الثلاثاء 2022/07/05

آخر تحديث: 22:46 (بيروت)

تفاصيل مرعبة عن سفاح القاع.. تستر وانكشاف

الثلاثاء 2022/07/05
تفاصيل مرعبة عن سفاح القاع.. تستر وانكشاف
increase حجم الخط decrease
لا تبدو مُفاجئة الأنباء عن تدخل رجال دين وفعاليات سياسية واجتماعية وأهلية للتستّر على سفّاح بلدة القاع. بات التستر على أي مجرم، والتبرير له، واحداً من الماركات المسجلة باسم النافذين اللبنانيين الذين يحرجهم النشر الاعلامي في نطاقات الإعلام التقليدي والبديل، وهو نشر يصعب احتواؤه. 
والجريمة، من هول تفاصيلها، تحولت الى قضية رأي عام. لم تترك لأي شخصية نافذة، مهما علا شأنها، فرصة التلذذ بحماية المرتكبين، أو الاتجار بمعاناة الأبرياء. بعد تردد، أوقف شخص يُشتبه في ارتكابه جرائم تخدير واغتصاب أطفال في بلدة القاع اللبنانية. قيل أن ضحايا المرتكب، وهو عسكري متقاعد ويدير مقهى في البلدة الحدودية مع سوريا في شمال شرقي لبنان، ناهز عددهم العشرين. كان أبناء البلدة يتسترون عليه، ويتجنبون التدليل عليه بوصفه مشتبهاً فيه، إلى أن وصل الخبر إلى الأجهزة الرسمية التي أوقفته بغرض التحقيق، فيما تولى النشر الإعلامي حماية هذا المسار القضائي والأمني. 

المفارقة أن المرتكب، حظي بدعمَين مكّناه من تمديد ارتكاباته الاجرامية. دعم الصمت، بداية، خوفاً من الفضائح. وتم التعبير عن الصمت بلقاء عُقد في كنيسة بلدة القاع ضمّ فاعليات وعائلات البلدة لاحتواء هذه القضيّة، وواتفق أخيراً على تسليمها إلى القوى الأمنيّة التي تقوم بدورها وتتوسّع في التحقيقات. 


الدعم الثاني، جاء من جهات سياسية ودينية حمته من المحاسبة. باستثناء جرائم القتل، عادة ما تتدخل الفعاليات الاجتماعية والسياسية والدينية المحلية، لـ"لفلفة" أي ارتكاب متصل بما يسميه البعض "العار". في الواقع، لا يحمي هؤلاء الضحايا من تداعيات اغتصابهم أو التحرش بهم، ولا عائلاتهم من "عار" مفترض.. هو حماية مباشرة لسمعة المرتكبين وصورتهم. حماية للسفاحين، ودعم لهم تحت ضغط اجتماعي وضغط الحسابات السياسية والدينية. 

غير أن هذا مسار الدعم، يسقط عند النشر. ليست هذه الحادثة هي الأولى في مسار تشكيل وعي جمعي رافض للجريمة، وضاغط في اتجاه إنزال أشد العقوبات بمرتكبيها. قبل يومين، اشتعلت مواقع التواصل انتقاداً لرئيس بلدية بيروت جمال عيتاني الذي كان يحتفل بزواج ابنته في فندق فاخر في اسطنبول، بالتزامن مع انقطاع المياه عن العاصمة التي يترأس بلديتها لمدة عشرة ايام.. واليوم، يُسأل في مواقع التواصل عن صورة لسفاح بلدة القاع، بغرض نشرها والتشهير به.. ويُسأل عن صورة لنائب قيل أنه حاول حمايته، وعن صورة لرجل دين حاول طمس الحقائق، أو التخفيف منها، وإبعادها من التداول الإعلامي.
  

والحال أن النشر الفوري والضاغط في قضايا انسانية وحقوقية، أسقط ما يحاول النافذون تأمينه من حماية تسعى لمنع القضاء والأجهزة الرسمية عن محاسبة المرتكبين. ذلك انكشاف عام طرأ على المشهد اللبناني بعد 17 تشرين، وتغير مهم، قوّض موروث الحماية الاجتماعية والسياسية والدينية لمرتكبي جرائم إنسانية لم تصل (للصدفة ربما) الى مستوى إراقة الدماء. 

كان العرف الاجتماعي حتى 17 تشرين، أقوى من حقوق الأفراد. تندثر حقوقهم في العادة في مسلّمات قبلية، وفي قواعد التوافق الاجتماعي على طمس الملفات ذات "السمعة السيئة". السمعة، حسب العرف البائد، أقوى من حق الفرد.. والاحتكام الى طمس الوقائع، ثم المصالحات السرية، أقوى من تعزيز الثقة في الأجهزة الرسمية والقضاء.

ترعى الأحزاب والقوى النافذة هذا المسار، ليس لعجزها عن مواجهته بقدر ما توفر لها هذه الرعاية احتضاناً اجتماعياً تحتاجه في بيئاتها. ويدعم السياسيون هذه الوقائع، بدلاً من الاتجاه الى تشريع فكرة بسط سيطرة الدولة. تلك واحدة من المفارقات اللبنانية التي أوصلته الى "قاع" الانهيار الأخلاقي والحقوقي، قبل جريمة القاع، وبعدها. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها