الخميس 2022/12/15

آخر تحديث: 20:49 (بيروت)

مجدرة حمرا "تازة".. لمَن فقد الوصفة!

الخميس 2022/12/15
مجدرة حمرا "تازة".. لمَن فقد الوصفة!
أنجو ريحان
increase حجم الخط decrease
منذ فترة طويلة، لا أذكر مدتها، قاطعتُ كل ما هو لبناني. لم أقاطعه بوعي مني. هذا ما اكتشفته مؤخراً. نَمَت عندي دفاعات متينة تمكنني من كُرهه وتجاهله. أصبحت علاقتي به كعلاقة بين حبيب (أنا) وحبيب سابق (هو)، خذلني على كل المستويات. لكل منا علاقة خاصة بوطنه تشبه العلاقة الحميمية بالخالق. قد تتأثر، تتغير وتتبلور، حسب الظروف، المزاج، الإيمان والصدف.

قادتني هذه الصدفة لحضور مسرحية "مجدرة حمرا" ليحيى جابر، كاتب المسرحية ومخرجها مع أنجو ريحان، التي تلعب أدواراً عديدة. ذهبتُ حاملة معي كل الأحكام المسبقة والغضب على يحيى جابر وكتابته الدائمة عن لبنان.

وعدتُ نفسي أن أفتش عن كل الكليشيهات التي سيُكثر منها عن الوضع المعيشي ووضع المرأة وفَرق اللهجات بين السنّة والشيعة. تخيّلتُ أنجو تتكلم كما يتكلم الشيعة، بتمثيل متواضع وباهت، كحال أكثرية الممثلين اللبنانيين الذين شاهدتهم في مسلسلات وأفلام تلفزيونية. وعدتُ نفسي ألا أضحك، فأنا في الأساس لا شيء يضحكني. سأفتش عن هنّات الكتابة. وسأكتب مقالاً، لا أدري أين سأنشره، عن سطحية الوضع الثقافي في لبنان، وأستغلّ هذا المقال كي أتحدث عن نفسي وكيف لفظني بلدي مرات عديدة، كلما لجأت إليه، وكيف أنجح وأحلّق كلما خرجت عنه. سأتكلم عن الشِّلَلية وعن حب المظاهر، سأتحدث عن أني لا أنتمي إليهم، لأني لا أشبههم. سأسخر من الجميع ومن نفسي ومنهم، سأكره يحيى وأنجو والمجدرة على أنواعها.

خلال الدقائق الثلاثين الأولى من العرض، اتخذتُ وضعية المومياء. أسمع، أراقب وأحلل، لا أعبّر ولا حتى بإيماءة. أصدقائي من حولي، كما كل جمهور القاعة، يضحكون، يصفقون ويتحمسون. وأنا أراقبهم وأراقب نفسي وأراقب المسرح وأراقب أنجو، شعلة ضوء، جمال وذكاء، تنظر إليَّ وتخاطبني، تخاطب عقلي وقلبي بتعابير وجه حنونة وقاسية. أمست أنجو، لبناني الذي فقدته منذ زمن بعيد. ترَكَت كل الجمهور وتفرغت لي، رقصنا على المسرح أنا وهي، ضحكنا وبكينا. رددنا مزحات لا يفهمها إلا اللبناني. ويحيى يربّت على أكتافنا وقد أهدانا نصاً من قلب لبنان، من الجنوب، حيث تنتمي أمي. تذكرتُ أمي وعاداتها وكلامها.

- "أني فعلا مبسوطة!" قلتُ في نفسي،
- "أني فعلاً لبنانية"، رددتُ عالياً. و"أني" بحب المجدرة الحمرا، "تازة" كما يقول الجنوبيون عن الطازج وكما هي هنا، ويحيى جابر، وأنجو ريحان، لأنهم صالحوني مع نفسي وذكّروني برائحة أمي وعالمها، من دون تصنّع أو افتعال. جاءت المسرحية مرهَماً ناعماً صاخباً يعبق برائحة وطن، على ما يبدو أني أعشقه من طرف واحد.

‎تستأنف مسرحية "مجدرة حمرا" عروضها في مسرح "دوار الشمس"، وذلك بعد نجاحها الكبير خلال الأعوام 2018 و2019 و2020، وفوز بطلتها أنجو ريحان بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في المسرحية ذاتها.‎ المسرحية من تأليف وإخراج يحيى جابر. أيام العروض السبت: 3,10,17 كانون الأول 2022، الساعة 8,30 مساءً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب