الجمعة 2022/05/13

آخر تحديث: 20:09 (بيروت)

"النفوس الكرام".. بشار الأسد مهووساً بتقليد السيسي

الجمعة 2022/05/13
"النفوس الكرام".. بشار الأسد مهووساً بتقليد السيسي
increase حجم الخط decrease
ليس عيد الشهداء في سوريا سوى مناسبة رمزية، تمر كل عام بلا ضجيج. فرغم أن البروتوكل الرسمي يفرض على رئيس الجمهورية زيارة صرح الجندي المجهول لتقديم الزهور لرفاة الشهداء، إلا أن هذا الطقس لم يعد يحدث، وبات العيد مجرد مناسبة شكلية، تكتفي الدوائر الرسمية والمؤسسات التعليمية بالتوقف عن العمل ليوم واحد، وبالكاد تُذكر المناسبة في وسائل الإعلام الرسمية.

ففي العام الماضي على سبيل المثال، اكتفى بشار الأسد بإرسال ابنه لتنفيذ طقس عيد الشهداء نيابةً عنه، ليتم استثمار المناسبة في سبيل تقديم حافظ بشار الأسد للجمهور بوصفه ولي العهد القادر على أداء الواجبات الوطنية وشغل مهام رئيس الجمهورية. 

في هذه السنة تم استثمار المناسبة على نحو مختلف، حيث بثت صفحة "رئاسة الجمهورية العربية السورية" في ليلة الثلاثاء، بعد منتصف الليل، فيديو مباشراً لفعالية "النفوس الكرام" التي تم تقديمها احتفالاً بالذكرى السادسة بعد المئة لعيد الشهداء في المتحف الوطني بدمشق، قرب جسر الرئيس الذي انتشرت صوره مؤخراً حيث تجمّع أهالي المعتقلين.
 

في الفيديو تظهر المنطقة التي كانت يجتمع بها آلاف المقهورين، خاليةً من البشر تماماً؛ وحده بشار الأسد وزوجته أسماء يملآن الفضاء. يمران في الطريق الخالية باتجاه المتحف لافتتاح الفعالية؛ ليبدو مشهد دخول الأسد للحفلة لوحة سوريالية لا تخلو من الرمزية، فبشار الأسد وحده قادر على إخلاء المكان وإنهاء أي شكل من أشكال الحياة وإبادتها، ونفي كل الأصوات المعذبة إذا ما علت في الرقعة الجغرافية التي يبسط سيطرته عليها. 

"النفوس الكرام" هو عبارة عن حفلة فنية منوعة، تتداخل فيه الموسيقى وعروض الإضاءة والخطابات الشعرية والفيديوهات، لتقدم خلاصة وجبة إيديولوجية جاهزة يقدمها النظام للجمهور في وقت يزداد فيه الضغط يزداد على النظام إثر فضيحة مجزرة التضامن وحكايات المعتقلين والتعذيب الوحشي التي عادت لتطفو على السطح. 

في العرض يبدو بشار الأسد مهووساً بتقليد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي حاول أن يلمع صورته بعد فضيحة انتهاكات حقوق الانسان والتعذيب في السجون المصرية من خلال فعالية ضجت بها وسائل الإعلام. "الملكية" كانت حدثاً عالمياً أقيم يوم السبت 3 أبريل 2021، تضمن مغادرة 22 مومياء ملكية المتحف المصري الواقع في ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة إلى موقعها الجديد في المتحف القومي للحضارة المصرية في الفسطاط شرقي القاهرة، وحضر الفعالية عدد كبير من الفنانين وتم اقفال المدينة بشكل كامل خلال رحلة نقل الموميات وسط كرنفال ضخم، وشارك السيسي شخصياً في نقل المومياوات وتوصيلهم الى مقرهم الجديد.

بشار الأسد يحاول التغطية على مجزرة حي التضامن بالطريقة ذاتها، لكن بفرق هائل على المستوى الفني وضخامة الحدث. فالسيسي تفاخر ببناء متحف جديد مجهز بأحدث التجهيزات على مستوى العالم. أما بشار الأسد فاكتفى بتوقيع اسمه فوق منتجات جاهزة، إذ اختار المتحف الوطني الذي يعد أول متحف تم تأسيسه في سوريا بعد خروج القوات العثمانية، ويضم آثار مكتشفة في سوريا من عصور ما قبل التاريخ ويضم أول أبجدية في العالم "أوغاريت"، ليكون هذا المتحف مسرحاً لعرض رواية تاريخية موازية، تختصر تاريخ سوريا في سياق درامي مبتذل ينتهي بالانتصار الشعبي المتمثل بحكم عائلة الأسد لسوريا! 

العرض الضوئي الرئيسي استخدم واجهة  قصر الحي الغربي، الذي يعود إلى عهد الخليفة هشام بن عبد الملك العام 727م؛ حيث اختار بشار الأسد هذه التحفة المعمارية الأثرية ليكرّم عليها والده ونفسه، في الاستعراض التاريخي الذي يطمس تاريخ هذه التحفة وكل ما هو عريق وأصيل في الحضارات المتعاقبة التي مرت على سوريا. فبدأ العرض الضوئي على البوابة الأثرية بصحبة خطابات شعبوية عن مفهوم الشهادة، الذي تطوّر مع كل مرحلة تاريخية؛ لتكون البداية بتعظيم مكانة سوريا عبر إلقاء كل الكليشيهات المتعلقة باكتشاف أول أبجدية والتي توصّف سوريا بأنها مهد الحضارات، واختزلت كل المراحل التالية بالحديث عن مفهوم الشهادة وتحوراته في زمن الاحتلال التركي ومن ثم الفرنسي. 

لكن الأمر الغريب أن نغمة الحزن المرافقة لا تتغير مع استقلال سوريا، ولا تتبدل عند الحديث عن أي إنجاز تاريخي قديم، وإنما تتبدل بشكل كامل عند ظهور صورة حافظ الأسد، مع كتابة تاريخ طغيانه على الحكم، العام 1970، ولا تعود نغمة الحزن إلا في لحظات محدودة عند الوصول لتاريخ 2011، الذي تم اختزاله بصور لـ"إرهابيين". لكن سرعان ما تبدلت النغمة مع ارتفاع صورة بشار الأسد وتغطيتها على كل الصور السابقة. ذلك أن العام 2011 يُمثّل في السرد التاريخي نقطة تحول كبرى في تاريخ سوريا. فهو -بحسب الرواية- العدوان الأسوأ الذي حاول أن يخرب سوريا، لكن صور بشار الأسد وهو يقود الجيش ويخطط ويحارب الارهاب، تتوج اللحظة لإنجاز حالة الفرح الشعبي المتمثل في انتصار سوريا الوحيد؛ بقاء بشار الأسد في الحكم حتى اليوم. 

بشار الأسد هو بطل الحكاية الأوحد، هو الرجل الوحيد الذي يمثل نغمة انتصار لشعب تعرض لنكسات كثيرة عبر تاريخه. وبكل تواضع نجده يجلس رفقة زوجته بين الجمهور في العرض،  لا يجلس في الصف الاول، بل يجلس بكل تواضع في الصف الثاني خلف الفنانين الحاضرين، من أمثال دريد لحام ومنى واصف؛ ليوحي بأن العرض بهذه الصيغة هو عرض فني عفوي ارتجله الفنانون السوريون المخلصون والمحبون للقائد، وأنه لم يكن يدري بأنه جاء ليحضر عرضاً تاريخياً لتكريمه!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها