاء للرئيس السابق سعد الحريري"، بينما بعد تعرضها للأذى من انفجار 4 آب، شملت الفنانة اليسا بغضبها جميع أطرف الطبقة السياسية، هي التي لطالما عُرف عنها تأييدها لحزب القوات اللبنانية.


في المقابل، هناك فنانون لطالما التزموا "الحياد" خشية على رصيدهم الجماهيري، فيما ارتأى بعضهم تقديم أعمال وطنية جامعة، كأغنيات تغنت بلبنان وجيشه وشعبه، للفنانين نجوى كرم وعاصي الحلاني وغيرهم. إلا أن الأغاني الوطنية الثورية، لم تحصّن أصحابها من حكم الجماهير على انتماءاتهم السياسية، كاحتساب الفنانة ماجدة الرومي المعارضة لحقبة الوصاية السورية، على محور 14 آذار، واحتساب الفنانة جوليا بطرس على محور الممانعة، بينما يتم تغييب أغاني الفنان فضل شاكر بعد انتمائه لجماعة أحمد الأسير.

الثورة كمحطة مفصلية

كان للفنانين دور لافت في الثورة، فكانوا في طليعة المؤثرين فيها ولاحقاً بالانتخابات النيابية، وأبرزهم الفنان بديع أبو شقرا وأنجو ريحان وعبدو شاهين وغيرهم، إذ لم يكتفوا بالتعبير، بل قاموا بشبه اقتحام لتلفزيون لبنان أول ايام انتفاضة 17 تشرين، بهدف الضغط لنقل تحركات الناس عبر الإعلام الرسمي.


في السياق، شدد أبو شقرا في حديث لـ"المدن"، على أنّ "الفنانين هم مع الناس وجزء من هذا المجتمع، وانتفاضتهم على الظلم أمر بديهي". وإذا كانت المعادلة المطروحة هي "إما خسارة الوطن كلياً، أو الخضوع للوضع السائد لناحية حكم المحاصصة والزعامات والذل والسرقات والنهب"، فنحن "لا نريد انهيار البلاد ولا استمرار الفساد فيه ومن هنا كانت انتفاضتنا".

وأضاف أن الفنانين وقفوا بوجه السلطة من دون تردد انطلاقاً من "حماستنا للتغيير، إذ لم نخشَ تأثير انضمامنا للثورة في عملنا أو جماهريتنا". فهذه الأمور "لم تكن بالحسبان، وبرأينا كل شيء يهون أمام خسارة الوطن". موضحاً أن مشاركته في الثورة لم تؤثر في حياته الفنية: "كممثلين ثائرين، كانت لنا أعمال مشتركة مع ممثلين مؤيدين للأحزاب بعد الثورة"، وأتت ضريبة التعبير عن الرأي السياسي "على شكل تهديدات وجيوش الكترونية تعرضت لنا شخصياً، ولم تخل من محاولات تركيب أكاذيب للنيل منا".

المسرح... كمكان للمواجهة

أعمال درامية خجولة سلطت الضوء على الأزمات اللبنانية في العقود الماضية، قبل أن يشتد الانهيار، ويفرض أزماته من انقطاع للكهرباء والماء وقفزة الدولار مقابل الليرة، على نمط الحياة اللبنانية، في الأعمال الدرامية. ويعول أبو شقرا على دور مستقبلي مفصلي للمسرح، ليقود المواجهة: "سلاحنا هو المسرح، حيث سيكون في وضع مواجه جداً مع كل أنظمة الرقابة، فيما كل هذا الضغط الذي يعيشه اللبنانيون، لا بدّ أن يتم تنفيسه عبر المسرح".

ولفت أبو شقرا إلى أن "الفن هو من أكثر المجالات التي تضررت في البلاد، والمرحلة تقتضي مواجهة على مستويات متعددة، وكل فنان حسب ظروفه"، متسائلاً: "إذا لم يبادر الفنان لتوظيف جماهريته في قضايا وطنه، من الذي قد يبادر"، مستخلصاً أنّ "الفنان الذي لا يملك رأياً واضحاً بالمواطنة أقله، يصلح لأن يكون مؤدي إعلانات لا أكثر".

الخشية من القمع وخسارة الجماهير

"من يجري بحثاً عميقاً قد يكتشف ميولي السياسية، لكنني لا أظهرها في العلن"، تقول إحدى العاملات في المجال الفني، راوية تجربتها مع ضريبة "أن نُحسب على جهة سياسية".

وأكملت متحفظة عن الكشف عن اسمها: "لطالما حرصت على البقاء ضمن العموميات في الفن عندما يتعلق الأمر بالسياسة، كالتعبير عن انتمائي الوطني، فأنا مع كل شيء يعزز المواطنة وأسخّر فني دعماً لهذه القضية السامية" لكنني في المقابل "أفصل نشاطي السياسي عن مسيرتي الفنية".

والخشية من الربط بين المجالين مستمدة من تجربة سابقة، تستطرد: "لقد دفعت ضريبة إعطاء إحدى حفلاتي الفنية طابعاً سياسياً، إذ كنت لأُحسب على فئة سياسية ضد فئة، ما اضطرني للتبرير في الإعلام أنني خارج الاصطفافات، ولا علاقة لفرقتي الفنية بالسياسة".

في السياق، لا تنكر أن "واقع التضييق على الحريات هو أحد أسباب تحفظي عن إعلان رأيي السياسي، فإلى جانب خشية خسارة جماهير الأحزاب، يجعل تصاعد القمع والتهديد الفنان يحسب الف حساب قبل التعبير عن انتمائه السياسي".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها