الإثنين 2022/06/20

آخر تحديث: 18:32 (بيروت)

عن فيروز وقسوة عاصي.. والحارسة بنت الحارس

الإثنين 2022/06/20
عن فيروز وقسوة عاصي.. والحارسة بنت الحارس
increase حجم الخط decrease
تجاهُل الإعلام لكل ما ورد في الفيديو التكريمي لعاصي الرحباني في ذكرى رحيله، والذي تتحدث فيه الفنانة الكبيرة فيروز، وتركيزه على عبارة "عاصي كان قاسياً"، مردّه الصمت الذي أحيط بكامل علاقتهما طوال عقود.

على مدى سنوات طويلة، أحيطت صورة فيروز الإعلامية بهالة من القدسيّة. حافظت على الاستراتيجية الإعلامية التي رسمها لها عاصي الرحباني بشكل أساسي، وهي القليل من الكلام، والكثير من الإنجازات الفنية. حتى علاقتها بالجمهور، بقيت على مسافة متوازنة ومدروسة: فيروز محاطة بسور غير عالٍ، تستطيع أن تتفاعل مع الجمهور ولا تحتك به. ترتفع فوق هذا السور، ومن ورائه، يشاهدونها، يرونها، ولا يتدخلون في تفاصيلها. كانت تجربة إعلامية مختلفة، جذرياً أحياناً، عن مُجايلاتها من الفنانات اللبنانيات والعربيات، لا سيما الراحلة صباح التي غرق الجمهور في تفاصيلها غير الفنية، وكانت هي التي أغرقته في هذه التفاصيل بكل كرم وشفافية وبساطة.

لفيروز تجربة مختلفة. تتصدر إنجازاتها الفنية تفاصيل حياتها. أحيطت صورتها الإعلامية بهالة، ودخلت ميدان التقديس لدى كثيرين. لا تشوش خصوصياتها على إنجازاتها، وهي تفاصيل يفترض ألا تعني أحداً من جمهورها الذي يعشق ما تقدمه، وهذه أولوية بالنسبة للرحابنة.

طوال سنوات وعقود مديدة، لم تتخطّ معرفة الناس بفيروز، ما تريده هي. الجيل الجديد لا يعرف عن فيروز إلا القليل، وهو المتوافر والمصنف في العموميات فقط، مثل كونها زوجة عاصي الرحباني، أحد الأخوين الرحباني، ووالدة ريما وزياد، والمنقطعة عن التصريحات الاعلامية. فأرشيفها الإعلامي غير متوافر تقريباً. لا تعرضه الشاشات، إلا نادراً، وقليلاً ما يُعاد بث تصريحاتها الاذاعية (أحدهما بُث قبل نحو شهرين عبر إذاعة صوت كل لبنان – 93.3 أف أم).

كذلك، فرغ "يوتيوب" من تلك التصريحات، واقتصر على ما تبثه ريما التي يرى كثيرون أنها تحتكر والدتها الآن، وتتعامل معها ككنز لها وحدها أن "تستثمره" وهي التي لم تُعرف لها مهنة أو حِرفة أو وجود بمعزل عن والدَيها، عاصي الراحل وفيروز الحية فقط من خلال ما تبثه ابنتها في خضم شجاراتها الكثيرة مع العائلة والوسط الفني وكل من تعتبره منتهكاً لـ"حقوق الملكية الفكرية" الفيروزية/الرحبانية. هكذا، ظلت فيروز منقطعة بالكامل عن جمهورها، ما جعل أي تصريح قديم يُعاد بثه، بمثابة كشف.. وهو ما دفع وسائل الاعلام للتعاطي بشيء من النهم، مع الفيديو الأخير الذي أتاحته "حتلاسة البوابة" ريما، للجمهور، ويتضمن مقابلة مع فيروز في الذكرى الـ36 لرحيل عاصي الرحباني المتزامنة مع عيدَي الأب والموسيقى. 
 

قالت فيروز في الفيديو إن عاصي كان يمنعها من العودة إلى الجمهور. أكدت انها معجبة بآرائه وأفكاره "رغم أنه كان قاسياً ولا يقبل النقاش"، وشددت في الوقت نفسه على أنه "مهم جداً"، وكانت تصرفاته تمتاز بالـ"نبل"، ونقل هذا الجانب اليها. 



لم يتعامل الإعلام مع الإطراء بوصفه حدثاً. أخذ "القسوة" من تصريحاتها، ليبني عليها عناوين صحافية. يبحث الإعلام عن الجديد والمثير، وتسريب هذا الجانب من الأرشيف ليس اعتباطياً، وذلك للتخفيف من الانتقاد الدائم لفيروز على خلفية غيابها عن الأضواء. فهو يبرر ما اعتادت عليه، وما تمسكت به رغم رحيل عاصي. يكرس فكرة الوفاء له، ولقناعتها بتعاليم عاصي وأهميته بالنسبة لها، كما أثبت أنها "امرأة مطيعة" لتعاليم زوجها قبل رحيله وفي غيابه، وهي نموذج العائلة اللبنانية التي كانت رائجة آنذاك في الستينيات والسبعينيات، ولا تتردد في التأكيد على الفكرة.


فيروز بالنسبة للبنانيين، ولجمهور عربي عريض في العالم، هي فكرة، قبل أن تكون أيقونة غنائية. قد يأخذ الكثير على عاصي قسوته، وعلى فيروز طاعتها لزوجها وإيمانها به (على الأقل هذا ما سعى الفيديو لتكريسه).. لكنه نموذج مقابل لكل مفاهيم استقلالية المرأة، بمعزل عن النقاشات القائمة في هذا الوقت، والفارق بين زمنين.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها