الأربعاء 2022/06/29

آخر تحديث: 19:27 (بيروت)

في مجتمع لا ينبذ ثقافة الاغتصاب..لماذا تلتزم الناجيات الصمت؟

الأربعاء 2022/06/29
في مجتمع لا ينبذ ثقافة الاغتصاب..لماذا تلتزم الناجيات الصمت؟
increase حجم الخط decrease
استلزم الأمر فاطمة فؤاد، عامين حتى تبوح بما تعرضت له من اغتصاب خلال حفلة موسيقية بمناسبة رأس السنة 2019-202. قبلها، استلزم زينب ديراني ست سنوات لتتحدث عن تعرضها للتحرش، ما دفع البعض إلى طرح سؤال يبدو للوهلة الأولى منطقياً، وهو لماذا تلتزم ضحايا الاعتداءات الجنسية الصمت لفترة؟ لماذا لا يلجأن إلى الشرطة؟

ما يظهر من قضايا التحرش والاغتصاب في الإعلام، نزر يسير من الواقع. ينتشر الاغتصاب في مخيمات اللاجئين، في المدارس، في القرى وضواحي المدن.. إلا أن أصوات الضحايا ما زالت مكتومة.

يحدد الاختصاصيون عوامل عديدة تدفع الضحايا إلى الصمت، منها الأحكام السلبية التي قد يطلقها عليها الآخرون، وهو ما يحصل دائماً عند كل حالة، وهناك الخوف من عدم التصديق، أو على الأقل، التشكيك بظروف وملابسات الاعتداءات.. ففي العديد من الحالات تتهم النساء باختلاق القصص لإلحاق الأذى بالمُغتصِب، كذلك الخوف على السلامة الشخصية إذ يكون المعتدي في موقع قوة، كأن يكون في مركز أعلى من الضحية في العمل، أو أن يكون قادراً على إلحاق الأذى بها، وهو ما تعرض له العديد من ضحايا التحرش. الأهم من ذلك كله، هو العار الذي تشعر به الضحية حين تبوح بما حصل لها.

العار هو السبب الأول الذي يكمم أفواه الضحايا، هو رد فعل طبيعي بعد التعرض للاعتداء الذي يتضمن نزع الإنسانية عن الضحية المُعتَدى عليها وإذلالها. وأكثر ما تشعر به ضحايا الاغتصاب هو العجز، فالإنسان بطبيعته يسعى لأن يكون متحكماً في جسده ومصيره وهو ما يعطيه شعوراً بالأمان، عندما يفقد هذه السيطرة والقدرة على التحكم، يشعر بالإذلال والعار، خصوصاً في مجتمع يركّز على الفردية.

هذا الشعور بالعار، يدفع العديد من الضحايا إلى الشعور بالمسؤولية حول ما حصل لهن، في محاولة لاستيعاب الأمر وتبريره، ما يؤدي إلى عدم إبلاغ الشرطة عن الحادثة، أو في حالات أخرى، تحاول الضحايا التخفيف من وطأة ما حدث، والإدعاء بأن الحادثة لم تصل إلى حد الاغتصاب بل اقتصرت على بعض المداعبات. يساهم في ذلك رد فعل الدماغ الذي يحاول طمس الذاكرة في رد فعل "طبيعي" لحماية نفسه من وطأة ما حصل، بل تشير تجارب عديدة إلى أن ضحايا الاغتصاب يعانين/ون من فقدان محدود في الذاكرة لفترة معينة.

تروي إحدى ضحايا الاغتصاب: "لشهر كامل كنت أشعر أنني كائن فضائي، شعرت بأنني لست موجودة وعانيت خلاله من ضعف في الذاكرة، كنت ضعيفة إلى أقصى حد".

وهذا لا يعني أن المُعتَدى عليها لا تتذكر تعرضها للاغتصاب، لكن يكون هناك اختلاط في الأحداث. هذا الاختلاط والعجز عن تذكّر الأحداث بتسلسلها الحقيقي، يدفع بالضحية إلى التزام الصمت مخافة أن لا يصدقها أحد.

من الأشياء المهمة التي تدفع الضحية إلى التزام الصمت هو غياب الدعم. تروي إحدى الفتيات الأوروبيات أنها لم تكن تنوي اللجوء إلى الشرطة أو الطبيب الشرعي بعد تعرضها للاغتصاب، لكن إصرار أصدقائها على الذهاب، هو ما دفعها لذلك. هذه الشهادة تقع على النقيض تماماً من شهادة فتاة لبنانية مرت بالتجربة نفسها، ذلك أن أصدقاءها نصحوها بالسكوت عن الموضوع مخافة الفضيحة كأنها هي المذنبة.

تعطي هذه الهواجس، فكرة واضحة عن منظومة الحماية التي تبدأ من الدائرة الضيقة في المجتمع، من العائلة إلى الأصدقاء والأهل، وهي مفقودة طبعاً في لبنان. وتتسع الدائرة لتشمل أيضاً الجمعيات المدنية وقوانين الدولة ومؤسساتها.

بالعودة إلى ما كتبته فاطمة فؤاد في فايسبوك، هناك وصف دقيق لما حدث في الحفلة الموسيقية، وصف دفع بالبعض للقول بأن السهرة كانت عبارة عن حفلة مجون شاركت فيها فاطمة بإرادتها، وهو ما ظهر في مواقع التواصل، حتى من نساء. وفي ذلك جَلد للضحية اعتاد اللبنانيون على القيام به.

ففي الوقت الذي راح هؤلاء يحللون الضحية وتصرفاتها ويقيمونها، بقيت صورة المغتصِب مبهمة وثانوية، والحقيقة أن وجود فاطمة أو أي فتاة أخرى في أي نوع من أنواع الاحتفالات، بل حتى ولو كنّ في حال من النشوة أو السكر، لا يعطي أي مبرر للاعتداء عليهن.

هذا التبرير هو في الواقع استهداف ثانٍ للضحية، يجعل من مجتمعنا مجتمعاً يتبنى الاغتصاب ويشرّعه، وهو سبب آخر يدفع الضحايا للسكوت. فحين يشعرن بأن العالم كله يقف بوجههن، ولا فائدة من رفع الصوت، حين يلوم المجتمع كل شيء وكل الأشخاص إلا المغتصب ذي الصورة المبهمة، فإن الضحية لن تتكلم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها