الخميس 2022/02/03

آخر تحديث: 19:52 (بيروت)

حادثة ABC.. اختبار أول للتقسيم على أساس طائفي

الخميس 2022/02/03
حادثة ABC.. اختبار أول للتقسيم على أساس طائفي
المجمّع التجاري لا يُقصي الزبونات المحجبات.. فقط الموظفات (غيتي)
increase حجم الخط decrease
يتخطى القرار باستبدال فتاة محجبة في وظيفة في مجمّع ABC التجاري، قضية معاناة المرأة في لبنان من التمييز الوظيفي والعنصري الذي قد يعرضها الى الحرمان من العمل بسبب ارتداء الحجاب. ثمة مؤشرات خطرة، تقسيمية، على نحو يظهر أن تطبيق فيدرالية الطوائف بدأ على نطاق ضيّق، بما يشمل الموظفين دون الزبائن. هو الاختبار الاجتماعي الأول للتقسيم بالمعنى الطائفي، وتعرض لرفض واسع في مواقع التواصل، ما يثبت أن خيار التقسيم والفدرلة، لا يحظى بقبول الغالبية الأعمّ من اللبنانيين. 

سرعان ما تفاعلت قضية موظفة ABC في وسائل التواصل الاجتماعي. الامتعاض من هذا القرار جاء ممزوجاً بالسخرية. وفي حين اعتبر البعض أنّ هذا التوجه هو بمثابة تهميش للحريات الدينية، وفي مقدمها الإسلام، رأى البعض الآخر أنّ هذا الاقصاء المتعمد "يكرّس النظرة الدونيّة للمرأة بصرف النظر عن معتقداتها"، وذلك باعتبار أنّ عملية تسليع المرأة "هو أمر مرفوض"، وأنّ اتخاذ شكلها على أنّه المعيار الوحيد الذي يحدد كفاءتها وقدرتها هو "تحرر" بالمعنى القمعي.

كانت إدارة المجمّع قد نشرت بياناً الكترونياً يفيد بأنّها "مؤسسة غير طائفية وترحب بكل الأديان". وفي الجزء الذي تلا ذلك، أشارت الى أنّ "السياسية التوظيف الداخليّة الخاصة بها تمنع كل التعابير الدينية بما فيها الرموز"، وقد لاقى هذا الجزء احتجاجاً كبيراً في أوساط البعض الذين جادلوا بأن الحجاب ليس رمزاً دينياً، وانما واجباً دينياً بالنسبة للمسلمين، لا يحق لأحد تهميشه، وراح البعض الى اعتبار أن هذا التباهي بالحريات لا يدل إلا على التعصب. 

وتم توجيه أسئلة للمجمع ما إذا كان سيتخذ القرار نفسه إذا ارتدى أي موظف صليباً في رقبته، وما إذا كان تزيين شجرة الميلاد مظهراً دينياً أم تسويقياً.. وإذا كان على هذا النحو، لماذا لا يُرفع فانوس رمضان ضمن المظاهر التسويقية في مناسبة إسلامية؟

وفي مقابل ادعاء المجمع احترام كافة الأديان، أعلن متجر "فولهاوس" للأدوات المنزلية، انسحابه من المجمع. وكان قد نشر المتجر المتخصص في بيع الأدوات المنزلية، رسالة نصية، يعبر فيها عن رفضه بأن يكون داعماً للعنصريّة بشتى أشكالها.

والحقيقة أن مثل هذا التبرير، لا يصب في مصلحة المجمع الذي أظهر أنّ لا مانع لديه في استقبال أي كان، ومنهن المحجبات، شرط أن يدررن عليه عوائد مالية، إنما الحال يختلف إذا أراد المتجر أن يقوم بتوظيف امرأة محجبة. ويبدو أن الهدف من وراء المقاطعة، كما يعبر عنه المغردون، هو وعي أهمية كافة المكونات الدينية والتنبه الى أن مثل هذا التصرف العنصري سيُلحق بالمؤسسة خسائر مادية، كونها ستكون أمام مشكلة كبيرة تكمن في خسارة جزء كبير من زبائنها، التي تمنعت عن احترام معتقداتهم وحرياتهم.

وأثار الجدل القائم بين الناشطين نقاطاً عديدة كان أبرزها التوجه المتناقض للمؤسسة، التي عادةً ما تحتفل بأعياد دينية خاصة، إذ نشر المغردون صوراً لزينة الميلاد التي يضعها المتجر في كل عام، متسائلين عما اذا كانت هذه الزينة تشير الى رمز ديني بشكل واضح؟

وأبعد من ذلك، يمكن فهم هذا الاجراء كوسيلة لتطييف المكان وتأسيس مؤسسات ومجتمعات خاضعة لقواعد خاصة بما يشبه "الفيدرالية المقنَّعة". وهذا ما يدافع عنه العديد من اللبنانيين الذين لا يمانعون المساومة على اندماج المجتمعات إذا كان للأمن أن يتحقق عبر التقسيم.

مثل هذه القرارت تعد وسيلة للتصنيف الاجتماعي على أساس ديني وعنصري وطبقي، يكتسب شرعيته من موروثات تاريخيّة نمطيّة تحدد العلاقة بين التصنيفات الثلاث وتهيمن عليها. فغالباً ما ارتبطت المرأة المحجبة بالمجتمعات الفقيرة، وعليه تم التعامل معها على أنّها مكون غريب لا يصلح لأن يكون جزءاً من أشكال العصرنة. وما زال موضوع الحجاب يحتل مساحة كبيرة في النقاش السياسي والأكاديمي، حيث اتسمت فترة ما بعد الحداثة بالجدل حول تعريف الحجاب؛ فالبعض يراه موروثاً تقليدياً يشكل عبئاً على المرأة، والآخر يضعه في خانة حرية المعتقد. 

في الحالتين، لا يحدد التعريف حقاً ماهية احترام المرأة، فالحق يعود للمرأة التي ترتديه في تعريف معنى الحجاب بالنسبة اليها، إن كانت ترتديه بإرادتها الحرة وليس مفروضاً عليها، أمّا نحن فكل ما يمكننا فعله هو أن نحترم خياراتها.

حتى اللحظة، لم تتدخل أي من الجهات الرسمية للتعليق على الأمر. فالحال، أنّها ليست المرة الأولى التي تواجه امرأة محجبة هذا الاجراء القمعي. ففي الأعوام القليلة الماضية، واجهت المرأة المحجبة في لبنان مجموعة من الاقصاء في المسابح، والمستشفيات، والمؤسسات الرسمية، ولم يقتصر التمييز على الحجاب وانما تعداه الى أصحاب البشرة الملونة. كذلك، واجهت المرأة غير المحجبة محاولة اقصاء من شواطئ وأماكن عامة، بذريعة ان ارتداء "المايوه" يخالف التقاليد الاجتماعية والدينية في بيئة محددة، تسكنها غالبية مسلمة.   

وكان التعميم الصادر في كانون الأول من العام 2018 يؤكد على قبول كل المتقدمات الى المؤسسات الرسمية بما فيه السلك العسكري والقضائي، بمن فيهم المحجبات. غير أنّ الواقع يثبت بأن التمييز العنصري مسألة متجذرة في الثقافة المحلية، ولا يمكن ارساء القبول الاجتماعي الا عن طريق ارساء ثقافة التسامح وقبول الآخر في ظل استمرار مثل هذه الانتهاكات مع غياب دور الدولة عن فرض عقوبات على كل المؤسسات التي تعارض تطبيق مفهوم التعايش والحريات الفردية وحرية المعتقد.

إذا كان مجمع ABC يريد أن يظهر بمظهر الحريص على حياديّة المؤسسة أمام زبائنها، فهذا المبدأ قوامه حرمان المرأة من دورها الاجتماعي الذي تمارسه بكل حرية اليوم في السلك العسكري في بريطانيا، والقضائي في أميركا، والتربوي في نيوزيلندا. ولا بأس من التذكير بقرار المحكمة الألمانية، أواخر العام 2020، والذي اعتبرت فيه أن منع المعلمة من ارتداء الحجاب هو أمر غير قانوني، وهذا دليل على استمرار معركة الحريات لتحقيق العدالة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها