الخميس 2022/02/10

آخر تحديث: 21:01 (بيروت)

"البحث عن علا": خطاب جديد للمُطلّقات

الخميس 2022/02/10
"البحث عن علا": خطاب جديد للمُطلّقات
هند صبري وسوسن بدر في لقطة من المسلسل
increase حجم الخط decrease
بعد نوبة فيلم "أصحاب ولا أعزّ" في العالم العربي، طرحت منصة "نتفليكس" قبل أيام، سلسلة مصرية بعنوان "البحث عن علا" تنتمي الى نوع "الكوميديا الاجتماعية"، وهي تكملة لمسلسل "عايزة أتجوز" الرمضاني من بطولة هند صبري وإخراج هادي الباجوري. 
ورغم أن هذا الانتاج لم يفجّر أي قنابل جدلية، بمعنى أنه لم يستعرض أي سراويل داخلية أو شخصيات مثلية (صريحة)، إلا أنه قد يكون أكثر تقدمية وأقلّ افتعالاً في طرح قضايا النساء والجندر، لكن بمنأى من تعقيداتها الاقتصادية.


بعد مواسم من البحث عن زوج في مسلسل "عايزة أتجوز"، تُفتتح سلسلة "البحث عن علا" بخبر طلاقها إثر زواج دام 13 سنة وأثمر طفلين وحياة من الاستقرار البرجوازي المبني على الروتين والأدوار الجندرية التقليدية. حصل الطلاق فجأة، ومن دون سابق إنذار، عندما قرّر هشام (الزوج) إنهاء العلاقة. ينزل الخبر على علا كالصاعقة، هي التي ظنّت أن حياتهما مثالية، خصوصاً أنها ضحّت بعملها وأصدقائها واستقلاليتها المادية من أجل استمرار العلاقة. وهنا تنطلق علا، عند عتبة الأربعين، في رحلة البحث عن نفسها من جديد، وإعادة اكتشاف ما تحبه وما تريده، ما تستطيعه وما تعجز عنه.

الملفت في نقد السلسلة لمؤسسة الزواج، كجزء من المؤسسة البطريركية الأكبر، هو أنها لا تعمد إلى أبلسة الزوج، رغم تجسيده في "كليشيه" الرجل الذي يمرّ بأزمة منتصف العمر، فيستبدل زوجته بدراجة نارية وإمرأة صغيرة السن. 

هو ليس الرجل الجائر الذي يعنّف زوجته أو يحاول خطف الأطفال من أمهم، كما تنتهي الكثير من الزيجات في العالم العربي. هو ببساطة رجل "يصحى" في يوم من الأيام، بحسب تعبير علا، مدركاً أنه لا يعيش الحياة التي يرغبها، و"يصحّي" زوجته أيضاً على حقيقة أن حياتهما قد استحالت نوماً وسباتاً مملاً وفارغاً من أي أحلام، وأن العالم خارج أسوار علاقتهما مفتوح على احتمالات وفرص كثيرة.

لا تنزلق السلسة في فخّ المغالاة المبتذلة لأهوال الطلاق بالنسبة للمرأة العربية، بل تصوّر القمع الرقيق الذي تواجهه المطلقة. هي second-hand package في نظر كثرٍ، وهي بالطبع محكومة بازدواجية المعايير المجتمعية التي تسمح لطليقها بالحديث عن تعدّد علاقاته أمام الأطفال، أما إن فعلت هي ذلك، لكانوا "قطعوني حتت ورموني لكلاب السكك". عليها الرضوخ من جديد لسلطة الأم والبوّاب وحتى الأطفال. 

لكن، رغم ذلك، ترفض علا التماهي مع سردية الضحية التي تخص النساء المطلّقات في مجتمعنا. هي ليست ضحية زوجها وأهوائه المتقلبة، فالجميع لديه الحق في تغير المزاج. "العيب مش عليه أوي،" تقرّ علا، "العيب في المؤسسة الزوجية.. بتقلبنا ممثلين". كذلك، هي ليست ضحية المجتمع إلا إذا رأت نفسها في هذه الصورة. وهي ليست ضحية أمها وأطفالها إلا إذا سمحت لهم بمعاملتها على هذا الأساس. 

في ما يخص الصراع الجندري، تبتعد السلسلة عن ثنائية الرجل الظالم/المرأة المظلومة. ولعلّ الظلم الأكبر الذي تواجهه علا لا يأتي على يد ذَكَر، بل من أنثى، هي أمها التي تجسّد سلطة المجتمع الذكوري المباشرة. يبحث العمل في علاقة الحب/القمع التي تجمع النساء بأمهاتهن وبناتهن كاشفةً عن تغلغل القيم البطريركية في علاقات النساء ببعضهن البعض.

تذهب السلسلة أبعد من ذلك لمعالجة تبعات الثقافة الذكورية على الرجال أنفسهم، والتي تتجسد في العجز العاطفي وانعدام القدرة على التعبير والتواصل مع المشاعر، خصوصاً في علاقاتهم مع أسرهم وأطفالهم. 

يتعمق العمل في الجانب النفسي المرتبط بانخراط الأطفال في تجارب أهلهم العاطفية، وتأثير هذه التجارب في تلقفهم وفهمهم للعلاقات الجندرية. ففي حين تظهر الأم أحياناً كخصم، تجد علا في ابنتها المراهقة حليفةً نسويةً. فهذه الأخيرة ترى أن خيانة أبيها لأمها هي خيانة لها وللنساء أجمعين، وكذلك الأمر بالنسبة لتواطؤ شقيقها معه. الا أن الأم تمتلك من الحكمة ما يكفي للامتناع عن الاستثمار في غضب ابنتها وتحويله الى أداة في صراعها الزوجي لما في ذلك من آثارٍ طويلة الأمد في حياتها العاطفية.

إلى جانب الأداء التمثيلي السلس، يقدّم هذا العمل جديداً للدراما العربية من خلال استخدام موسيقى تصويرية مؤلفة بمعظمها من أغنيات مستقلة تنتمي الى "الأندرغرواند" وتعود الى فنانين وفرق بديلة نادراً ما يتم استعراض أعمالهم في السينما أو التلفزيون ومنهم "دعسوقة"، و"مسار إجباري"، و"جدل". 

لكن تبقى أكثر نقاط المسلسل قوةً، النص المتقن (تأليف غادة عبد العال)، بعفويته وعصريته غير المفتعلة. يستخدم النص الكوميديا والتهكم كبديلٍ عن النكد، لنقد مؤسسات مجتمعية متعددة. تتحايل شخصية علا على الألم و"المصيبة"، بالسخرية، وكأنها تقول إن بعض الأمور لا يجب أن تؤخذ على محمل الجدّ، بما في ذلك الزواج والطلاق و"خراب البيوت". 

لكن بالطبع، كل ذلك ممكن للنساء من فئة وطبقة معينة، أي اللواتي يمتلكن امتيازات وشبكة دعم تغنيهن عن التبعية المادية للزوج أو الطليق. ما يغيب في السلسلة هو البُعد المادي للعلاقات العاطفية والزوجية، البُعد نفسه الذي دفع علا للزواج من "الدكتور" هشام والتنعم بحياة الترف التي تجعل كثيرات يُحجمن عن الخروج من علاقات زوجية مهما كان فيها من خلل. في خضم استثمارها في القضايا الجندرية ونقد السلطة الأبوية، تهمل السلسلة سلطة أخرى قد تكون الأكثر وطأة، هي سلطة المال على الصراع الجندري، بما في ذلك من تسطيح لتجربة الطلاق وتجارب النساء بشكل عام.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها