الخميس 2022/04/14

آخر تحديث: 20:34 (بيروت)

"سوتس بالعربي":صبا مبارك تبالغ في "ترويض" الرجال..وآسر ياسين يوازن

الخميس 2022/04/14
"سوتس بالعربي":صبا مبارك تبالغ في "ترويض" الرجال..وآسر ياسين يوازن
"فريدة" رأس هرم السلطة
increase حجم الخط decrease
يبدو أن "الريمايك"، أو النسخ، قد أضحى ركناً أساسياً من أركان الدراما العربية، مع تواصل اصدار نسخ محلية لمسلسلات وأفلامٍ أجنبية. 
ومع أن الاقتباس والاستعارة ليسا جديدين على الإنتاجات العربية، لكن الصيحة الراهنة تقضي بتعريب العمل بشكل شبه حرفي عوضاً عن استعارة الفكرة الرئيسية وبناء نص جديد وقصص فرعية حولها كما جرت العادة في السابق. 

وفي مناسبة شهر رمضان، يتمّ بثّ نسخة جديدة من سلسلة "suits" الأميركية، هذه المرة بإنتاج مصري ومن إخراج مريم أحمدي، فيما قام بتعريب الحوار كل من محمد حفظى وياسر عبد المجيد. وتحمل النسخة العربية عنوان العمل الأصلي (سوتس بالعربي) والذي يعني "بزات رسمية" في اللغة العربية، في إشارة الى ما يرتديه أبطال المسلسل، وهم محامون في شركة رفيعة المستوى تتبلور في أروقتها مجريات القضايا القانونية بالاضافة الى علاقات العمل وديناميات التفاوض في المحكمة والمكتب على حدّ سواء. 
وبشكلٍ أكثر تحديداً، تتبع القصة علاقة المحامي اللامع والمغرور، زين، بمرؤوسه آدم، وهو شاب فقير لا ينتمي الى المجتمع المخملي الذي يأتي منه باقي زملائه، إلا أنه ينجح بحنكته وذكائه الفائق (فهو يملك ذاكرة فوتوغرافية) في إقناع زين بتوظيفه رغم أنه غير حاصل على رخصة لمزاولة المهنة أو حتى شهادة جامعية. 

إنها السردية الكلاسيكية لأسطورة "الحلم الأميركي" ووعد الارتقاء الطبقي الممكن والمتاح لأي كان، شرط أن يمتلك الشجاعة والاصرار الكافيين، فضلاً عن الاستعداد الى تبني المنظومة الأخلاقية لعقيدة الـ "business is business". 

على نحوٍ مفرط في المباشرة والتلقين، لا ينفكّ بطل السلسلة يردد كليشيهات في تأليه المصلحة الشخصية وافتراس كل من يقف في دربها. كما يتخذ على عاتقه تعليم متدربه ليس فقط كيف يكسب القضايا أو المال، بل أهم من ذلك يعلّمه كيف يكون ثرياً، أي أن يفكر ويتصرف ويلبس ويأكل كرجلٍ ثري. 

ويبدو أن سيناريو انتصار الرجل المسحوق وتسلّقه الهرم الاجتماعي الى مرتبة لم يكن يحلم بها يوماً، هو أحد أسباب نجاح المسلسل الأصلي الذي يدغدغ آمال المشاهد الطامع بفرصة مماثلة للخروج من هامشيته، كما أنه سيكون سبباً في نجاح النسخة العربية التي لا يقلّ مشاهديها شعوراً بالتهميش والعجز.
 

تنتمي السلسلة الى نوع المسلسلات القانونية/المهنية، وتتبع معادلة واضحة حيث تقدّم كل حلقة قضية أو حبكة جديدة تتمّ معالجتها في الحلقة نفسها، فيما تسير في الخلفية، وعلى امتداد السلسلة، سردية متواصلة حول حياة الأبطال وتفاصيل علاقاتهم المهنية والشخصية. تتداخل السرديات المختلفة، مُشكّلةً إيقاعاً سريعاً ومشوقاً، بعيداً عن الحشو الدرامي الذي تعتمده المسلسلات العربية التقليدية. 

لكن بالطبع عند طرح نسخة عربية من أي عمل أجنبي معروف، لا مهرب من المقارنة بين العملين، وبلا شكّ سيكون العمل العربي المُستنسخ هو الخاسر في هذه المقارنة. 

الا أن معايير هذا الحكم من قبل المشاهدين ما زالت غير واضحة. فمنهم من يرى أن العمل لا يرتقي الى مستوى المنتج الأصلي، لأنه يفشل في محاكاة الشخصيات والمواقف بصورة دقيقة ومتطابقة، فيما يعتبره آخرون فاشلاً وناقص الإبداع لأنه يعتمد نموذج القص واللصق وإعادة تدوير المَشاهد والنص نفسه بلا أي اضافات أو تعديلات تجعله عربياً. 

يحمل كل من الموقفين شيئاً من الصحة، فمن جهة لا يمكن إنكار التصنع والزيف اللذين لا بدّ أن يعتريا عملاً من هذا النوع، خصوصاً في إسقاطه أساليب المحاكمات الأميركية على النظام القضائي المصري. لكن من جهة أخرى، لا يمكن مطالبة ممثل باستنساخ أداء ممثل آخر.
 

إبان ترجمتها، من الطبيعي أن تفقد الشخصية بعضاً من ملامحها الأصلية وتكتسب ملامح بديلة، شرط أن تستوفي شروط البناء الدرامي لهذه الشخصية ودورها في الحبكة العامة. وبناءً على ذلك يمكن تقييم أداء الممثلين، كل على حدة، ومن دون شملهم جميعاً تحت مظلّة التقليد الفاشل. يمكن مثلاً الاشادة بأداء آسر ياسين في تجسيده شخصية "زين"، إذ يوازن بين الاقتباس وبين إعادة تخيل وتأويل الشخصية. فنراه يقلّد ببراعة وضعيات "هارفي سبكتر" (نظيره في السلسلة الأميركية) وخطوته الواثقة، وهي جوانب مهمة للشخصية التي يؤديها. 

في المقابل، يفشل أحمد داوود في عكس صفات أساسية لشخصية "مايك روس"، كالدهاء والحيلة، ورغم أن شخصيته تلقي الدروس في اصطناع الثقة والقوة، يبدو الممثل عاجزاً عن ترجمتها في أدائه.

أداء آخر يقف ضعيفاً أمام متطلبات الدور، هو ذلك الذي تقدّمه صبا مبارك في شخصية "فريدة"، رئيسة الشركة وأعلى هرم السلطة. هي الشخصية الأنثوية المسؤولة عن ضبط وترويض موظفيها الذكور. تبذل مبارك جهداً مفرطاً لاظهار ما هو جليّ أصلاً، أي السلطة التي تتمتع بها شخصية في مكانتها، ما يجعل هذه السلطة موضع شكّ وغير قابلة للتصديق. إن الاخفاق في تجسيد شخصية رائدة أعمال ناجحة وذات نفوذ، مردّه ربما الى ضعف حضور هذه الشخصيات في الدراما العربية عموماً، وإن وجِدت فغالباً ما تكون غير واقعية ومسلوخة عن تجارب النساء العربيات في سوق العمل.

من الناحية الانتاجية، يتصف العمل بالجودة وحسن التنفيذ، خصوصاً أنه ينجح في اعادة انتاج أجواء الثراء والمهنية التي يتميز بها المسلسل الأصلي. إلا أن نجاح نموذج "الريمايك" وتفوقه على الاعمال العربية الأصيلة، يضعنا أمام مفارقة مهمة. ففي مقابل القدرات العالية في الانتاج وإنفاق المال في سبيل تقديم منتج لا بأس به، يظهر قصور الدراما العربية في الميدان الإبداعي، لا سيما التأليف وكتابة السيناريو، وتبدو هذه الدراما غير قادرة على تقديم منتجات خاصة بنا، تشبهنا وتمتعنا، وتتمتّع، في الوقت نفسه، بالجودة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها