الثلاثاء 2022/04/12

آخر تحديث: 14:57 (بيروت)

سلاف فواخرجي تثير دبابير المتدينين و"العلماء"... مُلحدة؟

الثلاثاء 2022/04/12
سلاف فواخرجي تثير دبابير المتدينين و"العلماء"... مُلحدة؟
increase حجم الخط decrease
لم تقل الممثلة السورية سلاف فواخرجي، في أحدث لقاءاتها الصحافية في برنامج "شو القصة" مع الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات، أنها ملحدة عندما تحدثت عن علاقتها بـ"الله". بل تحدثت عن الأديان من منطلق غير تقليدي في المنطقة العربية، عبر امتلاكها إيمانها الخاص بقوى عليا يجب الخضوع لها من دون الاستناد إلى دين محدد، لكن ذلك كان كافياً لإثارة الغضب والاستياء بشكل يعيد التذكير بأن الحريات الدينية في الشرق الأوسط مجرد أكاذيب مكتوبة في الدساتير المحلية المختلفة على المستوى السياسي، ويتحدث بها الجميع ولا يطبقها أحد حتى على المستوى الاجتماعي.

وما زال الحديث عن الدين واحداً من المحرمات في الثقافة السائدة، حتى عندما يكون الأمر طرحاً لفكرة تستحق النقاش، مثل تثبيث شهر رمضان في موعد شتوي ثابت لتسهيل قضائه على المسلمين، وهو ما اقترحه الممثل والمخرج التونسي محمد السياري رغم أن تلك الفكرة ليست بجديدة بل تتواجد حتى في كتابات تخص نقد الفكر الديني وتحاول مراجعة التراث الإسلامي، وتفيد بأن الصيام في الجزيرة العربية قبل الإسلام وفي أيامه الأولى أيضاً، كان قائماً على تقويم يشابه التقويم الشمسي وليس مثل التقويم القمري بشكله الحالي الذي اعتمد لاحقاً وبات رمضان بموجبه يختلف من عام إلى عام، لأن السنة القمرية تقل 11 يوماً عن السنة الشمسية الأكثر دقة.


وفيما تغيب الأبحاث التي تخص الإسلام والفكر الديني عن التداول لتبقى حبيسة زوايا الإنترنت هنا وهناك، فإن تهم ازدراء الأديان والكفر تلاحق كل من يتجرأ على الحديث علناً عن قناعات مختلفة. فواخرجي، على سبيل المثال، رفضت الحديث عن كونها مسيحية أم مسلمة وتحدثت عن ذهابها إلى الكنيسة والمسجد منذ سن صغيرة. قد يكون ذلك نابعاً من الفكرة السياسية الكليشيه في سوريا الأسد حول تواؤم الأديان ضمن النظام العلماني المزعوم، لكنه بالطبع يبقى حقاً لصاحبته أو لأي شخص آخر على المستوى الشخصي. وحديثها بالتحديد عن عدم وجود نار يعذب بها الرب الأرواح بعد الموت، لأن "الرب محبة"، يقارب كثيراً طروحات مسيحية بهذا الخصوص، بما في ذلك تصريحات نسبت إلى البابا فرانسيس العام 2018 ولم يستطع الفاتيكان التبرؤ منها تماماً رغم محاولة ذلك.

وفي حالتي فواخرجي والسياري على حد سواء، كان الرد الجاهز نفسه حاضراً: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض"، وهي ليست مجرد تغريدات لحظية أو تعليقات عابرة بل هي جزء من سورة البقرة في القرآن، ويستند إليها المسلمون اليوم في تبريرهم لعدم التساهل مع المخطئين. ويمس ذلك حتى المسيحيين والأقليات الدينية المختلفة التي يجب عليها احترام "الخصوصية الإسلامية"، فيما ينظر بشكل عام إلى أديان أخرى حول العالم كالبوذية على أنها مجرد كفر وهرطقة لا يجب حتى إطلاق عبارات التسامح بحقها مثلما فعلت فواخرجي.

ولعل الرد الأكثر استفزازاً كان أنه يجب على هؤلاء "المنحلين" ترك الحديث في الفقه والدين لـ"العلماء"، لأن الأفراد بحاجة دائماً إلى وصاية عليا تضمن عدم الحياد عن "الصراط المستقيم"، ما يشكل باباً حتى للوصاية السياسية حالياً. ومن المروع حقاً أن الشيوخ ورجال الدين ممن يضخون خطاب الكراهية على أساس يومي في القرن الحادي والعشرين، مازالوا يحملون لقب "العلماء" ضمن الثقافة الشعبية، وكأن الكلمة بحد ذاتها تشكل السخرية المطلقة من الوعي والتفكير كخصائص إنسانية يجب أن تكون متفوقة على الغيبية الدينية التي يقول مفكرون أنها باتت عائقاً أمام التطور البشري بعدما كانت في يوم من الأيام عاملاً دافعاً للحضارة الإنسانية.

واللافت أن هناك الكثير من التصريحات المشابهة لتصريحات فواخرجي من قبل ممثلين سوريين، أبرزهم دريد لحام الذي قارن العام الماضي بين الخوف من الله والخوف من المخابرات ما فتح نقاشاً حول معنى السلطة الدينية والسياسية في بلد شمولي مثل سوريا الأسد. لكن تصريحات فواخرجي تبدو أكثر ذاتية وبساطة، وتشابه ما قد يقوله أفراد يحاولون التحدث عن قناعات دينية مخالفة للسائد، تترواح بين ما هو محدود إلى ما هو أشمل كالإلحاد. وحتى ذلك يعتبر تهمة برزت في عناوين وسائل إعلام سورية موالية ومعارض: "سلاف فواخرجي تعترف: ليس لي دين محدد"، وكأن ذلك جريمة أو عار يجب إخفاؤه أو إصلاحه.

في رواية "وداعاً أيها السلاح" للكاتب الأميركي إرنست همنغواي، تقديم مذهل لفكرة الإلحاد كعقيدة غير عنفية أولاً، وكطريقة يجد بها الأفراد في العالم المضطرب بالحروب، إثر الحرب العالمية الأولى، معنى للحياة عبر الإنسانية والحب بالمعنى العاطفي للكلمة وهو ما يلاحظ في العلاقة العاطفية بين بطلي القصة فريدرك هنري وكاثرين باركلي. ولعل تلك الحالة من عدم اليقين بالأفكار المسبقة حتى في بداية القرن العشرين والتي رصدها همنغواي وغيره، كانت جزءاً من تطور حضاري يشمل علاقة الإنسان بالمطلق والمقدس والسلطة وتمهيداً لحركات أكثر ليبرالية على المستوى السياسي وتنادي بمزيد من المساواة، وكلها نقاط تكاد تغيب عن الشرق الأوسط الذي يعيش في عزلته وتخلفه الحضاري.

وبالطبع يمكن رد كل ذلك إلى الأزمة السياسية في الشرق الأوسط مع وجود دكتاتوريات سلطوية تختلف في الشكل وتتشابه في المضمون من بلد إلى آخر، تعمل جميعها على تدوير الخطاب الديني المحافظ وتكرس شرعيتها عبر تحالف مع طبقة رجال الدين الذي يستفيدون بدورهم من تلك العلاقة على مستويات مختلفة من بينها المستوى الاقتصادي. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن تصوير الأفراد المتزمتين كضحايا للسيستم وهم يمارسون تلك التعديات على حريات الآخرين، بينما يطالبون باحترام حريتهم في ذلك التعدي باعتباره "خصوصية دينية"، علماً أن الجدل نفسه ينتقل إلى المستوى الدولي في علاقات المسلمين الموجودين في دول أكثر ديموقراطية، مثل فرنسا، ومفاهيم مثل الاندماج الاجتماعي.

من جهة أخرى يبقى الهوس بما يؤمن به المشاهير شائع الانتشار إلى حد أن خدمة الإكمال التلقائي في محرك البحث "غوغل"، المستمدة من تكرار عمليات البحث المشابهة، تضيف كلمة "ديانته/ها إلى جانب أسماء الممثلين أو المغنين العرب! لكن فهم العقلية المتزمتة التي تحكم تلك الملاحقة تحيل إلى جوانب مظلمة، لأن ردّ الفعل على تصريحات فواخرجي لن يختلف على الإطلاق في حال نشرت الممثلة، ككثير من زميلاتها، صورة لها بالحجاب وهي تقوم بالعمرة أمام الكعبة على سبيل المثال، من منطلق أن الفن والتدين/الإيمان لا يلتقيان.

والفنانون، تحديداً النساء، وفق هذه العقلية هم أشخاص منحلون أخلاقياً حصدوا شهرتهم عبر العلاقات الجنسية التي تجري خلف الكواليس، وما يقومون به من مظاهر متدينة هو كذب ونفاق من دون توبة وتخلٍّ عن "طريق الضلال" مثلما فعل فنانون سابقون كأدهم النابلسي الذي اعتبر الفن حراماً، وأمل حجازي التي باتت تقوم بالإنشاد الديني. وبغض النظر إن كانت تلك المظاهر حقيقية أم لا لأن اللعب على الوتر الديني لكسب شعبية لدى الجمهور المحافظ أسلوب لا يستخدمه المشاهير فقط في المنطقة العربية، بل السياسيون أيضاً، فإن المحاكمة الأخلاقية هي ما يثير الاهتمام، لأنها تظهر أيضاً النفاق لدى الجمهور المتدين الذي يدعي امتلاك الأخلاق، وغالبه من الجمهور المسلم نظراً لهيمنة الإسلام على الشرق الأوسط، الذي من المفترض أن يمثل حالة من الاعتدال والوسطية غير الداعشية/الجهادية.

وفيما يتدخل أولئك الأفراد في شؤون الآخرين فإنهم يتناسون النصوص الدينية التي تتحدث عن أن "لكم دينكم ولي ديني"، ولا يعتبر ذلك غريباً لأن هنالك نصوصاً مقدسة أخرى تتحدث عن العكس تماماً وتعتبر منبعاً للتطرف بحد ذاتها، سواء كانت في القرأن أو الأحاديث النبوية أو حتى في كتب سير السلف الصالح التي تدرس وتنشر على نطاق واسع، وتحلل عقوبة المخالفين للتعليمات الدينية الصارمة ضمن "الحدود الشرعية" مع حيز للمتدينين لفرض ما يرونه صحيحاً على بعضهم البعض من باب "النصيحة" و"الدعوى" و"الجهاد بالكلمة" وغيرها من الأفعال التي لا يمكن وصفها سوى بالتعدي على الخصوصيات الفردية.

والملاحظ هنا أن الردود على "تجاوزات" الأفراد بما في ذلك فواخرجي والسياري وقبلهما كثيرون كأصالة التي غنت حديثاً نبوياً أو الصحافي السوري إياد شربجي الذي قارن بين بشار الأسد والنبي محمد، تأتي من أفراد وليس من مؤسسات، لحقيقة أن المؤسسة الدينية التقليدية لم تعد مقتصرة على هيئات رسمية توجه جموع المؤمنين وتحرم وتحلل على مزاجها وتلقي الاتهامات هنا وهناك، في مقابل كون تلك المؤسسة أكثر التصاقاً بالمؤمنين أنفسهم، وتتحرك خلفهم ومعهم في آن واحد، بقوة السوشال ميديا على الأغلب، والتي قد تكون الأداة الأكثر مباشرة لعكس صورة المجتمعات العربية اليوم، ككانتونات طائفية متعصبة، تنتفي معها معاني الهويات القومية الأوسع.

ومن المؤسف، الاضطرار للكتابة مجدداً عن مدى تراجع الحريات الأساسية في المنطقة العربية، حيث يجب الدفاع مرة أخرى عن حقوق الأفراد في تجاوز المقدسات والتعبير عن أفكارهم حتى لو كانت تلك الأفكار تتضمن الإلحاد والسخرية من الرموز الدينية والانزعاج من حالة الحصار التي يفرضها الدين على الحياة اليومية في الشرق الأوسط. وربما لا يوجد كثير من الأمل بخصوص معركة الحريات في المنطقة، طالما أن دول منطقة الشرق الأوسط عموماً مازالت بعيدة عن التحول إلى دول مدنية ديموقراطية تكفل تلك الحقوق.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها