الثلاثاء 2022/07/26

آخر تحديث: 15:23 (بيروت)

"المُلازم" رانيا الذنون... مراسلة أسدية في "فرانس 24"؟

الثلاثاء 2022/07/26
"المُلازم" رانيا الذنون... مراسلة أسدية في "فرانس 24"؟
increase حجم الخط decrease
طوال سنوات كانت رانيا الذنون، المشهورة بين السوريين بلقب "الملازم ذنون"، واحدة من أشهر مذيعات التلفزيون السوري رغم رداءة أدائها، لكن مستوى التشبيح الذي اعتادت تقديمه على الشاشة دفعها لتتخطى تقديم نشرات الأخبار إلى إجراء الحوارات السياسية والتقارير الميدانية الأكثر أهمية. واليوم تنقل الذنون كل ذلك الإرث المهني "العظيم" إلى الشاشات الفرنسية حيث يُنتظر أن تعمل كمُراسلة للخدمة العربية في قناة "فرانس 24" من العاصمة دمشق.

ولعل هذا الانتقال ليس مفاجئاً بقدر ما هو انتقال إلى تكريسه رسمياً، إذ كانت الذنون ضيفة دائمة الحضور في شاشة "فرانس 24" خلال السنوات الأخيرة للتعليق على الأحداث في سوريا. وكانت القناة الفرنسية تقدمها كـ"صحافية سورية" مستقلة، في حين أنها معروفة للقاصي والداني كمروّجة للبروباغندا الأسدية. وخلال تلك الإطلالات المطولة كانت الذنون تقدم السردية الرسمية للنظام على أنها الحقيقة، وطبعاً بتحيّز مسبق لا علاقة له بالمهنية الصحافية.


ونشرت الذنون عبر حسابها الشخصي في "فايسبوك" (أغلقته في وقت لاحق بعد تزايد الانتقادات لها) صورة لها من مكتب لـ"فرانس 24" وذكرت أنها في إحدى ضواحي باريس، لكنها عادت وصرحت لوسائل إعلام محلية بأنها لم تغادر دمشق وأن القناة الفرنسية أرسلت كتاباً رسمياً لوزارة الإعلام لاعتمادها مراسلة لها داخل سوريا وأنها لن تعمل مذيعة للقناة في باريس.

والسؤال المهم هنا هو: لماذا تريد قناة مثل "فرانس 24"، تعيين مراسل لها في دمشق الآن في وقت لا تمتلك فيه مراسلين في دول كثيرة أخرى، عربية وغربية، خصوصاً أن الحدث السوري لم يعد ساخناً كما كان قبل سنوات عندما كانت "فرانس 24" نفسها واحدة من القنوات التي اتهمها النظام السوري وإعلامه بأنها من "قنوات التحريض على الدولة السورية"؟ وحتى مع تفهم الأسباب الداعية لذلك، مثل توسيع الحضور في شرق المتوسط أو الرغبة في زيادة متابعة الأحداث السورية وغيرها، لماذا يتم اللجوء إلى توظيف شخصية مثل الذنون، لا تكتفي بتقديم البروباغندا الأسدية، بل هي معروفة بالتحريض على القتل والعنف والدم عبر حساباتها في مواقع التواصل لسنوات؟

بالطبع، تعمل القنوات الإعلامية عادة وفق حسابات وشروط، مع السلطات المحلية، خصوصاً في الشرق الأوسط الذي لا يعرف معنى الديموقراطية وحرية التعبير واستقلالية الإعلام، لكن "فرانس 24" ونظيراتها من القنوات الغربية الناطقة بالعربية، تقدم نماذج شديدة السوء لتلك الصفقات، وإن تلافت "فرانس 24" الكثير من السقطات التي وقعت فيها شبيهاتها. والحال إن أحداً لا يطالب تلك القنوات بأن تكون صوتاً للمعارضة لأن ذلك سيكون بدوره منحازاً وغير مهني، لكن كل المطلوب منها هو أن تكون مستقلة وحيادية. ويشمل ذلك بالطبع الموظفين والتعيينات، مع الإشارة هنا إلى أن الأوساط الصحافية العربية منذ سنوات تتحدث عن سياسة التوظيف غير المفهومة في "فرانس 24" و"راديو مونتي كارلو" الفرنسيين تحديداً، مع اتهامات للإدارة في القسم العربي بامتلاك أجندات وولاءات سياسية لأنظمة عربية متعددة.

وليس من المبالغة القول أن الذنون ستتفوق قريباً جداً على مراسل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عساف عبود في مستوى التشبيح والتضليل الإعلامي أو مراسل وكالة "فرانس برس" ماهر المونس وغيرهما، في حال أصرت القناة على توظيفها من جهة، وفي حال حصولها على الموافقات الرسمية اللازمة للعمل من جهة ثانية حسبما صرحت لوسائل إعلام محلية، وإن كان ذلك سهلاً بالنسبة لشخصية كالذنون التي لا بد أنها حصلت على موافقة مماثلة كي تعمل مراسلة لوكالة الأنباء الإسبانية في دمشق.

والحال أن هذا التصريح حول الموافقة الأمنية المسبقة ينسف كل فكرة الاستقلالية المزعومة حول الذنون، التي لا تخفي أصلاً ولاءها الأعمى للنظام الأسدي حتى بعدما تركت العمل في قناة "الإخبارية السورية" وتوجهت للعمل في قناة "لنا" شبه الرسمية التي يمتلكها رجل الأعمال المقرب من النظام سامر فوز. وكان في إمكان القناة الفرنسية، حتى لو أرادت التطبيع مع نظام الأسد رسمياً، الاتجاه نحو اسم أقل انفضاحاً على سبيل المثال، حفظاً لماء الوجه. وحتى مع ترك كافة الجوانب الأخلاقية للمسألة جانباً، كيف يمكن لقناة بحجم "فرانس 24" توظيف مراسلة تظهر "كفاءتها" بقياس المسافات بالمتر المربع المستخدم لقياس المساحة؟ أو تغلق الهاتف في وجوه ضيوفها عندما يتحدثون في تفاصيل لا تريد إيصالها لمن يتابع؟


وقد "لمع" اسم الذنون المتحدرة من محافظة دير الزور، بعد الثورة السورية. وعملت في قناة "الإخبارية السورية" كمذيعة أخبار قبل أن يتم الدفع بها نحو برامج التحليل السياسي والحوارات "الجادة". وكانت أول مذيعة سورية تجري حواراً مع أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، العام 2015، وطرحت عليه حينها السؤال المعجزة: "ماذا تقول لنفسك عندما تنظر في المرآة؟". لكن شهرتها الواسعة بين السوريين بدأت العام 2014، عندما قابلت المرشح الدمية للانتخابات الرئاسية الشكلية، ماهر الحجار، حينها، وسألته باستهزاء أقرب إلى الوقاحة: "هل أنت مع داعش؟"، في معرض هجومها على المعارضة السورية في الداخل والخارج، بعد تصريح الحجار بأن المسؤولية في الوضع السوري يتحملها النظام والمعارضة معاً.

ليست معروفة تماماً ماهية الدعم أو العلاقات الشخصية التي تتمتع بها الذنون كي تحظى بكل ذلك الزخم خلال عملها في التلفزيون الرسمي، والذي يحتاج العمل فيه منذ عقود إلى موافقات أمنية وعلاقات شخصية وتوصيات من شخصيات نافذة. لكن فشلها في تحقيق أثر إيجابي بين الموالين للنظام في حواراتها السياسية السيئة جعلها تكرس نفسها كمراسلة ميدانية تغطي "الحرب" في البلاد، بينما باتت زميلتها ربى الحجلي تتصدر قناة "الإخبارية" كمحاورة سياسية.

وخلال عملها كمراسلة ميدانية، كانت الذنون ترافق جيش النظام السوري وتتفاخر بعمليات القصف وقتل المدنيين وتدعو لمزيد منها. ولا يمكن نسيان تغريدة شهيرة لها العام 2013 دعت فيه ضمنياً إلى قصف بلدة القصير بريف حمص وسط البلاد، والتي شهدت تهجيراً قسرياً لأهلها. وليس غريباً بعد ذلك كله أن تكون الذنون هي من يختارها النظام السوري، مرة بعد مرة، لمرافقة وفوده الدبلوماسية إلى جنيف من أجل تغطية المفاوضات المتعاقبة مع المعارضة السورية.


وطوال سنوات الثورة السورية، كانت "فرانس 24" متوازنة أكثر من غيرها في تغطية الحدث السوري، لكنها قدمت أيضاً هفوات من حين إلى آخر مثل إخلاء المسؤولية عن النظام السوري وحليفته روسيا في بعض عمليات القصف التي شهدها ريف حلب العام 2016، بالقول أنها كانت عمليات قصف من طرف "جهات مجهولة". لكن ذلك التوازن النسبي يبدو في طريقه للزوال في حال الاعتماد على الذنون التي أثارت غضباً حتى بين فرنسييين في مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم الممثلة والإعلامية صوفيا آرام التي استهجنت أنباء التعيين المُفترض للذنون عبر حسابها الرسمي في "تويتر"، قائلة: "إذا صحّ الأمر، فإن تعيين مروّجة لبروباغاندا نظام الأسد سيكون بمثابة ازدراء مطلق لجميع المعارضين وجميع ضحايا النظام".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها