الخميس 2022/04/07

آخر تحديث: 15:43 (بيروت)

بالعقلية الأسدية المزمنة..معركة "كسر عضم" ضد "دراما الخيانة"

الخميس 2022/04/07
بالعقلية الأسدية المزمنة..معركة "كسر عضم" ضد "دراما الخيانة"
increase حجم الخط decrease
أثار مشهد بسيط في إحدى حلقات مسلسل "كسر عضم" الذي تلعب بطولته كاريس بشار وتخرجه رشا شربتجي، استياء واسعاً بين الموالين للنظام السوري وصل حد إطلاق ألقاب تحقيرية على العمل وأصحابه من منطلق كونه مثالاً لـ"الدراما القميئة" و"دراما الخيانة".

ولا يتعلق الموضوع بإظهار لقطات من التعذيب في المعتقلات السورية كما كان الحال في مسلسل "قلم حمرة"، ولا بحياة اللاجئين الهاربين من الحرب التي بدأها النظام ضد شعبه كما كان الحال في "غداً نلتقي"، كما لم يتعرض للسياسة ولم يتحدث عن عائلة الأسد والمليشيات المرتبطة بالنظام، بل ظهر فيه فقط أطباء في مشفى سوري وهم يرفضون استقبال أحد جرحى جيش النظام لعلاجه بعد إصابته في "المعارك ضد العصابات الإرهابية المسلحة".


وفيما يقول أصحاب المسلسل أنه يعالج الفساد في المؤسسة العسكرية، فإنه لا يتعامل مع تلك المؤسسة كمنظمة إرهابية مثلما هو الواقع، بل يقدمها كمؤسسة وطنية تمثل كل السوريين بشكل يتماهى مع الخطاب الرسمي طبعاً. ويكاد المشهد المذكور بالتالي يرتقي إلى مستوى تلميع جنود ذلك الجيش الذي مارس وحشية كبرى في قمعه للثورة السورية السلمية طوال عقد كامل، ويظهر فيه الجنود كضحايا يستحقون الشفقة حتى لو كانوا من المليشيات الرديفة للجيش، من دون الحديث أصلاً عن كونهم ضحايا للتجنيد الإجباري الذي يرتقي فعلاً إلى مستوى انتهاك حقوق الإنسان بحسب منظمات حقوقية.

بالتالي قد يستحق المسلسل بهذه النوعية من الطرح تصفيق الموالين وإعجاب القيادة الحكيمة، لكن ذلك كله ليس كافياً لنيل الرضا التام طالما أنه لا يلتزم بالمفردات العامة التي تحدد معاني الولاء والطاعة في البلاد، خصوصاً أن الاستياء الحاصل لا يتعلق بصورة الجيش فقط بقدر ما يرتبط بصورة الطواقم الطبية الموالية للنظام، التي وفق منطق المستائين وقفت إلى جانب الدولة والجيش منذ اليوم الأول ولم تقم بتقصير من أي نوع في واجبها. كما أن المشهد وفق العقلية الموالية يشوه الصورة المثالية التي يشكل فيها الجيش رديفاً للشعب وبالعكس في حرب مشتركة ضد الإرهاب والمؤامرة الكونية.



وبات الحديث عن الأطباء والطواقم الطبية موضوعاً شديد الحساسية بالنسبة للموالين مؤخراً إثر البدء بمحاكمة الطبيب السوري علاء موسى في فرانكفورت، بعدما وجه له الادعاء الألماني 19 تهمة من بينها ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتسبب بإصابات جسدية جسيمة، بعد عرض قناة "الجزيرة" فيلماً وثائقياً بعنوان "البحث عن جلادي الأسد". وذكر الادعاء الألماني أن الطبيب متورط في تعذيب معتقلَين اثنين على الأقل، بحرق أعضائهم التناسلية بالكحول، أثناء عملية في مستشفى بمدينة حمص. وأشار إلى أنه عذب 9 معتقلين آخرين بطرق متنوعة، كما استخدم معدات طبية أثناء تعذيبهم. كما تسبب الطبيب بمقتل معتقل مصاب بالصرع، وذلك بإعطائه كبسولة دواء، وحقن مريضاً آخر بدواء وضربه، متسبباً بمقتله.

وضمن العقل الموالي المليء بشتى أنواع نظريات المؤامرة والذي يفكر بشكل أحادي يتصور بموجبه أن الكوكب كله يشن معركة ضد رئيسه المفدى وحضارة بلده وتفوقه الأخلاقي والثقافي، فإن المسلسل يصبح جزءاً من تلك الحرب التي تحاول تشويه صورة الطبيب السوري في مقابل غض النظر عن جرائم الإرهاب في البلاد، ويتم الكيل بمكيالين: "لماذا يعرض المسلسل هذا ويتناسى الخوذ البيضاء العميلة لإسرائيل؟"، في إشارة لفريق الدفاع المدني السوري الذي كان طوال سنوات يعمل على إنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض التي خلفها قصف الطائرات السورية والروسية للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام.



ونشر جرحى ومصابون سابقون في جيش النظام شهاداتهم الشخصية التي تفند "أكاذيب" المسلسل حتى لو أنهم لم يتابعوا المسلسل كما اعترفوا مراراً وتكراراً. وتصبح المشافي السورية في تلك الشهادات أماكن بعيدة عن الفساد والمحسوبيات، من ناحية إدارية، خصوصاً أنها جزء مما تطالب أدبيات النظام السوريين دائماً بتقديم الحمد والشكر لكونها "خدمات مجانية". ويتناسى أولئك بالطبع الرداءة في تلك المستشفيات التي يدخل إليها الشخص سليماً ويخرج مصاباً بكافة أنواع العلل والأمراض، مع الإشارة إلى أن سوريا تتواجد في المرتبة 194 من اصل 195 في مؤشر الأمن الصحي العالمي.

ويصبح الأهم في الموضوع ككل أن تلك المؤسسات هي مؤسسات وطنية "لا تفرق بين السوريين" خصوصاً في موضوع "الإسعاف" و"الحالات الطارئة"، والاعتراف بعكس ذلك كما هو الواقع، أو حتى التلميح له كما يحصل في المسلسل، يعني إخضاع الجهاز الطبي السوري في البلاد للمساءلة من قبل الشعب الذي يتعايش أصلاً مع ضغوط خانقة في ملفات أخرى مثل الكهرباء وغلاء الأسعار وانعدام الخدمات الأساسية والظروف الاقتصادية الصعبة التي لم تتحسن رغم "الانتصار في الحرب الكونية".



وكانت مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بعد جائحة "كوفيد 19" بشهادات للتقصير الطبي في المشافي وعرضت وسائل إعلام معارضة أيضاً شهادات لسوريين يتحدثون عن تصفية أقربائهم من المصابين بكورونا الذي شكل تحدياً لسردية النظام بأن البلاد خالية من الفيروس قبل عامين. ومن المضحك فعلاً أن الدراما السورية نفسها كانت تمتلئ بالشكاوى من الإهمال الطبي، ويمكن تذكر مسلسل "دنيا" الكوميدي الشهير العام 1999 الذي تعرض للتمييز بين السوريين في المشافي التي تدار بعقلية أمنية ومخابراتية. وفيما كان ذلك مطلوباً قبل عقود للقول أن هنالك حرية تعبير في البلاد، فإن الحال انعكس وباتت الحساسية من الدراما تتكرر مع مطالبات بـ"عرض الواقع فقط" من وجهة النظر الرسمية طبعاً.

وبعيداً من المشافي والأطباء، رأى موالون بما في ذلك عاملون في الإعلام الرسمي، أن المسلسل يشكل إساءة للجيش والجنود والجرحى، عطفاً على هالة القدسية الواجب تقديمها للمؤسسة العسكرية. والأجدى بالمسلسل وفق هذه العقلية تقديم الشكر للجنود لا إظهارهم بصورة ضعف، وربما كان عليهم التشبه بممثلين وإعلاميين سوريين وعرب، مثل كوثر البشراوي وزهير عبد الكريم، الذين ظهروا وهم يقبلون الأحذية العسكرية على الهواء مباشرة وفي مقاطع فيديو وصور في مواقع التواصل أيضاً.

وحتى مع وضع كافة الاعتبارات السياسية والأخلاقية جانباً للحظة، لا يمكن فهم وجهة النظر تلك، فكيف يمكن للموالين الاستياء من مشهد عابر في مسلسل ولا يستاؤون من السياسات الرسمية بحق جرحى وقتلى جيشهم؟ كيف لا يتساؤون من الإذلال الممنهج الذي تقوم به أسماء الأسد، زوجة الرئيس بشار الأسد، لتلك الفئة تحديداً تحت برنامج "جريح الوطن" الذي أطلقته العام 2020 بموازاة إلغاء الحكومة السورية برامج موازية لدعم جرحى الجيش في البلاد بما في ذلك مخصصات الأدوية والعلاج الفيزيائي وغيرها؟

لا يرى الموالون ذلك كله، مثلما لا يرون الاستخفاف الرسمي بـ"تضحيات" الجنود وعائلاتهم أثناء "تكريمهم" بإعطائهم تعويضات تتمثل بساعات حائط ومَواشي ومواد غذائية معلبة وصناديق من البرتقال، بشكل يتناقض تماماً مع الدعاية الرسمية التي تقدس "الجيش الذي حرر البلاد من الإرهاب". والأكثر من ذلك أنهم يشيحون بأنظارهم عن العساكر الجرحى المشردين في شوارع المدن السورية، والعساكر الذين باتوا يتسولون في الحدائق، ورفاقهم الذين يضربون من قبل شبيحة أكثر نفوذاً، كما يتناسون المنشورات التي يطالب فيها عساكر سابقون النظام بإعدامهم لأن حياتهم كجرحى عاجزين وسط الإهمال باتت لا تحتمل.

شهادات أولئك الجنود والجرحى ومصابي الحرب ممن بات الفقر والبؤس ملازماً لهم في ما تبقى من حياتهم، ليست مهمة للعقل الموالي المشغول برسم صورة براقة للبلاد، حيث ينحصر دورهم في الظهور مع عائلة الأسد أمام الكاميرات والابتسام وتقديم عبارات الشكر وتشجيع السوريين على إرسال أولادهم للالتحاق بالخدمة العسكرية، لا أكثر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها