الجمعة 2022/08/19

آخر تحديث: 18:04 (بيروت)

"الإنفلونسر" من صفة إلى مهنة.. و"لايف كوتش" مشكوك بمهاراته

الجمعة 2022/08/19
"الإنفلونسر" من صفة إلى مهنة.. و"لايف كوتش" مشكوك بمهاراته
المؤثران ميلاد وميليسا في "انستاغرام"
increase حجم الخط decrease
قبل سنوات كانت كلمة المؤثر influencer، صفة تُطلق على قائد رأي أو مفكر أو مثقف، لأن دوره الطبيعي هو التأثير في الناس، وتغيير القناعات والتوجهات والأفكار من أجل توجيه المجتمعات نحو التغيير الإيجابي. ومع إجتياح وسائل التواصل حياة الناس، إنفلتت المعايير والمفاهيم بشكل كبير، ولم يعد التأثير كما كان في سيرته الأولى.

تحوّلت كلمة "الإنفلونسر" من صفة إلى مهنة، فالرغبة في تحقيق الشهرة حفزت الناس على التحرك بغرابة في كل شيء، وإعطاء قدر كبير للأشياء الفاقدة للمعنى أصلاً، بل وجعل الأشياء المشوهة تبدو في أروع صورها. فكيف حول الإنسان نفسه إلى لوحة إعلانية، تحصد نسب مشاهدات وتؤثر في الأجيال الناشئة؟

يحمّس "الإنفلونسر" مشاهديه على كل شيء، بدءاً من الطبخ والمأكولات وصناعة المحتوى الكوميدي، إلى الثنائي الزوجي المرح، و"إنفلونسر" الثياب والموضة وتنسيق الأزياء، لا بل قد يكون الإنفلونسر ذا صبغة سياحية عبر جولاته السياحية والمطاعم التي يرتادها. 


يشير الناشط والخبير في وسائل التواصل، محمود غزيل، الى أنه ليس هناك من قاعدة واحدة لصناعة المؤثرين، إذ يختلف الأمر بحسب طبيعة هذه الجهة، كما الأهداف التي تود تحقيقها. "فقد نرى ولادة مؤثرين بالصدفة من خلال موقف أو حادث ينتشر عبر منصات التواصل، وهناك مجموعة من المؤثرين الذين يتم تأهيلهم وتدريبهم من صغرهم كي يكونوا مؤثرين"، فضلاً عن أن هناك "مؤثرين بنوا أنفسهم بأنفسهم من خلال المحتوى والمواد والعمل الذي يقدمونه"، وطبعاً يبقى هناك "المؤثرون المزيفون الذين يبتاعون المتابعين والتفاعل لكي تظهر أرقامهم عالية عبر منصات التواصل".

ويلفت غزيل الى بأنه "قبل انتشار فايسبوك وتويتر وتأسيس انستغرام، كان مستخدمو الإنترنت منكبين على إنشاء المدونات المتخصصة"، موضحاً: "كنا نجد بعضها متخصصاً في الأزياء، وأخرى في الأطعمة كما المدونات المتخصصة في السفر أو حتى بمتابعة الأسلحة المستخدمة في الصراعات المسلحة في المنطقة". لكن مع انتشار المنصات القائمة على نشر الصور، "بات المستخدمون يجنحون إلى نشر معلوماتهم ومشاركة آرائهم بطريقة بصرية أكثر، فبتنا نشاهد الفيديوهات في يوتيوب، والصور في انستغرام، وبات الناس يتأثرون بشكل واسع بتلك المنشورات، لا سيما تلك التي تظهر من خلالها منتجات أو أماكن ومحلات محددة".

وعن تحوّل الإنسان إلى لوحة إعلانية، يقول غزيل، إن "طريقة عمل المنصات، ساهمت بشكل كبير في الاعتماد على مبدأ أن المستخدمين يصدقون ويتأثرون بشكل أكبر بأشخاص مثلهم ويشبهونهم، بدلاً من مجرد إعلانات تلفزيونية أو إلكترونية"، ومن هنا "تم البناء على هذا المبدأ وانتشرت عمليات التعاون بين هؤلاء الناشرين وبعض الشركات والمؤسسات التجارية التي أرادت أن يتم نشر اسمها أو الإشارة إلى منتجاتها ضمن تلك المنشورات". وبالتالي "تحوّل الاستخدام البريء إلى حد ما، لهذه المنصات، إلى مهنة، وبات هذا الجيل الجديد يتفرغ ويحلم بها بدلاً من التفكير في دراسة الطب والهندسة والمهن المشابهة، كون الانفلونسر بات مهنة تجذب المعلنين والعملات الصعبة". 


عالم مزيف
يستمد الإنفلونسر قيمته من الأرقام. عدد المتابعين Followers  والمشاهدات والإعجابات likes، والتعليقات comments، بل إن هذه الأرقام هي ما يصنعه فعلاً، ويُعتبر العملة الحالية لإنفلونسر اليوم.

يضطر "الإنفلونسر" إلى تزييف أسلوب حياة رائعة، ليختلف عن سائر الناس، وبالطبع لن يستوعب الناس أن حياة الإنفلوسر الحقيقة ليس دائماً كما يصوّر. إذ يرى الناس الإنفلونسرز على أنهم يتمتعون بنمط حياة مذهل في كل شيء: يعيشون في إجازة، ويأكلون أفضل الأطعمة، ويرتدون أفضل الملابس، ولديهم أفضل المنتجات، تغمر غرفهم البهجة والسعادة، وهذا سيضع المتابع في دائرة المقارنة، ولعله يشعر بالسوء والعجز، لأنه لا يفعل مثلما يفعل الإنفلونسر. 
وسواء أدرك جمهور المؤثرين أم لا، فإنهم في الحقيقة مجرد رقم إقتصادي وواجهة إعلانية تُستخدم في حساب الأرباح، ويستفيد منها أصحاب العلامات التجارية.

  

يقول غزيل إن "مستخدمي منصات التواصل، ومن الأعمار كافة، لا يدركون أن النسبة الأكبر من الفيديوهات والصور المنشورة عبر الحسابات تتم معالجتها ببرامج المونتاج والتعديل الصوري، إما من خلال تحسين وجوه وأجساد المشاركين في تلك المواد البصرية أو حتى وجود ترتيبات واتفاقات معينة خاصة بالتصوير". وهذا قد يمتد إلى عدم الإفصاح عن اتفاقات لإظهار بعض المقتنيات والتوصيات، و"حتى تفاهات للظهور من خلال مؤسسات إعلامية أو تبني من قبل بعض المؤسسات". وبالتالي "لن يدرك المستخدمون ما يجري خلف شاشة الهاتف من تلاعب بالمشهد الصحيح والآراء الصحيحة حول المواضيع".

حسنات وسلبيات 
لهؤلاء المؤثرين حسنات وسيئات. من الحسنات، وفق غزيّل، أن بعض المؤثرين "ينكبّون جدياً على تقديم محتوى قيم للمتابعين، وهم الين ربما لا يتمكنون من القيام بذلك خارج منصات التواصل بلا دعم مالي كبير". وقد شهدنا خلال السنوات الماضية بروز العديد من الأسماء التي انتقلت من منصات التواصل إلى عالم المؤسسات والشركات الإعلامية. ويضيف: "كما لا يمكن أن ننكر الدور الذي يلعبه بعض المؤثرين في تسليط الضوء على نقاط قد لا تكون على رادار البعض، من بينها منتجات أو أماكن جديرة بالزيارة أو حتى ربما نشاطات يتم اكتشافها حديثاً أو غير معروفة".

أما أكبر سلبيات الإنفلونسر، بحسب غزيل ، فهي "أن الجيل الناشئ يعتقد أن مجرد نشر الفيديوهات والتفاعل الكبير عبر منصات التواصل، سيدرّ الأموال الطائلة وينقلهم إلى عالم الأحلام". كما أن بعض المؤسسات "باتت ترى أن لا داعي للعمل جدياً على خطط إعلامية أو الترويج بشكل تقليدي، بل الاعتماد فقط على هؤلاء الانفلونسر الذين قد لا يقدمون بتاتاً النتيجة المرجوة من هذا التبني الإعلامي". 


اللايف كوتش: مهنة مشكوك بأمرها
 
في مقلب موازٍ، تجتاح ظاهرة life coach، أي مدرب الحياة، "إنستغرام"، وهي مهنة جديدة قائمة على عملية تواصل بين المدرب والمتدرب، لتحقيق الأهداف وحل مشكلات وتعليم مهارات حياتية. هو أشبه بـ"غوغل ماب"، يدير وجهتك ويوصلك عبر الإتجاه الصحيح، ويساعد في إكتشاف الطاقات الكامنة وغير المكتشفة.

عادة، يلجأ إلى مدرب الحياة كل من يريد تحقيق هدف معين في المجال الفكري، والتعليمي، والرياضي، والمهني، والشخصي، ويحتاج لمدرب داعم بإستمرار له. ومن يفتقر للحماس ويحتاج جرعة تحفيزية خاصة، ومن يواجه مشاكل في طريقة التعامل مع الآخرين، ومن يود تغيير نمط وأسلوب حياته. فمن الصحة والتغذية والرياضة ومدربي العلاقات، إلى تحقيق الذات، وغيرها، تتسع دائرة الـ"لايف كوتش"، وكأنها تضارب على مهنة المعالجين والأطباء النفسيين، وتلعب دور الإرشاد التوجيهي لكل من يواجه مشكلة في حياته.

يعبر غزيّل عن أسفه لإنتشار ظاهرة "لايف كوتش" بشكل كبير، إذ بات العديد من الأشخاص يعلنون بأنهم باتوا مدربين معتمدين عبر الانترنت. لكن بحسب متابعة البعض في منصات التواصل، فإنها "مهنة مشكوك فيها بجدية وقد تكون محاولات تضليلية من وراءها بهدف الكسب المادي". ويرى غزيل "إن أكثر من يحاول الاعتماد على اللايف كوتش هي بعض المؤسسات التي تحاول أن ترى أن هناك نقاطاً إيجابية من توظيف هؤلاء، لكن في الحقيقة يبقى المعالجون وعلماء النفس هم المتمتعون بالغطاء الأكاديمي للعمل على دراسة شخصيات الناس وإعطاء النصائح الحقيقية التي تساهم في نقل الأشخاص إلى مستوى أفضل في الحياة".
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها