الثلاثاء 2022/03/01

آخر تحديث: 20:16 (بيروت)

الأوكرانيات المقاتلات: جدلية الجمال والسلاح.. والمساواة في الموت

الثلاثاء 2022/03/01
الأوكرانيات المقاتلات: جدلية الجمال والسلاح.. والمساواة في الموت
increase حجم الخط decrease
"حماية المرأة والأطفال والشيوخ وقت النزاعات"، هي من أبرز عبارات القانون الدولي، والتي تحدد بشكل واضح عدم تعرض المتحاربين لهذه "الكائنات الضعيفة". وإذا نصّ القانون على حماية المدنيين بشكل عام، فإنّه لا يذهب بعيداً في تحديد الجندر للدفاع عن براءة فئات أخرى بهذا التخصيص والتوكيد.

وفي معظم الحالات، يلجأ السياسيون في تصريحاتهم، أو الصحافيون كما فعلت إحدى الصحافيات أثناء انعقاد كلمة رئيس الحكومة البريطاني جوريس بوريسون، الى تأكيد همجية الحرب وفظاعتها من خلال شهادات لنساء يخشين القتل ويشعرن بأنهن مستهدفات. غير أنّ الواقع الذي شهدناه منذ اندلاع الحرب الأوكرانيّة، الأسبوع الماضي، وضع المرأة في صلب العمل العكسري وأعاد تعريف دورها في الحروب، خصوصاً على الصعيد الوطنيّ. وهذا الأمر ليس غريباً، إذ شاركت المرأة في العديد من الحروب التي شنتها الدول، لكن التصاق الصور النمطية بالمرأة الأوكرانية على أنها فتاة "جميلة ومثيرة" جعل من هذه المشاركة "الطوعية"محط أنظار العالم. 


وبما أنّ الثقافة التمييزيّة السائدة ترفض الجمع بين الجمال والقوة، وفي أحيان كثيرة تعتبر أنّ جمال المرأة هو سلاحها، فإن اجتماع الخصوصيتين في مثل هذا الحدث الكبير يعني كسر هذه الصور النمطية بطريقة غير تقليديّة.

في مشهد لافت، تقول كيلا روديك، وهي نائب في البرلمان الأوكراني، في صفحتها في "تويتر" بأنها "تعلمت كيف تستخدم الكلاشنكوف، لكن كان خيالياً بالنسبة اليها أنها ستستخدمه في الأيام القليلة المقبلة"، وأضافت: "النساء يحمين الأرض كما الرجال". في الصورة التي نشرتها روديك تظهر بلباس مدني وهي تحمل الكلاشينكوف.

قد يظهر أنّ السلاح هو العامل المشترك في توحيد قوة النساء بالمقارنة مع الرجال، لكنه أيضاً يعني مساواة المرأة مع الرجل في الخطوط الأمامية وتحديد مصير شعب بأكمله. هذا الاستنهاض الشعبي لدور المرأة أتى ليدحض المزاعم بأن "النساء يخشين الموت"، ويرفض مقولة "النساء يهربن والرجال يواجهون". فاليوم قد تكون المرأة الأوكرانية في مواجهة جندي روسي في ساحة القتال. مشاركة المرأة، والتي تشكل 15% من الجيش الأوكراني بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، هو بمثابة فعل اجتماعي نشط قادر على إعادة تعريف ديناميات القوى، والتأكيد على دور المرأة الحاسم في القضايا الرئيسية.

وفي سياق آخر، يدل انتشار نداءت انضمام المرأة الى صفوف الجيش الأوكراني، في وسائل التواصل الاجتماعي، وبطريقة غير مباشرة، على أنّه ترجمة لأحقية القضية ومظلومية الطرف الأوكراني الذي استدعى كافة مواطنيه للحرب، لا سيما النساء اللواتي كان يُتوقّع أن يختبئن في الملاجىء، أو يعبرن الحدود مع أبنائهن، أو يعاينّ المرضى في المستشفيات. 

وقد عكست المنشورات الخاصة بالمدنيات والجنديات الأوكرانيات مدى زيادة التضامن الدولي معهن، اذ تحولت المرأة الأوكرانيّة حاملة سلاح، وهي ليست بالضرورة منضوية في الجيش، الى أيقونة تدل على التحرر والقوميّة والوحدة الوطنيّة. ويأتي هذا خلافاً للنساء اللواتي قاتلن في صفوف مجموعات مقاومة على صعيد العالم، فلم يُمنحن دوراً بطولياً الّا على صعيد ضيق.

وساهمت هذه المشاركة العلنية في الصفوف العسكرية، بشحذ التضامن النسائي من مختلف القطاعات، حيث بدا صوت المرأة في وسائل التواصل الاجتماعي أكثر ظهوراً ومشاركة وفعالية. فقد أعلنت اللاعبة ييلينا سفيتولينا، عزمها على التبرع بأرباحها لدعم الجيش الأوكراني. بينما انتقد كثر مشاركة المرأة، مع مقتل أول مقاتلة أوكرانية، وتدعى ايرينا اتسفيلا، لاعتبارهم أن استحصال المرأة على المساواة لا يعني بداية التضحية بحياتها، إما جميع  الحقوق أو بلا تجزئة.

وفي سياق آخر، يمكن رؤية هذا الموضوع في التعبير عن موقف سياسي واضح هو أقرب الى تبيان الاختلاف في المنظومة الثقافية بين البلدين. فبالعودة الى التاريخ، كان الاتحاد السوفياتي يحظر على المرأة القتال بحجة الحفاظ على صحتها الانجابية. وكان ولايزال انضمامها الى الصفوف العسكرية لا يتعدى قيامها بالمهام الإدراية والطبية والتخصصية من دون المشاركة الفعلية في القتال. وكانت مجموعات من مجتمع "الميم" في أوكرانيا قد أعلنت استعدادها لقتال روسيا، وهي دولة تمنع انضمام هذه الفئة الى جيشها وتعاقب كل من يصنف نفسه على أساس هذه الميول الجنسيّة اللانمطية.

هذا التفخيم الذي كرسه النقاش الإعلامي اليوم، حول المرأة الأوكرانيّة المحاربة، أتى بالتزامن مع تمجيد دور أوكرانيا البطولي وتوصيفه على أنّه حامي القارة الأوروبيّة وبؤرة خلاصها. فالمرأة المنضوية في صفوف الجيش الأوكراني اتخذت قراراً "لم تستطع وزيرات الدفاع في كل من بلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، والدنمارك، وهولندا، وإسبانيا، اتخاذه". وفي الحقيقة، لم يمنح القانون الأوكراني الحق القانوني للمرأة بالقتال الا في العام 2016. وكانت دول أخرى سباقة في هذا السياق، كبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، اللتين أرسلتا قوات من النساء الى كل من فيتنام والعراق.
 

وبعيداً من مضمون الحرب، لم يسبق لدور المرأة في القتال أن حشد تضامناً دولياً بحجم موضوع المرأة الأوكرانية اليوم، لكن قتال هؤلاء النساء في الحروب أظهر أنه، مع دخول المرأة في السلك العسكري، تظهر تحديات من نوع آخر، أبرزها: التحرش، والاعتداء، واللامساواة من قبل نظيرها الرجل. أمّا في الحالة الأوكرانية فقد لا تظهر هذه التحديات في الإعلام قريباً، وهذا لا يعني أنّها غير موجودة، لكن الهدف الوطني المُلحّ الآن، جعل المرأة الأوكرانية منذ بداية الطريق وبطوعية كاملة متساوية مع الرجل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها