السبت 2022/04/09

آخر تحديث: 13:48 (بيروت)

بالفيديو: انفصام الشعارات عن الأزمات...اللبنانيون لانتخاب الخوف

السبت 2022/04/09
increase حجم الخط decrease
طُليت شوارع الطرق اللبنانية بيافطات الإعلانات الانتخابية، لأحزاب السلطة، وللوائح المعارضة والمستقلين، وحتى للحملات النسّوية. لكن الألوان البراقة للشعارات الإنتخابية بدت أشبه بقوس قزح الأحزاب، وكأنها حرب في الطرق، لا في صناديق الإقتراع.

وحملت الإعلانات في مجملها شعارات رنانة، وأتت ترجمة لخطابات المنابر المُستعرة في الحملات الإنتخابية. ومن يقرأها لا بد أن يستهزئ بالقول أنها "شعارات جمهورية اللالا لاند"، لأن معظمها يتحدث عن استشعار خطر الوجود وهوية البقاء في هذا الوطن، بينما يبرز قسم آخر الإنتصارات الوهمية التي أنجزها هذا الفريق السياسي أو ذاك، رغم أنها في الواقع "إنجازات" بقيت حبراً على ورق، بينما تهين الإعلانات النسوية المرأة وتكرس سلطة المنظومة الذكورية.

وفي قراءة لهذه الحملات الإعلانية وكيفية تلقي عيون الناخبين لها، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، د.وسام اللحام، بأن مشهد الإعلانات هو مضمون تحريضي هدفه الهروب من تحديد ومعالجة المسؤوليات السياسية واقعياً، بعيداً من الشعارات الوهمية. ويضيف اللحام في حديث مع "المدن"، بأن الإعلانات هي خدعة يبرعُ السياسيون في الهروب بها من النقاش الداخلي. وأعطى لحام مثالاً على ذلك، بأن شعارات "القوات اللبنانية" تلعب على الغرائز الوجودية عبر الحديث عن الهوية، على طريقة "ونحن فينا نستعيد السيادة". أما شعارات "حزب الله" فتهدف إلى تجنيد اللبنانيين عسكرياً، وتشبيه أهمية إلإنتخابات المقبلة بحرب تموز 2006. ويشير لحام إلى أن الشعارات محاولة لتكريس الإنقسام في البلد، فقط عبر الخطابات الجيوسياسية التي تركز على المؤامرات الخارجية وتنسى الواقع الفعلي، ولا تقدم حلولاً لمشاكل الناس وهمومهم.

أما شعارات المعارضة من قبيل "بيروت تقاوم" و"الجنوب يواجه"، فليست واضحة أمام الخصم السياسي، بحسب لحام، خصوصاً أن كلمة مقاومة لها صبغة حزبية كبرى في لبنان. في حين يجب أن تحدد تلك الشعارات الصديق من العدو. وكل إعلان لا يحدد الخصم السياسي يساهم في تعزيز وسيطرة النظام السياسي الفاسد في لبنان.



ويلفت لحام إلى أن طرح إعلانات النساء المرشحات للبرلمان، يظهر التقدم في الشكل أمام المجتمع الدولي، بأننا نملك نساء في البرلمان، إلا أن التقدم النسائي يجب أن يكون بما تقدمه النساء أو الأحزاب التي ترشح النساء في لوائحها.

وعن مدى تأثير هذه الحملات الإعلانية في الناخبين، يقول لحام أن النظام السياسي أنتج بروباغندا قوية جداً تعيد إنتاجه. كخطاب أحزاب "القوات" و"الكتائب" و"المستقبل": "كل الحق على حزب الله"، الذي يلقي المسؤولية على فريق سياسي واحد في لبنان. أو خطاب "حزب الله" الذي يكرس دائماً نظرية المؤامرة والخطر الخارجي.

والحال أن هذين الخطابين يخدم واحدهما الآخر. فخطاب خصوم "حزب الله" يساعد في تجييش جمهوره وإحكام سيطرته على أتباعه، ما يجعلهم يصوتون له بطريقة عمياء. أما "حزب الله" فيهرب من مسؤولياته الداخلية المتمثلة في مشاركته في وضع السياسات الإقتصادية والتوجهات السياسية، منذ العام 1992 حتى اليوم، تحت "شعار نحن ما خصنا". وهدف الأحزاب مجتمعة هو قتل الوعي الإجتماعي والسياسي عند اللبنانيين، وإستبداله بالخطاب التحريضي الذي إعتاده الزعماء منذ العام 2005 إلى اليوم، وجعلهم يتحكمون في قرارات الجمهور عبر رسائل تخويفية.



من جهة أخرى، تبقى الإعلانات الانتخابية مُنتَجاً تنفذه شركات إعلانية تمتلك وجهة نظر أخرى في هذا السياق. والدراسة التي تُنفّذ للحملات الإنتخابية هي تماماً كالدراسة لأي منتج يعرض في السوق لترويجه. حيث يُدرس الجمهور المُستهدف، والطرق المؤثرة فيه وكيف يتلقى الرسائل، وحتى إختيار الألوان التي تجذبه.

ويشير الخبير الإعلاني "إ.خ." بأن الإعلانات الإنتخابية لها مفعول مؤثر في الأسبوع الأخير من إجراء الإنتخابات النيابية، حينما يكون الضخ الإعلامي والمالي في أوجّه. ويضيف بأن الإعلانات يجب أن تكون واضحة، لا لبس فيها، وتحمل إبداعاً، كي ترسخ في رؤوس الناس المتلقّين. ويصف مشهد الإعلانات الحالية بـ"الفاجعة البصرية"، حسب تعبيره، فهي "لا شكل ولا مضمون، وشمولية أيضاً"، ضارباً مثالاً بإعلانات حملة "سوا لبنان". أما شعارات "القوات اللبنانية"، فهي في رأيه منطقية من الناحية الإعلانية وببساطة الألوان التي إعتمدتها، إلا أن رسائلها "ممضوغة اللسان، وكأنها تلزمها معاملة لقَول الجملة".

من جهة أخرى، يرى "إ.خ." تطوراً في الحملة الإعلانية لـ"حزب الله" الذي أحرز تقدماً ملموساً، مقارنة بإعلاناته في موسمَي 2005 و2018 الانتخابيين. إذ أصبح الحزب يراعي الشكل ويراعي الذوق العام، مبتعداً عن تقليد الحملات الإنتخابية في إيران. أما رسائل الحزب فتبقى واضحة ومباشرة، بغض النظر عن مدى مصداقيتها.

ويشرح "إ.خ." أن المعنى السياسي في الإعلانات لا يؤخذ في الإعتبار في الساحة اللبنانية. فالشعب اللبناني هو الأفقر، خصوصاً الآن، ويتأثر بالمال السياسي، وينسى جميع الرسائل التي يشاهدها يومياً في الطرق. والمقترعون يطمحون إلى الخدمات، كتزفيت الطرق أو الحصول على الكهرباء. وتكريس الرشوة الإنتخابية للأحزاب هو تقريباً مثل "sales promotion"، أو ترويج المبيعات، والتي تؤثر بشكل مباشر في خيارات المقترعين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها