الأربعاء 2022/08/17

آخر تحديث: 17:03 (بيروت)

عمال الإغاثة السوريون .. "أنبياء" متهمون بالفساد

الأربعاء 2022/08/17
عمال الإغاثة السوريون .. "أنبياء" متهمون بالفساد
increase حجم الخط decrease
لن يكون مفاجئاً أن تشهد المرحلة المقبلة نشر حقائق عن عاملين في منظمات إنسانية، في إطار افتضاح حالات فسادٍ أو إثراءٍ على حساب النازحين السوريين.

وحين ستظهر هذه الحقائق، ستكون مختلفة نسبياً عما آلت إليه الأمور مع قادة فصائل ثورية انتقلوا من دعوة المحاصرين للصمود تحت القصف، إلى افتتاح مطاعم ودعوة الناس إليها.
ويعود الاختلاف إلى وجود ذهنيتين قد تلتقيان وتفترقان في نظرتيهما إلى الدورين العسكري والإنساني، وأين تبدأ مكاسب العمل وأين تنتهي.

وعلى عكس قضايا الفساد الحكومي، ستبقى ادعاءات الفساد ضد عمال الإغاثة غالباً بلا تحقيقات استقصائية توثقها، وستعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي كساحة انتقام وتصفية حسابات.

تدعم احتمال انتشار هذه الفضائح معطيات عديدة بدأت بوادرها تظهر على شكل شرارات متفرقة، وكان أبرزها ما جاء خلال إحدى الوقفات الاحتجاجية في مخيم الركبان أخيراً. 

ففي مقطع فيديو منسوب إلى مدير الإدارة المدنية في المخيم، محمود الهميلي، كان لافتاً استخدامه لِلغة خالية من المجاملة. وقال الهميلي متحدثاً باسم نازحي المخيم: "نحنا مانا شحادين ولا عاملين وقفات مشان حدا يشحد علينا". وناشد "الشرفاء في العالم -لا المتسلقين ولا الحرامية - إيجاد حلول جذرية للمخيم"، مطالباً بألا يقوم أحد بجمع تبرعات باسم نازحي الركبان، فقد سبق و"جمعوا لنا بأوروبا وأميركا وتركيا.. وما وصلنا شي"! على حد قوله.
وتزامنت الوقفات ونداءات الاستغاثة مع حملة أطلقها ناشطون منذ أسابيع على وسائل التواصل مع انتشار هاشتاغ "#انقذوا - مخيم - الركبان"، لِلفت أنظار المنظمات الدولية إلى واقع المخيم المأساوي. 
ويعيش داخل المخيم على الحدود السورية الأردنية نحو 7500 شخص يفتقدون لأدنى مقومات الحياة، ويعانون من شحّ المياه الصالحة للشرب التي تصلهم من أحد الآبار المحيطة.

ورغم أن الكلام همساً أو جهاراً عن تقاعس جهات إغاثية أو تورطها في شبهات فساد لا يعدّ جديداً، فإنّ التصويب عليها وعلى جامعي التبرعات بعبارات مباشرة يعني الكثير.

وكعادته في مواقف مماثلة، كان "فريق ملهم التطوعي" هذه المرة سبّاقاً في مواكبة الحدث، فأطلق حملة لجمع التبرعات من أجل توفير الطعام والشراب لنازحي مخيم الركبان.

وبالتزامن مع اتهام الهميلي لجامعي المال باسم النازحين بالاحتيال من دون ذكر جهة معينة، فقد خرجت في الشمال السوري انتقادات في سياق مختلف طاولت "فريق ملهم" تحديداً عقبَ اتهامه بطرد عائلة من مسكنها في"مخيم عزيز" بريف حلب. 

ولم يتأخر الفريق في إصدار بيان يفنّد فيه الشكوى، موضحاً أن سبب إخراج العائلة يعود إلى "إخلال رب العائلة (الأب) بالشروط التعاقدية المعمول بها بين العائلات المستفيدة وبين إدارة المخيم، وقيامه بمخالفات بينها التسبب بأضرار نفسية وجسدية لطفلته. فضلاً عن شكاوى جيرانه بحقه". 

وكغيرها من الشكاوى المحيطة بتجارب "العمل الإنساني"، يَصعُبُ تدقيق هذه الحالة كونها تخصّ بيئات عمل متداخلة المسؤوليات والأدوار. وأياً تكن ملابسات علاقة المتطوع بالنازح السوري من ناحية، وعلاقته بالجهات المانحة من ناحية ثانية، فإنه من غير الممكن تجاهل أصوات مشككة بالعمل الإغاثي راحت ترتفع سواء بأسماء صريحة أو بحسابات وهمية لتتحدث عن "مافيا منظمات تستعطف الناس بصور الضحايا كي تجمع التبرعات".
تُضاف إلى ذلك منصات إعلامية نشرت فيديوهات منسوبة إلى عاملين في فرق إغاثية "يسهرون ويسكرون على حساب الفقراء" بحسب ناشريها.
 
والواقع أن تصاعد اللهجة ضد المنظمات والمبادرات التطوعية ليس مرتبطاً باكتشاف متأخر للفساد بقدر ما هو متصل بعوامل أشمل. تتصدر هذه العوامل بالتأكيد آلية عمل الجهات الإغاثية، وصعوبة قياس شفافيتها المالية بالمعايير المتعارف عليها.

وهناك أيضاً ظروف مستجدة كان لها أثرها، فالأزمات الاقتصادية العالمية المتلاحقة والحروب والاضطرابات في أكثر من بلد أدت إلى إعادة خلط الأوراق والخطط التمويلية، وإخضاعها لحسابات التقليص والمفاضلة بين منطقة وأخرى وفقاً لمصالح الدول وتوجهات الرأي العام. 
وفي سوريا ازدادت العقبات أمام التمويل الإغاثي مع الانتقال من "الدعم الإنساني دون شروط" إلى وضع مؤسسات وجمعيات تحت مراقبة "مكافحي الإرهاب".

وبعيداً من فوضى التسميات وتحولاتها، فقد انتقل العمل الإنساني، كاقتصاد ظل للثورة السورية، من التدفق اللامحدود إلى حالة أشبه ببقعة ماء تتقلص وتضيق بقاطنيها فيزداد تنافسهم على ما تبقى من موارد.

وعليه، فمن الطبيعي ترقُّب ما هو أكبر من صرخات وشكاوى وفيديوهات تتصيّد عمال وموظفي المنظمات في حياتهم الشخصية. وبمجرد توفر الظرف المناسب قد نشهد نشر معلومات تحت عنوان "فضائح من العيار الثقيل". 

ولعل لحظة كهذه ستكون مرهونة بمدى اهتزاز العلاقة بين أطراف المعادلة الإغاثية (مستقطبو التمويلات، والمستفيدون منها)، أو بتزايد عدد ضحايا الاحتيال في هذا المجال. 

وبانتظار ما هو قادم تستحق كل معلومة انتظاراً صبوراً يشبه انتظار جثة عند حافة النهر، أو ترقب سقوط ثمرة تعفنت بمرور الزمن. وفي الأثناء يمكن معاينة الانتهاك الأوضح حتى اللحظة والمتمثل في تحول فرق المتطوعين إلى أداة لجمع التبرعات عن طريق تحريك عقدة الذنب لدى المتابعين بكل الوسائل، ولو استلزم الأمر استعراضاً لأجساد وإصابات وأطراف مبتورة، واستباحة للضحايا تجعل منهم سلعاً لجذب المال.

في المحصلة، فقد كان كثيرون من نشطاء وموظفي الإغاثة أدوات في اقتصاد مشوّه صنعَ منهم محطة لاستقبال المال السهل، ثم لتصريفه. لذا فإن المشكلة لم تكن يوماً في مدى قانونية ما يكسبون كرواتب أو كمِنح، ولا في أفراحهم الخاصة المقامة بجهودهم أو بأموال الضحايا وحسب، بل في دورهم بحد ذاته المحصّن بهالة أخلاقية صنعها متطوعون صادقو البذل، فكانت النتيجة ستاراً مضاداً للنقد يقف الجميع بصالحهم وطالحهم خلفه وكأنهم أنبياء!.

لكن وبما أن الظروف تتغير، فالقادمات ستأتي بجديد، ولن يؤخر كشف حقائق العمل الإغاثي سوى أن مكاسب الفاسدين لم تصبح بالضرورة مشاريع اقتصادية، لأن استثمارهم "الإنساني" القائم على تسييل مشاعر المانحين والمتضامنين حَوّلَ بعضَ نواتجه إلى خدمات لصالح النازحين، وبعضاً آخر إلى مشاريع غير اقتصادية كعمليات زراعة شعر ونفخ شفاه وتكبير صدر لمتطوعين ومتطوعات.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها