الثلاثاء 2022/03/29

آخر تحديث: 14:57 (بيروت)

استغل صورة لُجين الهذلول.."العنبر 6": دراما تلميع السجون العربية

الثلاثاء 2022/03/29
استغل صورة لُجين الهذلول.."العنبر 6": دراما تلميع السجون العربية
سلاف فواخرجي في لقطة من المسلسل
increase حجم الخط decrease
صرح صناع مسلسل "عنبر 6"، الذي  عُرض مؤخراً في منصة "شاهد"، استعدادهم لإطلاق الموسم الثاني من العمل، مؤكدين أن الجزء الجديد يقدم قصصاً حقيقية مستوحاة من الحكايات الواقعية في سجون النساء، مشيرين إلى أن المسلسل سيركز على حقوق السجينات وضرورة إعطائهن فرصة ثانية للحياة.


لا تختلف تلك التصريحات في طبيعتها عن التصريحات التي سبقت الجزء الأول، حيث تم الترويج للعمل من قبل على أنه سيستعرض قصص النساء في السجون السعودية وأنه يسلط الضوء على الانتهاكات التي يتعرضن لها. لتثير تلك التصريحات اهتماماً واسعاً مع اعتقاد كثيرين أن العمل سيعرض قصة الناشطة النسوية والحقوقية السعودية، لجين الهذلول، التي سجنت خمسة أعوام بسبب نشاطها، خصوصاً أن المصقات الرسمية للعمل احتوت على صور الممثلة الكويتية فاطمة الصفدي، ظهرت فيها بشعر قصير مشابه لشعر الهذلول.

لكن عندما عُرض الجزء الأول اتضح أن كل تلك التصريحات لم تكن سوى حيلة كاذبة للترويج للعمل لا أكثر، فالأحداث لم تقترب حتى من السجون السعودية، وإنما تمت في سجن دولي مقره لبنان ولا يشبه الواقع في شيء، ويضم سجينات من أنحاء العالم العربي. وبالتالي لا يمكن على الإطلاق أخذ التصريحات التي يتم تداولها في وسائل الإعلام حول القضايا الحساسة التي سيتم تناولها في الجزء الثاني، على محمل الجد.

وعرض الجزء الأول من المسلسل في 12 حلقة، وتم إعداده من خلال ورشة كتابة مشتركة باسم "مصنع الحكايات" أسسها ويديرها المؤلف هاني سرحان، وأخرج المسلسل علي العلي، وقام بأداء البطولة كل من سلاف فواخرجي، صبا مبارك، فاطمة الصفدي ونايف الظفيري، ولن يشهد الجزء الثاني تغييرات كبيرة على مستوى الأسماء المشاركة فيه.

والمثير للحيرة هنا، إصرار صناع العمل على إنتاج جزء ثان منه رغم الفشل الذريع الذي لاقاه الجزء الأول، وتوقف عدد كبير من المشاهدين عن متابعته قبل الوصول إلى حلقته الأخيرة. كما أن المسلسل لم يلقَ أي صدى جماهيري يوازي الحملات الإعلامية التي رافقته، والتي اختلقت حكايات غريبة واستثمرتها بغاية الترويج للعمل، منها التصريحات التي أطلقتها سلاف فواخرجي، حين ادعت بأنها فقدت البصر مؤقتاً لمدة عشرين دقيقة خلال تصويرها العمل، بسبب سقوط قطع من الديكورعلى رأسها!


على ما يبدو، يظن صنّاع المسلسل أنهم يقدمون مسلسلاً يرتقي إلى مستوى واحد من أشهر مسلسلات "نتفليكس" الأصلية، وهو "أورانج إز ذا نيو بلاك"، وأن المشكلة الوحيدة التي واجهتهم وحالت دون تحقيقهم النجاح كانت ترويجية فقط، ما يفسر التصريحات الغريبة التي تبدو وكأنها مرتجلة. لكن الواقع مختلف، إذ فشل المسلسل ببساطة، لأنه لم يجذب الجمهور بسبب رداءته على المستويات كافة!

على صعيد الحبكة، يلاحظ خلل واضح في كتابة القصص، حيث تمر الحكايات ببُنية مفككة وغير مترابطة، ولا تجذب أي حكاية رئيسية أو فرعية المشاهد كي يستمر في المتابعة. ويزيد الأمر سوءاً، الفضاء الدرامي الأساسي، أي سجن النساء الذي يجمع نساء من جنسيات مصرية وخليجية وسورية ولبنانية، لا تجمعهن أي لهجة، ويتصرفن داخل السجن بطريقة غير منطقية، حيث يظهرن بكامل مكياجهن وبشعر مصفف وكأنهن في حفلة سواريه! ويغنين ويرقصن ويثرثرن ويطبخن داخل السجن، ويتصرفن بحرية كبيرة، ليبدو السجن فجأة وكأنه منتجع سياحي، من الممكن أن تعيش فيه النساء حياة سعيدة لولا وجود بعض المجرمات الشريرات اللواتي يشكلن عصابات ويحكن المؤمرات ضد زميلاتهن في السجن.

وهكذا يقدم المسلسل لوحات درامية تلمّع صورة السجون العربية سيئة السمعة، لتبدو الانتهاكات الوحيدة المُرتكبة هي تلك التي تقترفها السجينات أنفسهن في غياب الشرطة! ويظهر تلميع صورة الدولة، بغض النظر عن هويتها، بشكل أوضح، من خلال المشاهد التي يغالي فيها المسلسل في تصوير اهتمام النظام الأمني بصحة السجينات النفسية والجسدية، حيث ينظم لهن أنشطة ترفيهية ويتابع حالتهن النفسية ويرسلهن إلى الأطباء النفسيين لدعمهن ومساعدتهن على الوصول إلى أعلى مستوى من الراحة النفسية.

فعلياً لا ترتكب أي سجانة على مدار المسلسل انتهاكاً واحداً بحق سجينة، باستثناء سجانة عصبية تصرخ في وجوههن بشكل دائم، ويكتشف المشاهد في وقت لاحق أن هذه السجانة لديها مشاكل نفسية وأنها تتصرف على هذا النحو الذي لا يعكس صورة الدولة لأنها تتعرض لتعنيف مستمر من قبل زوجها. ولا تمر تصرفاتها "العنفية" مرور الكرام، بل تليها نقاشات مثالية حول الحقوق، تصل إلى أوجها في خطاب زميلاتها السجانات، اللواتي يهددنها بفصلها من العمل كونها تنتهك حقوق السجينات. وكأنهن يحرصن طيلة الوقت على تطهير صفوف السجّانات من كل مَن يهدد الصورة المثالية للسجون في لبنان (والعالم العربي؟)، وهو، كما نعلم جميعاً، لا يعكس الواقع المزري إطلاقاً.

ومن الأمور التي استثمرها المسلسل في حملته الترويجية، الخطاب النسوي. إذ بيّنت الحملات الترويجية المسبقة أن المسلسل سيكون نسوياً، وهو أمر يتعارض مع ما عرضه المسلسل من مشاهد تكرس الأفكار الذكورية في المجتمعات الأبوية، ابتداءً من حكاية "ليلى" (صبا مبارك) التي يتخلى عنها خطيبها بعد أن يكتشف أنها متبناة، وتشاركه الشعور بأن المجتمع لن يتقبلها كامرأة لقيطة، لتبدأ رحلة البحث عن أبويها الحقيقيين، وذلك من دون ظهور أي شخصية تحمل خطاباً ينتقد الأفكار الرجعية التي تحرك الحدث.

أما شخصية "رهف" (سلاف فواخرجي) فتضحي بنفسها من أجل إنقاذ سمعة عائلتها، فتعترف بجريمة قتل والدها عندما تعتقد أن الفاعل هو أخوها، كي تنجيه من الحبس، بحجة أنه الرجل الوحيد الذي يحمل اسم العائلة وبحبسه قد يختفي إرث عائلتها!

ويبلغ الأمر مستويات متقدمة من الذكورية السامة في شخصية الصحافي "أمجد" (نايف الظفيري)، الذي يُصوّر كأكثر شخصيات المسلسل ثقافةً ووعياً، بينما تعكس آراءه النقيض تماماً حين يرى مثلاً أن من أسباب التحرش بالفتيات هو خروجهن إلى السهر ليلاً، ليمنع ابنة أخيه من الخروج ليلاً مع أصدقائها للسهر، فيما يملي عليها طوال المسلسل ما يجب أن ترتديه "كي لا تجذب المتحرشين".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها