الأربعاء 2022/05/11

آخر تحديث: 17:19 (بيروت)

التضليل يطاول معارضي الجنوب والشوف وكسروان

الأربعاء 2022/05/11
التضليل يطاول معارضي الجنوب والشوف وكسروان
المرشحة عن دائرة كسروان-جبيل، كارن البستاني
increase حجم الخط decrease
لم تأتِ حملات التضليل في الانتخابات اللبنانيّة أخيراً، من باب حرب التصاريح بين المرشحين أو القيادات السياسيّة فحسب، إنّما تخطتها الى التداول ببدعٍ مفبكرة يتولى نشرها مستخدمون في وسائل التواصل الاجتماعي، وتهدف للنيل من المرشحين الجدد على وجه التحديد.

وتنبع منشورات التضليل من "محرّمات" أربعة قد يؤدي رميها جزافاً إلى التشكيك في نزاهة المرشح وكفاءته. وعليه، فإنها قد تؤثر في الأصوات التي يمكن للمرشح أن يحصدها في صناديق الاقتراع. وأكثر من ذلك، تتحول الأخبار المضللة الى وصمة أبديّة في مسيرة المرشح السياسيّة في ظل قصديّة تشويه السمعة. 

يُمكن إيجاز هذه المحرّمات، كالآتي: القيم الأخلاقيّة، نقد ممارسة الطقوس الدينيّة أو مواقف الطائفة، ونقد أداء "حزب الله" وتحديداً من قبل أبناء البيئة الجنوبية والشيعيّة منها، والتصويب على قيادات الأحزاب السياسيّة كافة، القابعة منها على رأس الهرم وأسفله. 

توفر مواقع التواصل الاجتماعي، بوصفها أرضاً خصبة لسرعة تواتر المعلومات وانتشارها، وامكانيّة الرد عليها، خاصية أساسية في نشر الأخبار المفبركة. غير أنّه يصعب على المتصفح معرفة هوية مبتكر هذه الأخبار المضللة، نظراً الى تداولها أولًا في غرف مغلقة ضمن تطبيق "واتسآب"، لا تمنح خاصية تتبع الخبر أو مصدره.

ومع تجهيل مصدر الخبر، تصبح البلبة قائمة على الخوف وردّ الفعل. والحال أنّ المستمع الذي يملك رأياً معارضاً لهذه الشخصية، سيميل حتماً الى تصديق  الخبر أو الاقتناع به، بناءً على ما نسميه الاستماع الانتقائي، حيث يبحث المستمع عن كل ما يدعم قناعاته الخاصة، وهذا ما يشكل عموداً أساسياً لدى الجماهير الشعبيّة التي تنشد بالعواطف والتضامن اللاوعي الذي يصورها على أنها متوحدة بشراسة في مجابهتها "للآخر". وتقاس دقة الخبر المتداول اليوم، لا بصحّته، وإنما بعدد الأشخاص الذي يتبنونه وينشرونه.

وأفضت المنشورات الأخيرة، التي تحولت الى هجمات الكترونيّة، الى حرب علنية شغلت اللبنانيين في مواقع التواصل الاجتماعي. وفي حين اعتقد البعض أنّ هذه الحملات نجحت في تحقيق آمالهم في اغتيال الشخصيات معنوياً، الا أنّ تموضع المستخدمين في جبهتين متواجهتين، بين مروجي الفبركات، والمتضامنين مع المرشحين والمرشحات المستهدفين، غيّر في طريقة تلقف الأخبار الكاذبة وضاعَف إظهار شريحة كبيرة من المتضامنين. 

وكان آخر هذه الحملات التضليليّة ما حصل مع المرشح عن دائرة الجنوب الثالثة، فراس حمدان، حيث بلغ التضليل مستوى "خطاب كراهية"، واضعاً المرشح بالتساوي مع العدو، على ضوء موقفه المعارض للعمل المسلح خارج إطار الدولة. وكانت صورة مركّبة تظهره مرتدياً البزة العسكرية الإسرائيلية وخلفه العلَم الاسرائيلي، قد انتشرت بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي. 

وفي مقابل هذا التضليل، حظي فراس بإلتفافة شعبية سخّفت هذا الفعل، وبرهنت أنّ التأكيد على عدواة إسرائيل حتمية، وهي خارجة عن معادلة القوى المعارضة لمحاربة الفساد.

في الأسابيع القليلة الماضية، شاهد اللبنانيون حملات تضليل طاولت العديد من المرشحين. وكان مستخدمو وسائل التواصل قد استعانوا بفيديو لامرأة تسرق من أحد المتاجر، وقاموا بالتدليل على أنّها المرشحة عن دائرة كسروان-جبيل، كارن البستاني. وتبين لاحقاً أن هذا الفيديو لم يُصوّر في لبنان، فيما بقي مصدر الخبر مجهولاً.

وكان أحد الحسابات نشر فيديو يبين أنّ حزب "الكتائب اللبنانية" يدعم المرشحة عن الشوف، نجاة صليبا، بكشف هوية المموّل للحملة الالكترونية، لكن سرعان ما تبيّن أن الفيديو يشوّش على المعارضة وينشر معلومات ملتبسة حول تشرذم اللائحة لصالح أشخاص مدعومين حزبياً. وصحيح ان الفيديو غير مفبرك، لكنه ليس كافياً للتدليل على مصدر التمويل. 

مما لا لبس فيه، إن الجيوش الالكترونية المصطفة في خانة الهجوم المستميت، لم تنجح في معركتها التضليليّة بالشكل المتوقع، فهي لم تعد وحدها تقاتل في ساحات الإعلام التقليدي والبديل. لكن هذه الطرق المخادعة لتشويه سمعة الآخر، تضع اللبنانيين أمام تساؤل مشروع: هل هذه الحرب الالكترونيّة، منظّمة، تديرها غرف إعلاميّة؟ أم أنّها حملات اعتباطية سرعان ما تتحول الى أداة سياسيّة لتفتيت الجماهير المضادة بحسب تنامي المتفاعلين مع هذه الأخبار؟

وبصرف النظر عما إذا كانت تلك الحملات قادرة على تحقيق مبتغاها أم لا، إلا أنها، وبفعل الانشغال في حرب الردّ والتصحيح، عادة ما تنسف النقاشات الديموقراطية التي تجد اليوم طريقها المثالي الى مخاطبة جمهور يتواجد في مساحات توفرها وسائل التواصل الاجتماعي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها