الأحد 2022/07/03

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

"بيروت 303": استغلّ انفجار المرفأ وبرأ السلطة من المسؤولية

الأحد 2022/07/03
"بيروت 303": استغلّ انفجار المرفأ وبرأ السلطة من المسؤولية
increase حجم الخط decrease

بعد عامين على كارثة انفجار مرفأ بيروت، لم يتناول أي عمل درامي لبناني أو عربي  هذه الحادثة الأليمة بشكل جدي، لكن في المقابل تحاول العديد من شركات الإنتاج استغلال الحادثة للترويج لأعمالها الدرامية. ففي العام الماضي، أعلنت شركة "الصباح" أن مسلسل" صالون زهرة" يسلط  الضوء على معاناة اللبنانين بعد الانفجار، ليساهم ذلك بإثارة ضجة حوله، خصوصاً أن تصوير المسلسل  تم في الأحياء المتضررة من الانفجار في منطقة "مارمخايل" من العاصمة بيروت. لكن بعد انتهاء عرض المسلسل تبين أن الرابط الوحيد بين انفجار المرفأ والمسلسل هو جملة تقولها بطلة العمل "زهرة" (ندين نسيب نجيم) بأنها خسرت صالونها السابق بسبب الانفجار. وعليه، كان من المخجل تسويق العمل بهذه الطريقة، ومن أجل هذه الجملة السطحية الدخيلة على النص وغير المؤثرة حتى على السياق الدرامي.

اليوم تعود شركة "الصباح" لتسلك النهج نفسه، لتستثمر انفجار بيروت في مسلسلها الجديد، الذي يعرض حالياً، "بيروت 303"، حيث صرح القائمون على العمل بأنه يوثق أحداثاً واقعية جرت في بيروت خلال فترة زمنية معينة، وكان لها تداعيتها على الدول العربية والأوروبية من دون أن  يتم ذكر اسم الحادثة أو زمنها، ليتركوا الباب مفتوحاً أمام التأويلات.

وفي الحلقة الأولى من المسلسل يبدأ الإيحاء للحادثة واستحضار بعض التفاصيل المتعلقة بها، حيث يبدأ المسلسل بسقوط طائرة في البحر بالقرب من شاطىء بيروت، وبلقطات مصورة من الهواتف المحمولة توصف الدخان الكثيف الناجم عن الحادث، بشكل يكاد يتطابق مع حادثة انفجار المرفأ والفيديوهات التي رصدت اللحظات الأولى منه، وتلته مشاهد لانتشال الضحايا من المياه والتي صورت المستشفيات التي تعج بالمصابين والنقص الحاد بالكادر الطبي، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يعتبر صدفةً، فجميع تلك اللقطات تم اختيارها لتظهر مشابهة لفيديوهات انفجار المرفأ، خصوصاً أن هذا الحدث يؤدي إلى حراك شعبي ومظاهرات في الشارع اللبناني.

ينقسم المشهد في الحلقة الأولى ما بين صراخ الضحايا والحفل الفاخر لرجل الأعمال المشهور "عزيز" (عابد فهد)، الذي يحتفل بمناسبة إطلاق عطره الجديد "تاج" تيمناً بزوجته التي تحمل الاسم ذاته (سلافة معمار). في الحفل يتلقى الثنائي اتصالاً هاتفياً من الشرطة ليبلغهم أن ابنهم كان على متن الطائرة التي سقطت وأن جثته مفقودة وأنه المشتبه به الرئيسي في تفجير الطائرة وفي محاولة اغتيال شخصيات سياسية معروفة كانت على متنها، لتبدأ رحلة البحث عن الابن المفقود.

هذا السياق بحد ذاته يسخف من صورة الحراك الثوري في لبنان، فيجعله حراكاً غاضباً ضد عصابات إرهابية تحاول أن تعكر صفو الحياة الرغيدة التي يعيشها اللبنانيون، كما أنه يجعل الحكومة والشعب على صف واحد ضد الغريب المجهول. وبغض النظر إذا كان صناع العمل يقصدون إعادة تجسيد لحظات انفجار المرفأ أو يختارون كارثة إنسانية عشوائية، فإن كل ما يتم تقديمه يبدو سطحياً ويرسخ الأفكار المشوهة عن المؤامرات الخفية ضد طبقة السياسيين وضد طبقة رجال الأعمال، فالمستهدف الأول هو "عزيز" الذي يتم تحريض الناس ضده من قبل جهة مجهولة لتحث أهالي الضحايا على الخروج بمظاهرات ضده وضد الدولة، رافعين شعارات ممائلة لتلك التي رفعها أهالي ضحايا انفجار المرفأ المطالبين بمحاسبة المتورطين بالانفجار!

وفقاً لذلك، يبدو المسلسل فاقداً تماماً لأي حساسية فنية تجاه الظرف الإنساني المحيط، فهو لا يراعي المعاناة والذكريات الأليمة للناس الذين مروا بتجربة تفجير المرفأ ، كما يقلب المعادلة بتوجيه البوصلة إلى الاتجاه المعاكس بطريقة ترضي السلطات الحاكمة. وما بين السطور، ومن خلال الهوامش المتعلقة بالحادثة، تتم إعادة رسم خريطة تحدد موطن الإرهاب في المنطقة لتبرئ فعلياً كل السلطات التي تحكم المناطق الأخرى، وذلك عندما يتم الإشارة إلى الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام إلى أنه موطن الإرهاب. فالمعارضة السورية هي بؤرة الإرهاب وهي التي تقوم بتصدير الإرهابيين إلى دول المنطقة، ويكفي أن يكون ابن عزيز قد زار تلك المنطقة ليكون المشتبه به الرئيسي في جريمة تفجير الطائرة.

والحال أن مشاكل المسلسل لا تقتصر على الخطوط السياسية المتحكمة فيه، وإنما هناك العديد من المشاكل الفنية التي تجعل "بيروت 303" واحداً من أسوأ المسلسلات اللبنانية السورية المشتركة. فالمسلسل يعاني من بطء شديد بالإيقاع يجعل من الممكن اختزال ما يجري في الحلقات الثماني الأولى بحلقة واحدة لا أكثر. وذلك يبدو غريباً حين مقارنته مع تصريحات الشركة المنتجة، التي ذكرت بأن المسلسل كان مكوناً من ثلاثين حلقة وتم اختصاره إلى خمسة عشر حلقة  للحفاظ على جودة القصة وكثافة الأحداث!

هذه التصريحات غير منطقية إطلاقاً بالنظر إلى كثرة مشاهد "السلوموشين" التي تملأ وقت الحلقة بالصمت والفراغ والنظرات المجانية، وبالمقارنة مع تصريحات مخرج المسلسل، إيلي السمعان، أيضاً، الذي صرح بأن العمل لم يتم عرضه في الموسم الرمضاني الماضي لعدم انتهاء الكتاب سيف الرضا حامد وبشار مارديني من كتابة النص حينذاك، أي أن النص لم يكتب بالأصل على أساس ثلاثين حلقة ويتم اختزاله.

ويزيد من رداءة المسلسل الأداء السيء للغاية لكل من سلافة معمار وعابد فهد، اللذين يزيدان من رداءة النص بالانفعالات المجانية والمبالغ فيها من الأولى والبرودة التقليدية من الثاني. ليظهر الثنائي بعيدا عن أي انسجام أمام الكاميرا. وحتى القصص الهامشية تبدو عاجزة عن سد الثغرات، بما في ذلك الخط الذي يشغله معتصم النهار، الذي قد يبدو أفضل السيئين في العمل، ولكنه غير قادر أيضاً على حمل المسلسل بمفرده وانتشاله من الرداءة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها