السبت 2022/12/24

آخر تحديث: 15:55 (بيروت)

اليمين العالمي: لا مكان للمثليين

السبت 2022/12/24
اليمين العالمي: لا مكان للمثليين
القرار الروسي بالمنع الاعلامي هو بمثابة "رهاب سياسي"
increase حجم الخط decrease
من خلال التقارب القيمي بين القطبين المتصارعين، يتضح أن أوروبا تحارب من خلال خطاب "يميني" يحفز اللُّغة الاقصائيّة، وروسيا تندفع بلا هوادة نحو تطبيق الراديكالية في الحياة اليومية.  

بين "البروباغندا المثلية" و"الايديولوجية الجندريّة" التي يطوعها اليمين الأوروبي لخدمة مشروعه الوطني القائم على "استمرارية العرق الأبيض"، تغدو اللغة بما فيها من مصطلحات شائكة أول ساحة للتسلح والتجييش.

رأت روسيا في المثلية الجنسية كذبة يجب تجاوزها عن طريق مكافحتها بالمنع الكلي، وكذلك رأى اليمين الأوروبي أنّ المثلية هي بمثابة أيديولوجيا مثلها مثل أي أيديولوجيا دينيّة لا تشترك مع حضارة الفكر المسيحي وتفوقه. وفيما عمدت بعض الحركات اليمينيّة في أوروبا الى مناصرة حقوق المثليين، مقتنعة بدورها الإصلاحي، ناهضت حقوق المهاجرين واللاجئين في المقابل.

قد لا تكون الهوية الجنسيّة أمراً سياسياً، ولكن يتم تسييسها اليوم بالذات لخدمة مصالح ديبلوماسية أو لإتخاذ موقف سياسي تجاه دولة ما. فالقرار الروسي بالمنع الاعلامي هو بمثابة "رهاب سياسي"، إذ اعتبرت روسيا أنّه لا يمكن تخطيه إلا من خلال تقييد حياة الآخرين وتقرير مصيرهم بما فيها هويتهم الجنسيّة. وليس غريباً على روسيا أن تضع يدها على حقوق "مجتمع الميم"، فقد يُخال للبعض أن هذا الإعلان جاء متأخراً نظراً لإنتهاكات حقوق الانسان التي غالباً ما لا يتم الإقرار عنها. 

وبالعودة الى التوقيت الذي نشر فيه، يمكن اعتبار هذا الموقف مجرد وسيلة للتعبير عن عدم الاكتراث في ظل الحرب في أوكرانيا، والانطلاق من مبدأ التفوق بحيث "كيفما ترى روسيا قناعاتها تسير". ولكن يتعدى التأثير في الجانب الإعلامي على حقوق النشر والظهور والتعبير ويضع المنتمين لهذا المجتمع أمام ضغوط وانتهاكات غير مبررة قد تصل الى سلب حقهم في التعلم والسكن. كما ويضعف هذا القمع الجنسي آليات التلاقي بين الأفراد من هذا المجتمع نظراً لتراجع هامش التعبير مما قد يؤثر لاحقاً على القدرة في رصد انتهاكات حقوق الانسان ومناصرة حقوق المثليين والأقليات الأخرى.

أمّا بالنسبة لأوروبا التي شهدت هذا العام مجموعة من الاعتداءات الداخلية ضد مجتمع الميم؛ كاعتداء أوسلو العنيف، وجريمة سلوفاكيا، والتظاهرات المضادة لمنع مسيرة الفخر في صربيا، فهذه الأحداث تقدم شرحاً حول العلاقة غير التوافقية بين القوانين والعنف المجتمعي. 

فالخطاب الإعلامي العدائي تجاه مجتمع الميم والمسيطر لدى اليمين، بغض النظر عن وجوده في السلطة أو خارجها، يغذي بطريقة غير مباشرة العنف المجتمعي المعادي لحقوق هذه المجموعات.

ولكن رغم وجود قوانين تحمي حقوق المثليين في أوروبا، فان ظهور خطاب تهجمي ينكر هويتهم ويشيطنها، يبسط سلطة مجتمعية قد تحول دون أخذ هذه القوانين بجدية من قبل المواطنين المتطرفين، مما يرفع من حالات العنف وجرائم الكراهية. 

بينّت دراسة لمركز pew أن بعض البلدان وخصوصاً أوروبا غدت أكثر تقبلاً للمثلية الجنسية بالمقارنة مع أعوام سابقة، ولكن يخشى من الخطاب المتطرف أن يؤدي الى حوارات سياسيّة قد تفضي لاحقاً الى مراجعة قوانين داعمة لحقوق المثليين أو النقض بها، أو أن يصبح هذا الخطاب، الذي يكتسب قوته من الشرعية التي يستمدها من السياسيين والإعلاميين، خطاباً مهيمناً يستمد شرعيته من المجتمع.

ليس الأمر غريباً جداً عن الولايات المتحدة الأميركية التي شهدت منذ أيام قليلة اعتداء كولارادو في ولاية فلوريدا، ولاسيما أنّ هذه الولاية أعلنت بكل جرأة عن رفضها للتربية الجنسية وخصوصاً المتعلقة بالمثليين، واعتبر أمين سر الشؤون الإعلامية فيها رون دي سانتوس، أنّ كل من يعارض هذا القرار هو "pedophile" و مشجع على الاعتداء الجنسي على الأطفال. 

هذا الربط المضلل واللامنطقي بين المثلية الجنسية والبيدوفيليا الذي حفزته حملة "لا تقل أنك مثلي" لا ينسحب فقط على كراهية الأشخاص المثليين، بل يبرر العنف تجاههم نظراً للادعاء عليهم بأذية الأطفال الأبرياء، وبث أفكار مغلوطة حول هويتهم بوصفها مرضاً يتساوى مع جرم لا يمكن تصوره.

صحيح أنّ الرئيس الاميركي جو بايدن ظل حاملاً لراية المثليين في حملاته الانتخابية بوجه نظيره السابق دونالد ترامب حتى فوزه بالرئاسة، لكن لا يتوانى الاعلام الأميركي عن استغلال شاشاته لبث الكراهية تجاه مجتمع الميم مستفيداً من حرية التعبير التي لا تقيدها مبادئ مكافحة الكراهية على خلاف القوانين الأوروبية. 

فقد خرجت المذيعة على قناة "فوكس نيوز"، لورا أنغراهم لتنتقد تحول المدارس الى دعاة للهوية الجندرية. وكذلك، خرج وثائقي للمقدم اليميني مات والش يسخر فيه من العابرين جنسياً. وللمفارقة أن أبرز الإعلانات الخاصة بالفيلم كانت على "فايسبوك" و"تويتر" رغم دعم هاتين المنصتين لحقوق مجتمع الميم.

مع تصاعد هذه النقاشات، ترتفع الدعوات الحقوقية للدول والأحزاب المتعارضة مطالبة اياها بالتوقف عن تسييس حقوق المثليين والمراشقة بها، وأنه عليها أن تتقنع وتعترف بأنّ هذا الحق هو حق انساني، لا يقيده عرق أو دين، ولا يمكن فرضه أو تقييده بقوة دولة ما لأن الحقوق مرجعها الانسان، والانسان يتمتع بحصانة تحمي كرامته من العبث.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها