الإثنين 2022/02/28

آخر تحديث: 20:06 (بيروت)

"اللبناني زنخ والمصري كوميدي".. فن "الكرينج" للتعذيب بالنكات

الإثنين 2022/02/28
"اللبناني زنخ والمصري كوميدي".. فن "الكرينج" للتعذيب بالنكات
لورين غودوين وسيباستيان بايلز من أبرز نجوم "الكرينج" بين المراهقين حول العالم في "تيك توك"
increase حجم الخط decrease
بتقديمها فرصاً شبه متكافئة للظهور والشهرة، أضحت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحاً لمحاولات غير متناهية للفت الأنظار وإثبات الوجود الرقمي. وفيما يكشف القليل جداً من هذه المساعي، عن مواهب جديرة بالمتابعة، تفضي الغالبية العظمى الى نتائج متواضعة لا تقدّم شيئاً، ايجابياً كان أم سلبياً. 
في المقابل، تظهر نسبة غير ضئيلة من المحتوى الذي يتسم بالفشل التام والشامل. إنه المحتوى الذي يثير العجب لمجرّد تواجده. بعبارة أخرى، إنه "الكرينج".


يعود مفهوم الكرينج الى نوع كوميدي يولّد، الى جانب الضحك، مشاعر حادة من الاشمئزاز والانزعاج لدرجة يقشعر لها البدن. تستعير هذه الكوميديا تسميتها من مصطلح cringe الانكليزي، وهو يصف الرعشة الداخلية التي تسببها بشكلٍ غير إرادي مواقف الإحراج الاجتماعية الباعثة على النفور والعار. هي مشاهد تحملنا على الإشاحة بنظرنا عنها، لكننا نجد أنفسنا، بالرغم من ذلك، منجذبون إليها بشكلٍ قهري.

بعد انتشار كوميديا الكرينج في بداية الألفية الثالثة عبر برامج ومسلسلات تلفزيونية مثال   The Office وIt’s Always Sunny In Philadelphia، ارتقى هذا النوع الكوميدي الى مستويات جديدة مع دخولنا الحيز الافتراضي حيث تحوّل التهريج الى ممارسة يومية وأداةٍ بمتناول الجميع وليست للكوميديين فحسب. ومع أنخ لا ترجمة عربية معتمدة بعد لهذا الاصطلاح، الا أن مفهوم الكرينج حاضر بقوة في المحتوى العربي وقد تحوّل الى  ثيمة أساسية يندرج تحتها عدد هائل من الصفحات والفيديوهات والمنشورات التي تحمل عنوان "كرينجات". أما اذا أردنا إيجاد مرادف لبناني لهذا المصطلح، فيمكن وصفه بالزناخة، السآلة، الكماخة...

View this post on Instagram

A post shared by @crinjaat


ما هو الكرينج؟
ما يجمع مروحة واسعة من الموضوعات وصيغ المحتوى تحت مظلة الكرينج، هو بالدرجة الأولى الابتذال وتجاوز الخطوط الحُمر للسلوك المقبول اجتماعياً. يتسّم هذا المحتوى بنوع من العبثية التي يصعب معها تحديد ما إذا كان جدياً أم ساخراً، فيجد المشاهد نفسه أمام سؤال جوهري: هل صاحب المحتوى مدرك لعبثية المشهد الذي يصنعه؟ الإجابة يمكن أن تذهب في الاتجاهين. ففي سعيهم  المحموم الى لفت الأنظار في الانترنت، يفقد البعض القدرة على التمييز بين المحتوى المقبول والمحتوى المثير للسخرية. أما البعض الآخر، فيدرك بالفعل عبثية المشهد أو تفاهته، لكنه يختار عن وعي لعب دور المهرج. 

إذا قمنا بجولة سريعة على محتوى حسابات "الكرينج" في "انستغرام" و"تيك توك"، يتضح أن لهذه الظاهرة تجليات وأشكال مختلفة. منها ما هو عام وعالمي، قادر على مخاطبة أي كان وإثارة ضحكاته ونفوره، كفيديو ثنائي يحاول بكل جدية تأدية أغنية حب على "تيك توك"، مع افتقادهم لأدنى معايير الغناء والأداء، فتأتي النتيجة أقرب الى "البارودي" من الرومانسية.

أما النوع الآخر والأشد تأثيراً، فهو الذي يحمل خصوصية ثقافية ويعبر عن كليشهات مرتبطة بتجربة شعب أو مجتمع ما. في السياق اللبناني، يتربّع كليشيه "العيش المشترك"، المجسّد بمشهدية جامع يعانق كنيسة، على عرش الكرينج محلي الصنع.
 
View this post on Instagram

A post shared by @crinjaat


خصوصية الكرينج اللبناني
المقارنة بين صفحات كرينج لبنانية وأخرى عربية- لا سيما المصرية- تظهر هيمنة المحتوى السياسي على الصفحات اللبنانية. لا يمكن، بالتأكيد، في بلدٍ مثل لبنان فصل الكرينج عن السياسة. وقد يصح القول إن السياسة في لبنان هي المصدر الأول للكرينج، اذ تتطابق معه في التعريف والخصائص: هي نكتة سمجة لدرجة الإيلام.

في دردشة مع صاحب حساب Libaniz Cringe على تطبيق "انستغرام"، يقول الجامع النهم لمحتوى الكرينج الوطني، إن من أهم مكوناته "الوطنية والطائفية والهذيان اللبناني، بالاضافة الى إيماننا بأننا أذكى شعب وبلدنا هو الأجمل". هي أساطير فيها من النفاق والتوهم وإنكار الواقع ما يتجاوز حدّ الابتذال الى السوريالية. كما يتحدّث صائد المحتوى عن "النَّصب" كإحدى سِمات الكرينج اللبناني، وقد يأتي هذا النصب بصيغٍ متعددة كدموع رئيس الوزراء في تصريح صحافي عن وضع البلد المتدهور، أو الأكاذيب والأوهام التي يروج لها بعض المؤثرين والحملات الدعائية المضللة التي تطلقها الشركات.

وعن معياره لاختيار محتوى ينطبق عليه وصف "الكرينج"، يقول مؤسس الصفحة أنه يجب أن يكون مضحكاً ويحمل في الوقت نفسه بعضاً من "الزناخة"، التفاهة أو النفاق. لكن، من حيث القيمة الكوميدية، يفرّق جامع المحتوى بين الكرينج اللبناني ونظيره المصري، اذ يرى أن الأول يميل في تركيبته الى "الزناخة" والإزعاج، والثاني الى الكوميديا والإضحاك. 

لماذا نحب الكرينج؟
في محاولتها تفسير فعل الضحك والهزل، تفترض بعض النظريات الكلاسيكية في الفلسفة والسيكولوجيا أن الفكاهة سلوك وجداني مرتبط بالبهجة والمتعة. إن كان ثمة دليل على هذا الخطأ، فهو كوميديا الكرينج أو الألم كما يلقّبها البعض. وترجع إحدى النظريات هذا الميل الى الفكاهة المخلوطة بالألم الى نوعٍ من "المازوشية الحميدة" التي تدفعنا الى الاستمتاع بالمحتوى الرديء والمزعج القائم على سيناريوهات تنتهك الأعراف الاجتماعية.

يمثل هذا النوع من الهزل دعوة الى التجريب الافتراضي واستكشاف الاحتمالات المترتبة على تجاوز القواعد والحدود الفاصلة بين السلوك المقبول اجتماعياً وذلك المرفوض. بناءً على هذا التفسير، تضعنا وفرة محتوى "الكرينج" العربي، وشبه استئثاره بالمشهد الكوميدي، أمام أسئلة وإشكاليات مرتبطة بتقاطع تجارب المتعة والألم لدى العرب على وجهٍ خاص.

يلغي هذا النموذج الكوميدي، المسافة السيكولوجية الفاصلة بين المحتوى والمتلقي، فيتلقف الأخير الموقف المحرج وكأنه يحصل معه، مما يتيح التمرن  الآمن على الألم والإحراج الاجتماعي الذي نحن جميعاً معرضون له. وعلى صعيدٍ آخر، يجتذبنا هذا النوع من الفشل الاجتماعي لأنه يشعرنا بالتفوق الذهني على تلك الشخصيات الخرقاء.

عبر اطلاعه على ردود أفعال المتابعين، يؤكّد صاحب "ليبانيز كرينج" هذه الفرضية الأخيرة. من جهةٍ أخرى، يرى أن اهتمام الناس بالكرينج هو مؤشر ايجابي على المقاربة النقدية للمحتوى الرقمي. كما يشير الى أن منشوراته التي تنال أكبر عدد من التفاعلات هي تلك المرتبطة "برجال الدين أو بالشخصيات المشهورة في الانترنت، أي المؤثرين الذين يحسبون أنفسهم أوصياء على المجتمع، وهذا دليل على تشكيك الناس فيهم وفي ما يجسدونه". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها