الجمعة 2022/07/22

آخر تحديث: 13:59 (بيروت)

اللمس هو الأصل

الجمعة 2022/07/22
اللمس هو الأصل
(اللوحة: رولا الحسين)
increase حجم الخط decrease
دائمة البحث عن كرسي فارغ. يجب أن أجلس طالما أن الاستلقاء ليس دائماً متاحاً. لا تقلق، سنتحدث، سأجيب على أسئلتك، سأرد على مكالمتك التي كان يمكن استبدالها برسالة قصيرة، سأبعد خصلة شعري عن عيني، لكن أولًا يجب أن أجلس. وأفضل أن أجلس على الكرسي الذي يناسب طريقة جلوسي. في حديقتي أعرفه. في مقهاي المعتمد أعرف موديله وأحدق باحثة عنه، وأنتظر حتى أحصل عليه. وأصبح بإمكاني أن أخمن أي موديل يناسبني إذا كان المكان جديداً ولم أجرب كراسيه بعد.

سأجلس على كرسي منخفض، يسمح بأن أضع كامل قدمي، وليس فقط رؤوس أصابعي، على الأرض. وسيأخذ فخذاي مساحتهما وكامل حريتهما بالانفلاش. فخذاي طويلان وممتلآن، بشكل يجعل وضع ساق على أخرى أمرًا غير مريح. أحتاج إلى الراحة، فأعمد إلى الجلوس بفخذين متباعدين بالقدر الذي يسمح لي به اتساع الكرسي. كثيراً ما أتذكر وأنا أنظر إلى ساقيّ مزاح صديق لي بشأنهما: هيدي محادل يا رولا. طيب، أوكي محادل، وهذه المحادل تريد أن ترتاح بأكبر قدر ممكن.

الكتفان المشدودان إلى الخلف مناسبان فقط لساعة التمارين الرياضية في النادي، وحصراً بحضور المدرب، في غيابه سأتهرب من الأمر، فهذا قصاص لا يحتمل. الكذب حبله قصير وأنا لا أمانع أن يكون أقصر. أريد ان أجلس بكتفي الكسولَين. وأعلم تماماً أن بضع طيات ستظهر في منطقة البطن، لكن البطن كالحلَمات ليست سرًا. فلتظهر.

يجب أن أجلس كي أنظر جيداً، كي أحدق وأراقب. وكي يراني من يريد أن يراني. يجب أن ألقي حمل مؤخرتي السمينة حيث ترتاح، حيث يطمئن جسدي أن العرض انتهى وأنه كان طارئًا.

ليت الباب لا يُطرق أبداً. ليت من يطرقه يملك مفتاحه ويدخل، فلا اضطر للنهوض من استلقائي. أنا لا أدعو أحداً إلى منزلي، لأن الاستلقاء حينها سيحل في المرتبة الثانية لصالح الجلوس. أجلس في المقاهي لتعذر وجود أسِرَّة، أو في الحديقة عندما أتواجد فيها، وليس حين أكون مضطرة للتواجد فيها، مجبرة نفسي على النهوض والسير.

وإذا كنت تعرفني، وحصل أن زرتَني، فلن أقف. سأبقى مستلقية. وبما أن الاستلقاء هو غايتي أصلاً، فلنبدأ منه، وإليك مسبقًا يا مَن لا تعرفني بعض التلميحات: أنا أبدو أطول وأنا مستلقية، حتى وأنا واقفة أبدو أطول من طولي الحقيقي، ربما لأن ساقيّ طويلتان. وعند الاستلقاء سيختفي السيليوليت تماماً، وهذا من حسنات الاستلقاء المفضلة لدي، إنما كن على يقين: عندي سيليوليت! وعندما أكون مستلقية تولد مساحة شاسعة بين الثديين، ثدييّ بطبيعة الحال، ويصبح في إمكاني أن أتخيل رسمًا لنجوم درب التبانة يؤلفه النمش المنتشر أعلى قليلاً من السرّة.

كل ما أريد قوله لك يقوله هذا الجسد الجالس أو المستلقي، المتصالح تماماً مع آثار جاذبية الأرض عليه. ما الذي تريد معرفته أكثر؟ عيناي ستكملان ما لن يقوله جسدي الذي يبحث عن السكينة، أو ربما جسدي هو من يكمل ما تقوله عيناي. وعندما يصبح اللمس ممكناً، ستتأكد من حقيقة ثابتة، لكن تحققها يصبح غير متاح دائماً، كالاستلقاء، أو كالكرسي المرغوب: اللمس هو الأصل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها