الأحد 2022/04/24

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

هل نحمل سلاحاً في وجه الهَبَل؟

الأحد 2022/04/24
هل نحمل سلاحاً في وجه الهَبَل؟
increase حجم الخط decrease
تخبرني صديقتي في لبنان أنها تعتزم اقتناء مسدّس. بعد غيابها لسنوات بداعي الهجرة، عادت مؤخراً للاستقرار في بلد الظلمات والخوف. وإن كنتِ إمرأة، فلا داعي لإخبارك بأن الشارع المظلم ليس صديقاً للمرأة، فما بالك بمدينةٍ كاملة يخيّم عليها الظلام، ويتسرّب الى منازلها في وقتٍ مبكر، هو الوقت الذي يقرّر فيه رجالات المولّدات إطفاء النور عن عامّة البشر، لينطفئ معه القليل المتبقي من الشعور بالأمان والعيش الطبيعي، وليقتنص المتربصون والمتحرشون واللصوص ستار الليل للانقضاض على كلّ مَن يرون فيه ضحية سهلة.

ترفض صديقتي أن تكون ضحية سهلة وإسماً آخر مأسوفاً عليه، ضمن سلسلة الجرائم ضدّ النساء، والتي يتواتر حدوثها في الآونة الأخيرة. ليس الأمر تمسكاً بالحياة والأمان، كما تقول، بقدر ما هو الرفض لأن تكون في موقع عجز؛ عزلاء ومجرّدة من أي قوّة أمام مَن يحمل كل سبل القوة. "لا مانع لديّ أن أموت"، تقول مازحة، "لكنني لا أريد أن أُقتَل على يد رجل".

في بلد السلاح السائب والرصاص الطائش، ليس من السهل اتخاذ قرار بالانضمام الى الجموع المسلحة. إنه خيار لا يخلو من الإكراه، خصوصاً بالنسبة لمن يرفض حكم السلاح ومظاهر "الماتشيزمو" المعبّر عنه بمسدّس "على الخصر"، وفيديوهات التباهي بالبنادق والذخيرة في "تيك توك"، في مشاهد تستعرض فائض القوة وتفضح هشاشة الذكورة.

تروي صديقتي أنها ترعرعت في بيتٍ لا يُفقَد فيه السلاح، كأحد ترسبات الحرب الأهلية والتاريخ الدموي، التي اختبرناها جميعاً. تتحدث عن كرهها للسلاح ولكل ما يمثّله من سلطة أبوية وسلوك مليشياوي. تضحك بغيظٍ حيال هذه المفارقة، لكنها تقرر حسم دفة الصراع لصالح حماية نفسها بأي ثمنٍ، وإن كان ذلك يعني مواجهة خوف من نوع آخر، هو خوف الإمساك بأداة قاتلة وفتاكة. يقترح عليها صديقها أن تشتري مسدّساً زائفاً، يبدو حقيقياً ويصدر صوت طلقة من دون أن يطلق ناراً، ويشكل بالتالي تهديداً كافياً لردع أي معتدي. "لا!" تجيب بحزم. هي لا تنوي إستعماله، ولذلك عليه أن يكون حقيقياً. فلكي نملك قوة التهديد، علينا أن نصدّقها بأنفسنا أولاً. أن نشعر بواقعيتها وبقدرتنا على تنفيذ هذا التهديد حتى النهاية، وإن كنا لا ننوي تنفيذه إطلاقاً.

تعيدني هذه المحادثة بالذاكرة الى شعار شكّل حجر زاوية في فهمي لثقافة السلاح والذكورة. "السلاح زينة الرجال".. لا أستطيع أن أحصي كم من مرّة سمعت هذا الشعار أو قرأته. ربّما منذ تعلّمي القراءة وتهجئة شعارات اللوحات الإعلانية واللافتات الحزبية المرصوصة في شوارع القرى الجنوبية.

كأي طفلة نشأت في الجنوب وتعرفت باكراً إلى مفاهيم الاحتلال والمقاومة وحماية الأرض، كنت مدركةً تماماً لوظيفة السلاح ودوره الدفاعي، لكنني وجدت صعوبةً في تفهم ذلك البُعد الجمالي. "هل هكذا يتزين الرجال؟" كنت أتساءل متعجبةً من الشرخ الهائل في استيطيقا التزيّن بين الإناث والذكور. لا أنكر الغيرة التي ساورتني وقتذاك. ففكرة أن تتمتّع أكسسوارات الرجال بميزة تفتقدها زينتنا المسالمة، أي ميزة العنف والاستقواء، أشعرتني بالغبن والإجحاف، ولم أجد مخرجاً من نقمتي سوى ادعاء شعور بالشفقة. "حسناً.. ربّما هذا ما يتزيّنون به لأنهم ممنوعون من ارتداء الحُلي وأحمر الشفاه.. يا لهم من جبناء".

لم أستطع التخلّص من امتعاضي إزاء هذا الشعار وما يحمله من تمجيدٍ للتفوق الذكري في ميدان القوة، الى أن تعرّفت لاحقاً الى مثلٍ مضادّ وأكثر حكمةً، لكن أقلّ حضوراً في الخطابات والشعارات، هو المثل القائل أن "السلاح في يد الأهبل يَجرح". ما زلت أجد في هذا القول تلخيصاً مناسباً للواقع اللبناني، باختزاله أزمة السلاح في إشكالية التفاهة، فقط لا غير. فحتى لو جرّدنا السلاح من كل إشكالياته السياسية والذكورية والسلطوية، سيبقى"الهبل"، وبعبارة أصحّ الذكورة البلهاء والتافهة، أكبر مخاطره.

أحاول إحصاء كم من "أهبل" أعرف، وكم منهم يملك سلاحاً. أرتعب. وأتفهم قرار صديقتي بحمل السلاح.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها