الخميس 2022/05/12

آخر تحديث: 14:56 (بيروت)

زميل شيرين يروي لـ"المدن" لحظات استشهادها:أُصبتُ بالرصاصة الأولى..وقُتِلَت بالثالثة

الخميس 2022/05/12
increase حجم الخط decrease
لم يُعرف إسم الصحافي علي سمودي، فقط، لمجرد إصابته برصاصة جنود الاحتلال في أعلى ظهره، حينما كان برفقة مراسلة قناة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة التي اغتالتها الرصاصة التالية، بينما كانا يهمان، ضمن مجموعة من الصحافيين، لإتخاذ الموقع الأنسب لتغطية اقتحام قوات الإحتلال لمخيم جنين صباح الأربعاء. فقد ارتبط اسم علي، المولود في مخيم جنين العام 1967، بمواظبته على المواكبة الجريئة لاجتياح الإحتلال الاسرائيلي للمخيم قبل أربعة عشر عاماً، مروراً بإقتحامات لاحقة للمخيم، وبقية مناطق جنين.
"المدن" حاورت الصحافي سمودي، للتعرف أكثر على تفاصيل واقعة إصابته، ومن ثم استشهاد أبو عاقلة بعده بلحظات، فقال إن أولى كلمات شيرين كانت: "صباح الخير علي".. وآخر صيحاتها: "علي أصيب، علي أصيب"!

* بداية، هل تضعنا في صورة وضعك الصحي؟

- الحمد لله، حالتي مستقرة أكثر الآن، بعدما تمكن الأطباء من إيقاف النزيف الحاد الذي تعرضت له نتيجة إصابتي بعيار ناري دخل من أسفل الكتف وخرج من أعلى اليد.. وحالياً أخضع للعلاج والمتابعة الطبية.

* هل تستذكر آخر الكلمات والمواقف التي جمعتك بالشهيدة أبو عاقلة؟

- الواقع، كنتُ أول من سمِعَت شيرين صوتَه، حينما اتصلت بها عند السادسة من صباح الأربعاء لإيقاظها من النوم، وإبلاغها بأن قوات الاحتلال اقتحمت مخيم جنين، وأنّ عليها الإستعداد للمجيء، فكانت أولى كلماتها: "صباح الخير علي".
وكنّا قد عقدنا في الليلة السابقة اجتماعاً تقييمياً للوضع الميداني، واحتمالات تنفيذ قوات الاحتلال لاجتياح شامل للمخيم، في ظل ورود تهديدات إسرائيلية بذلك، وقد اتفقنا على آلية التحرك للتغطية الصحافية. مع العلم أن طاقم "الجزيرة" بدأ بالتواجد في جنين منذ أسبوع، استعداداً لسيناريو الإجتياح المحتمل.
ولمّا انتهى اجتماعنا الليلي، عادت شيرين أبو عاقلة عند العاشرة ليلاً، إلى فندق متواضع في جنين، لتستيقظ على اتصالي الهاتفي عند السادسة صباحاً، لأخبرها باقتحامهم والإستعداد للتغطية الصحافية، "ويبدو أننا أمام عملية عسكرية جديدة".

* وماذا جرى بعد الإتصال؟..كيف حددتم ترتيبات التغطية؟ 

- سبقتُ شيرين الى دخول المخيم، بغية استطلاع الأمر والمواقع الساخنة عسكرياً والتي تشهد إطلاقاً للنار، والأماكن التي يتحصن فيها جيش الإحتلال، والأخرى الأكثر أماناً التي يمكن للصحافيين الوقوف فيها من أجل التغطية.
شيرين وصلت عند السادسة والثلث صباحاً، ولمّا أوقفنا سيارة "الجزيرة" في مكان آمن، هممنا بالمشي على الأقدام ضمن مجموعة من الصحافيين (أنا وشيرين في المقدمة)، ولمّا وصلنا إلى شارع رئيسي مفتوح يؤدي إلى أحد أزقة المخيم المبنية حديثاً، كانت الرؤية واضحة في الشارع، حيث شاهدنا مركبات عسكرية إسرائيلية لتأمين الإقتحام، من دون وجود أي مسلح فلسطيني في المكان الذي كان هادئاً، ولم يشهد اشتباكات، على عكس أماكن أخرى في المخيم، في لحظة الإقتحام.
في البداية، وقفنا في مقابل المركبات العسكرية الإسرائيلية، مدة خمس دقائق، ليتعرفوا علينا كصحافيين يرتدون الزيّ الذي يحدّد مهنتنا، ثم واصلنا المسير على الأقدام إلى الأمام، وبعد مسافة عشرين متراً، أُطلقت أول رصاصة علينا، فأخبرت شيرين بضرورة التراجع بسرعة.. وحينما أدرتُ ظهري، أصبت برصاصة اخترقت الجزء الأسفل من كتفي، وخرجت من أعلى اليد، وهو ما يدلل على أن الرصاصة كانت ستصيب صدري، لولا إدارة ظهري.
 
خطة للقتل

* يعني، إطلاق النار كان بقصد قتلكم، بدليل تركيزه على الأجزاء العلوية من جسدكم؟

- أنا على قناعة بأن عناصر قوات الإحتلال كانوا يطلقون الرصاص على صدورنا ورؤوسنا. وأتحدى الجيش الإسرائيلي أن يعرض كامل صور الفيديو التي يمتلكها، لأن هناك دائماً جنوداً متخصصين في تصوير وتوثيق العمليات خلال تنفيذها في المناطق الفلسطينية، عبر تركيب كاميرات خاصة على الخُوذ العسكرية الموضوعة على رؤوسهم. فإذا كان لديه أي زعم بأننا كنا وسط مسلحين فلسطينيين، فلينشر ما لديه من صور وفيديوهات. لكنه لن يفعل ذلك، لأنها تدينه هو، ومن مصلحته إخفاؤها.

* ماذا فعلتم فور إصابتك في البداية؟

- هرولتُ باحثاً عن أي مركبة يمكن أن تنقلني إلى المستشفى، وذلك لعدم وجود سيارات إسعاف في المكان. واستمر إطلاق الرصاص باتجاهنا، ويبدو أن الرصاصة الثالثة على شيرين، هي التي اغتالتها، بينما كانت تردد آخر كلماتها: "علي أُصيب، علي أُصيب".. فأنا أصبت أولاً، ثم استشهدت شيرين.

* زميل علي، أنت ابن المخيم وتعلم المنطقة جيداً، وأي الأماكن خطرة وأيها آمنة؛ لأنك خبير في هذا النوع من التغطيات، هل حددتهم خطورة المواقع قبل التغطية؟

- نعم، أنا حددتُ مواقع الجيش ونشاطه العسكري وأي مناطق يحاصر، وبناء على ذلك، تحركنا كطاقم صحافي، بعدما تأكدنا أننا في موقع آمن، لكن الاحتلال لا يراعي أحداً، خصوصاً إذا ما شعر أن هناك مَن يوثق جرائمه وعملياته الخاصة في مخيم جنين.
ثانياً، أريد أن أنوّه بنقطة هامة، وهي أننا نحب السبق الصحافي والتغطية الميدانية، لكن ليس على حساب أرواحنا. بمعنى أننا اتخذنا كافة الإحتياطات الصحافية، ضمن خبرتنا في هذا الإطار، ولو شعرنا بالخطر لما تواجدنا في المكان أساساً. لذلك، لم يكن في المنطقة التي تواجدنا فيها أي مواجهات، ولا حتى مدنيين ولا مسلحين. وهو ما يعزز تأكدنا بأن الاحتلال هو الذي أطلق النار.
إصابات سابقة

* هذه الإصابة ليست الأولى بالنسبة إليك، بل أُصبتَ مرات عديدة خلال اقتحامات الاحتلال، أليس كذلك؟

- صحيح، هذه الإصابة الثامنة التي أتعرض لها، فقد سبق أن أُصبتُ مرات عديدة من الانتفاضة الثانية وحتى الآن، أي ثماني إصابات لي خلال 22 سنة، وفي كل مرة كانت إصابتي أخطر من سابقتها. وفي جميع الحالات، زعم الإحتلال بأن إصابتي كانت برصاص مسلحين فلسطينيين، وذلك في محاولة منه للتهرب من المسؤولية، ولإمعانه في مساعيه لإخفاء الحقيقة وحجب الصوت الفلسطيني، ومنع إيصال الصورة التي تفضحه، إلى العالَم. لذلك هاجَمَنا بالأمس، ليخيف كل صحافي من الاقتراب، أو توثيق جرائمه التي سيقوم بها خلال عدوانه الجديد بالمخيم.

* وهل ينجح الإحتلال في إرهاب الصحافيين ومنع التغطية؟

- لن ينجح، فنحن أصحاب رسالة وقضية، وسيبقى صوت شيرين المهني عالياً ويتردد في آذاننا، وسنستمر في التغطية مهما لاحقونا وطاردونا.

* ما هو تعليقك على التحقيق الأوّلي لمنظمة "بيتسلم" الحقوقية الإسرائيلية الذي دحض دعاية الاحتلال باحتمال إصابتك واستشهاد شيرين برصاص مسلحين فلسطينيين؟

- كل الاحترام لكل المؤسسات الحقوقية، لكن ما نمتلكه من رواية عما حصل هو وحده يؤكد إدانة الإحتلال.

* ختاماً، ماذا تقول عن شيرين الشهيدة؟

- شيرين من أروع الناس الذين تشرفت بالعمل معهم.. كانت معطاءة ومُبادِرة ومخلصة وتتقدم الصفوف ولا تخاف، وتقوم بالتغطية المهنية والموضوعية.. وشيرين شكلت روح الفلسطيني الذي حمل قضية شعبه وكانت رسولاً. هي مدرسة بأخلاقها ومهنيتها وثقافتها. وهي مثقفة كانت تحب المطالعة والقراءة والإنفتاح على الحياة والمجتمع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها