الخميس 2022/04/21

آخر تحديث: 15:28 (بيروت)

أن تكون عربياً وداعماً لمارين لوبن!

الخميس 2022/04/21
أن تكون عربياً وداعماً لمارين لوبن!
increase حجم الخط decrease
لا شيء تشتهر به مرشحة اليمين المتطرف للرئاسة الفرنسية ماري لوبن أكثر من عدائها للإسلام ومشروعها السياسي الذي يدعو لمكافحة الإسلاموية إلى حد الرغبة في منع الحجاب في الأماكن العامة، ما يخلق انطباعاً أولياً بأنها ستكون مكروهة إلى حد كبير في الأوساط العربية حيث يطغى الإسلام تحديداً على مفاصل الحياة العامة. ورغم أن ذلك صحيح نسبياً، إلا أن الأصوات التي تعلو تشجيعاً لها في الانتخابات ضد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، في بلاد (خارج فرنسا) لا تعرف ما هي الانتخابات أصلاً، تبقى مثيرة للاهتمام بسبب جدل العلمانية وعلاقة الدولة بالدين، ليس فقط في فرنسا بل في دول الشرق الأوسط عموماً.


وفي بلدان ترفض رفضاً باتاً وجود العنصرية فيها وتلحق تلك التهمة بـ"الآخرين"، يمكن تلمس دعم معنوي مخجل وغير مفاجئ للوبن في "فايسبوك" و"تويتر" من أفراد عاديين وصحافيين وشخصيات عامة، بعضها يتابعها مئات الآلاف من الأشخاص وأكثر. وتتخذ النقاشات إطاراً تسطيحياً يقارب بعضها نظريات المؤامرة ويلامس الآخر نبوءات دينية قديمة. ومع تسليم معظم الأفراد بأن لوبن ستكون خطراً على العرب والمهاجرين والمسلمين في فرنسا فإنهم يعتقدون أن تركها تفوز هو تضحية مهمة من أجل إظهار "الوجه الحقيقي القبيح" لباريس التي تمثله لوبن بلا رتوش، وأن ذلك سيكون خطوة في طريق "الصحوة الإسلامية" مرة واحدة وإلى الأبد!


وإن كان جدل الهوية ومعنى أن يكون المرء فرنسياً يطغى على السباق للوصول إلى الإليزيه مرة أخرى، فإنه يبقى حاضراً في النقاشات العربية - العربية، التي تعكس مقدار التفكك الكائن في الشرق الأوسط حيث فشلت الدول القومية على مدار عقود في خلق هويات وطنية لصالح الهويات الطائفية والدينية الأضيق مع نبذ كل ما له علاقة بالفردانية حتى بعد سقوط الهويات القومية بفعل العولمة والإنترنت ومفاهيم مثل المواطن العالمي. ولهذا تبرز المنشورات التي تحيي لوبن أو تذمها، من منطلق إسلامي أو مسيحي على سبيل المثال، من طرف أفراد يرفعون صلبانهم أو تكبيراتهم بالخط العريض في "تويتر" تعريفاً عن أنفسهم.

ومن اللافت أن عداء لوبن للإسلام فقط هو ما يطغى في المقاربات العربية لها، رغم أنها في الواقع تعادي كل ما لا تعتبره "فرنسياً تقليدياً" بما في ذلك حامل الجنسية الفرنسية من أصول أخرى، أو اليهود الذين يغيبون في النقاشات العربية طبعاً، وإن حضروا فإن حضورهم يكون مدخلاً لتشجيع لوبن لا لتقريعها، فيما تصل خطط لوبن إلى حيز "التمييز" بين المواطنين أنفسهم بناء على هوياتهم وهو ما يتطلب تغييراً للدستور الفرنسي ستحاول لوبن الدعوة إلى استفتاء بشأنه خلال الأشهر الستة الأولى من رئاستها، في حال فوزها بالانتخابات، الأحد.

وضمن هذه السردية السائدة لا تشكل لوبن خرقاً للسياسة الفرنسية بقدر ما تعبر عنها بشكل فج فقط. ولا يغير الأفراد من قناعاتهم السابقة عن فرنسا لتشكيل قناعات جديدة تأثراً بشخصية لوبن، بل يصلون إلى تلك النتيجة بعد ارتفاع نسبة التحريض في الإعلام العربي على باريس ضمن تحريض أوسع على الغرب عموماً، في السنوات الأخيرة، تم بموجبه تقديم مشوّه ومبالغ فيه للرئيس ماكرون على أنه "رأس الحربة في المعركة ضد الإسلام" بسبب قضية مجلة "شارلي إيبدو" الشهيرة، والموقف من الرسوم الكاريكاتورية الخاصة بالنبي محمد، مع الإشارة إلى أن ذلك التحريض كان حاضراً في كل من الإعلام التابع للسلطات الحاكمة في الدول العربية، والمعارض لها على حد سواء.

وليس من الغريب أن تنتشر "ميمز" ونكات من رد ماكرون على لوبن في المناظرة الانتخابية، الأربعاء، بأن مشروعها حول الحجاب سيقود إلى حرب أهلية في فرنسا في بلد يعاني مشكلة التعامل مع النزعة الانفصالية الإسلامية والسلفية المتشددة. ويتم استذكار قول سابق لماكرون بأن "الإسلام يعيش في أزمة" عالمية. ورغم أن ذلك الوصف يخفف من أثر المشكلة، لأنه لا يلامس فكرة أن التطرف يستمد جذوره من النصوص المقدسة في الإسلام نفسه، فإنه اعتبر كإعلان حرب في المخيلة الجمعية العربية/الإسلامية. 


في الجانب الآخر، يأخذ الموقف من لوبن شكل التحيز السياسي المسبق للفرد في ما يخص الصراعات المحلية. فإن كانت لوبن تدعم المغرب على سبيل المثال، فإن جزائريين سيصرحون بأنها عدوة لهم، والعكس صحيح ضمن العداوة التي لا تتوقف بين الجانبين في مواقع التواصل على الأقل. والمثال نفسه يتمدد إلى كافة صراعات المنطقة الأخرى بما في ذلك الصراع العربي الإسرائيلي أو الصراعات الأصغر ضمن كل دولة على حدة. ويصبح الأمر أقرب إلى الكوميديا عندما يتعلق الأمر بدول "محور الممانعة" التي باتت تتحالف مع الكرملين في روسيا بعد الربيع العربي.

وهنا، تنتشر مقولات تدافع عن لوبن بوصفها امرأة تحاربها "الدولة العميقة" لأنها "تتحدى النظام العالمي". ويقدمها مثلاً موالو النظام السوري، بما في ذلك شخصيات بارزة في وزارة الإعلام، بأنها تخلت عن خطاب اليمين المتطرف الذي يمثله والدها جان ماري لوبن منذ سنوات، وأنها لا تمثل إلا "شخصية وطنية" على غرار رئيسهم المفدى بشار الأسد. وهو خطاب رجعي في زمن سقوط القوميات أصلاً، لكنه طبيعي نظراً للعلاقة التي لم يحاول الطرفان على الإطلاق إخفاءها طوال العقد الماضي، وتمثلت بزيارات من نواب في حزب لوبن "التجمع الوطني" إلى سوريا ولقائهم الأسد شخصياً بالإضافة لمشاركة اليمين المتطرف في بروباغندا النظام الأسدي عبر شخصيات مثل بيار لوكوروف على سبيل المثال، فضلاً عن العلاقات المالية التي تربط لوبن بالكرملين في موسكو.

على أن تصوير لوبن كضحية للسيستم العالمي "المتوحش" الذي يحاول تشويه صورتها فقط، في الميديا العربية، تقليدية كانت أم في مواقع التواصل، لا يحاول غسل وجه لوبن أمام الجمهور المحلي غير المهتم أصلاً بما يجري بعيداً عن حاجاته الأساسية المفقودة، بل هي محاولات لغسل وجه من قد ترتبط بهم لوبن سياسياً في الشرق الأوسط. ويصبح ذلك أكثر أهمية في حال كانت تلك العلاقات موجودة أصلاً كما هو الحال في سوريا.



وصرحت لوبن مراراً عن رغبتها في إعادة العلاقات الفرنسية مع الأسد لكونه بطلاً حارب الإسلاميين في بلاده مثلما تريد هي محاربة الإسلاميين في بلادها. ويتواءم ذلك مع خطاب النظام الدعائي والدبلوماسي منذ العام 2011 والذي صوّر دمشق وكأنها تخوض معركة عالمية ضد الجهاديين رغم أن الثورة في بدايتها على الأقل كانت سلمية وطالبت بالإصلاح السياسي والديموقراطية، وقوبلت بالعنف وسياسة الأرض المحروقة، فضلاً عن حقيقة أن النظام أطلق سراح الجهاديين من سجونه بعفو رئاسي العام 2011 لإدراكه أن ذلك سيسهم في سرديته على أنه قوة تحارب الإرهاب الإسلامي في الشرق الأوسط وتمنع تمدده نحو أوروبا والعالم الغربي.

ويصبح الموقف المعادي للوبن من قبل أي شخص كان، تحديداً في الإعلام الغربي، جزءاً من المؤامرة الكونية المتخيلة التي يفترض أنها "تشيطن" محوراً سياسياً أوسع لا يحتاج إلى من يشيطنه طالما أن أفعاله تقوم بتلك المهمة على أكمل وجه، ويضم روسيا التي تشن حرباً مروعة في أوكرانيا اليوم أو قوى النازيين الجدد في أوروبا ودولاً مثل كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا. وحتى لو كانت لوبن هنا تنأى بنفسها عن حرب ذلك المحور مع "السيد الأميركي" فإن خططها السياسية تبقى متوائمة معه خصوصاً رغبتها في التقارب مع موسكو وسحب باريس من هيكل قيادة حلف شمال الأطلسي "ناتو".

وما يجمع الجانبين هنا هو الرغبة في العزلة كمحدد للهوية والخطاب السياسي. وإن كانت الأنظمة العربية ترحب بذلك لكونه خطاباً يروج لجو يكون فيه الطغاة أحراراً في ممارسة استبدادهم بلا عواقب، فإن لوبن وأمثالها يروجون ضمن نسختهم المشوهة من "الديموقراطية" و"الحرية" المصممة خصيصاً لهم في وجه "الأقليات" من منطلق أن قيم الحضارات الأخرى لا تتواءم مع قيم الحرية الغربيةَ، فضلاً عن نظرتهم للمهاجرين والمواطنين الغربيين المنحدرين من إثنيات أخرى على أنهم "بشر من درجة ثالثة" وفي أفضل الأحوال السبب في معدلات البطالة والفقر وانهيار الطبقة الوسطى. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها