السبت 2022/05/07

آخر تحديث: 18:02 (بيروت)

فيديوهات الثورة السورية خلت من الشعارات الإسلامية.. بسبب المونتاج!

السبت 2022/05/07
فيديوهات الثورة السورية خلت من الشعارات الإسلامية.. بسبب المونتاج!
increase حجم الخط decrease

لا تقدم التصريحات التي قدمها الإعلامي السوري إياد شربجي حول المونتاج الذي خضعت له بعض مقاطع الفيديو المصورة في بداية الثورة السورية من أجل خلق صورة نظيفة خالية من الشعارات الجهادية والإسلامية جديداً، ربما، لأن كثيراً من تلك المقاطع وجدت طريقها إلى الإنترنت بطريقة أو بأخرى وتحدثت عنها كتابات عند مناقشة فكرة الطائفية في سوريا وأسلمة الثورة في البلاد، لكنها تشكل وثيقة نادرة ربما من "نخب" الثورة نفسها بعيداً عن المراقبين الخارجيين، كما تكشف عن الاستقطاب السياسي المستمر في البلاد والذي يصل حد التشنج.

وقال شربجي في مقطع فيديو ناقش فيه مسلسل "الاختيار" المصري أن ناشطين سوريين من داريا والميدان كانوا يأتون إلى مكتبه في دمشق الذي توفر فيه حينها خط إنترنت سريع بحكم كونه مكتباً لمجلة مرخصة، وكانت مقاطع الفيديو تخضع لعملية تنقية بالمونتاج لإخفاء الشعارات الإسلامية والجهادية منها مثل: "قائدنا للأبد سيدنا محمد، تكرم عينك ياعرعور، وحياة ربي العزة بعد الشام على غزة"، وغيرها، مبرراً ذلك بأنه كان فعلاً وطنياً يدعم به الخطاب العام للثورة السلمية لتنقيتها من الشوائب النادرة فيها لكن ذلك جعل الإرهاب الذي كان موجوداً فيها يتمدد بدل محاربته من الداخل ما جعل الثورة السورية تستقطب بعد سنوات جهاديين من حول العالم سيطروا تماماً على المشهد.



والحال أن تلك الشعارات مازالت حتى اليوم حاضرة في "فايسبوك" و"تويتر"، تحديداً في المجموعات المغلقة، وبالتالي فإنها ليست سراً تماماً ولا تمثل اعترافاً بعدم سلمية الثورة السورية مثلما حاول الإعلام الموالي للنظام القول عند تداول الفيديو مجتزأً من سياقه، لأن شربجي لم يتحدث أبداً عن إخفاء أسلحة يحملها المتظاهرون على سبيل المثال، كما أن الفيديو نفسه لا يمثل عودة منه لحضن الوطن مثلما حاول ناشطون معارضون اتهامه به، لأن خطابه الذي استمر في مقطع فيديو آخر شرح فيه الموقف، تحدث طويلاً عن مصدر الطائفية في سوريا وهي النظام السوري وسياساته المستمرة طوال خمسة عقود حكم فيها البلاد بأسلوب فرّق تسد.

وشربجي المنحدر من مدينة داريا والمقيم في الولايات المتحدة، يشتهر بنقده للخطاب الديني وعقد قبل سنوات مقارنة مثيرة بين النبي محمد والدكتاتور بشار الأسد، ولطالما شكلت المواد التي يقدمها سواء بشكل نصوص مكتوبة أو مقاطع فيديو في "يوتيوب"، منطلقاً للتدقيق في الهويات الطائفية التي تحكم بلداً ممزقاً مثل سوريا، والتي أثبتت الحرب المستمرة فيها منذ 11 عاماً، أن فكرة وجود هوية سورية ليست سوى وهمٍ رومانسيٍ في أفضل الأحوال.

ولعل الفيديو الأخير يذكر بتساؤل يتكرر في كل حادثة تقدم فيها شخصية من شخصيات الثورة السورية خطاباً طائفياً أو تحريضياً (تحريض أسعد الزعبي على الأكراد، ...)، وهو هل قامت الثورة السورية كحركة تمثل صراعاً على السلطة فقط من أجل استبدال حكم علوي بآخر سني ضمن مفهوم الهويات الطائفية؟ ويعني ذلك هل عارض كثيرون من السوريين نظام الأسد لأنه في نظرهم "نظام علوي" يحكم أغلبية من السنة، فقط؟ وهل كان ذلك الموقف سيتغير لو كان حكم النظام "الأقلوي" أكثر عدالة وأقل إجراماً؟ ومهما كان الجواب عن ذلك السؤال، تبقى حقيقة أن خطاب المعارضة السورية وأداءها الإعلامي لم يوفرا لغير العرب وغير المسلمين شعوراً بوجود إمكانية لتغيير حقيقي في البلاد، كما أنها فشلت في الترويج لما يجب أن يكون من المسلمات في أي دولة عصرية منشودة، كالحقوق المتساوية للمجموعات المهمشة.

وكانت تلك التساؤلات حاضرة حتى في الإعلام العالمي منذ العام 2018 عندما طغت سردية أن ما يجري في سوريا يشكل صراع على السلطة، وبحسب مجلة "ناشيونال إنترست" فإن المعارضة في سوريا افتقرت إلى استراتيجية سياسية متسقة، وكانت لديها رؤية عامة تفتقر إلى الاتفاق على التفاصيل من المعارضين كلهم للوصول إلى سوريا ديموقراطية، ولتحقيق ذلك الهدف قامت المعارضة بخطوتين متناقضتين: غضت الطرف عن أي أخطاء قامت بها أي أطراف ملتزمة بالإطاحة ببشار الأسد، ورفضت التوصل إلى سلام فصائل لم تتفق معها. ويمكن ترجمة ذلك على أرض الواقع بتصريحات لمعارضين مختلفين حول التنظيمات الإسلامية بما في ذلك تصريح شهير للمعارض الراحل ميشيل كيلو اعتبر فيه جبهة النصرة المتربطة بـ"القاعدة" جزءاً من الثورة السورية.

وكان الترويج لصورة مثالية للثورة السورية بما في ذلك المونتاج الذي تحدث عنه شربجي، نتيجة حتمية لأداء غير متوازن، سياسياً بالدرجة الأولى، كما أن وسائل الإعلام العالمية نفسها منحت فرصاً لتكريس ذلك الخطاب غير الواقعي، عبر استبعاد المادة البصرية، أو الاخبارية، المؤذية لحركة شعبية انتفضت على نظام لا يؤمن بالتداول الديموقراطي للسلطة، وتحكمه عائلة واحدة منذ 50 عاماً، بحسب "ناشيونال إنترست".



هذا النوع من المقاربات ذات الأثر الرجعي (Retrospective) تتأخر عادة عقوداً قبل تقديمها وانتهاء الصراعات نفسها، وفي الحالة السورية التي مازال فيها الصراع مستمراً من دون استقرار، فإن المقاربات تعيد التذكير فقط بمدى الاستقطاب الموجود بين الأفراد لكونها تشكل حدثاً تتلاقى فيه الكتلتان السياستان الكبيرتان (الموالين والمعارضين) من جهة وضمن كل كتلة على حدة أيضاً.

وفيما يقول شربجي أنه يقدم نقداً للثورة السورية، فإن اتهامات كثيرة طاولته بالعودة لحضن النظام من طرف معارضين يعادونه أصلاً بسبب مواقفه الدينية، كما انتشرت قراءات تقول أن النخب المعارضة تعيد تشكل نفسها ضمن اصطفافات جديدة بغرض الانفتاح على الدول الإقليمية التي بدأت تعيد علاقاتها مع نظام الأسد، لكن ذلك قد يحمل مبالغة بحد نفسه خصوصاً أن شهادات كثيرة من شخصيات معارضة بارزة كانت تقدم "اعترافات" بفشل الثورة السورية منذ العام 2017 بدافع اليأس، مع تحول النزاع في البلاد إلى صراع مجمد ضمن بموجبه الأسد البقاء في السلطة مع أزمة اقتصادية واجتماعية وإنسانية لا حلول لها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها