السبت 2022/11/26

آخر تحديث: 13:13 (بيروت)

يسرى وسارة مارديني في "نتفليكس": قصة استثنائية تمسخها الميلودراما

السبت 2022/11/26
يسرى وسارة مارديني في "نتفليكس": قصة استثنائية تمسخها الميلودراما
منال وناتالي عيسي في دورَي السباحتين السوريتين (نتفليكس)
increase حجم الخط decrease
يسرى (ناتالي عيسى) وسارة مارديني (منال عيسى) ليستا شقيقتين تنتميان للطبقة المتوسطة السورية فحسب. يوحّد الشابّتان أيضاً حلم المشاركة في الألعاب الأولمبية كسباحتين يوماً ما. تمتلكان الموهبة، وأباً (علي سليمان) داعماً ومدرّباً، ويبدو أن تفانيهما في التدريبات يفتح أمامهما بعض الأبواب والمخارج في عالم الحياة الليلية الدمشقية. لكن الوضع في وطنهما يزداد صعوبة، وتقترب مخاطر الحرب.

هرباً من مصير مظلم يشابه ما حدث لزميلتهما رزان حدّاد، تقرر الاثنتان مع ابن عمهما نزار (أحمد مالك) القيام بما جرّبه من قبلهم سوريون آخرون بحثاً عن فرصة للنجاة والبقاء: عبور البحر الأبيض المتوسط. رغبتهما هي الوصول إلى ألمانيا، ومن هناك تواصلان التدريبات في سبيل تمثيل المنتخب السوري في أولمبياد ريو 2016. وفقاً للخطة، يُفترض ببقية أفراد الأسرة الانضمام إليهما لاحقاً. لكن حتى الوصول إلى هناك محفوف بالعقبات..


في العقد الأخير شهدت السينما، الأوروبية خصوصاً، ما يشبه موجة أفلام عن اللاجئين. ظهر عدد لا يحصى من العناوين الوثائقية، إلى جانب بعض الأفلام الروائية. في غضون ذلك، مع استطالة أمد الأزمات والنكبات المسؤولة عن دفع هؤلاء الفارّين من بلادهم، عطفاً على استحداث أزمات جديدة مثل الجائحة ومن بعدها العدوان الروسي على أوكرانيا؛ أصبح الأمر أكثر هدوءاً في هذا الصدد. ومع ذلك، تستمر أفلام في الظهور لتثبت مدى جاذبية أو إلحاح هذا الموضوع لسرد القصص السينمائية عنه.

بالطبع، تختلف هذه الأفلام في زوايا مقاربتها لتجربة اللجوء ونبرتها السردية وإمكانات صانعيها، البعض الأبرز منها يطرح الكثير من الأسئلة الأخلاقية، فيما البعض الآخر يفضّل نهجاً أكثر تصالحية، ولهذا النوع الثاني ينتمي فيلم "السبّاحتان" لسالي الحسيني، المعروض أخيراً في "نتفليكس".

هذا لا يعني أن الإنتاج البريطاني الأميركي المشترك لا يعتمد على التفاصيل الجوهرية، خصوصاً في ثلثيه الأولين، لا تبخل المخرجة وكاتبة السيناريو سالي الحسيني (ويلزية من أصول مصرية) بتزويد جمهورها بسياق حكايتها. توضّح مدى خطورة الوضع في سوريا بعد تحوّل الثورة الشعبية السلمية إلى مقتلة أهلية. للقيام بذلك، تعتمد على التناقضات الهائلة عندما تتناوب الحياة اليومية للشقيقتين مع أهوال الحرب. تفعل ذلك في كادرات تخطف الأنفاس تحوي صوراً يصعب نسيانها وتنفيسات فكاهية، لكن أيضاً بإلحاح وتكرار وكثير من الميلودراما البكائية وضرب على أوتار مألوفة ورغبة في إظهار المتناقضات.



تجاور البهجة والبؤس هو أسلوب عمل الفيلم، مهما بدا متناقضاً أو سوريالياً. أحلام الشابّتين وبهجة العيش لا يتناسبان مع سقوط القنابل الممكن سقوطها في أي لحظة وأي مكان. يُظهر المصور كريستوفر روس بشكل جذري الهجوم على أهداف مدنية في دمشق (عمل روس في كوميديا البيتلز "أمس"، وأيضاً في الفيلم الفاشل "قطط"، وكلاهما من العام 2019). في مشهد يصرخ لإحداث التأثير، أثناء مسابقة رياضية في صالة مغطاة تكون يسرى آخر من يبقى في المسبح، بينما تغرق قنبلة يدوية أمامها مثل سمكة ملعونة في حركة بطيئة صوب ملامسة مميتة للأرض. 

في مشهد آخر، بعد أن يصلوا إلى الأراضي اليونانية، أول ما يتعثرون به هو مكبّ نفايات للبقاء الإنساني، حيث ألقيت آلاف من سترات النجاة الصفراء والبرتقالية تخصّ رفاقاً سبقوهم في تلك الرحلة الخطرة. 

في المشهد المركزي للفيلم: عبور الفارّين في زورقٍ مطاطي صغير مُرقّع لا يحتملهم، يعطي المُشاهد فكرة جيدة عن جرائم يرتكبها مهربون عديمو الضمير ضد أولئك الذين فقدوا كل شيء، وعن أقدار تتقلص أرقاماً وتقديرات في التقارير الإعلامية. لكنهم، على أي حال، يموتون كل يوم، يائسين ووحيدين، وبلا كرامة في بحرٍ صار مقبرة. وصمة عار أوروبية. كل هذا نعرفه، بشكل أو بآخر، بحكم تكرار الحوادث والتقارير والقصص والصور. ما يفشل فيه الفيلم حقاً هو طريقة تقديم مثل هذا البيان الاتهامي، مكتفياً بتقديم جميع أنواع الاستعارات القاسية والسهلة لقصة يسرى وسارة طوال مدته، وبالطبع الإمساك بيد الجمهور خلال هذه التجربة بأكملها.

من المخيّب للآمال دائماً عندما تتحوّل قصة حقيقية استثنائية إلى فيلم يرويها بطريقة تقوّض مدى روعتها وإلهامها. "السبّاحتان" يروي قصة مروعة وملهمة تستحق أن تُروى. لكن لا سالي الحسيني ولا شريكها في الكتابة جاك ثورن استطاعا الذهاب في فيلم يمتد لنحو ساعتين وربع الساعة أبعد من دفع الجمهور للبكاء (بالمناسبة، المونتاج واحد من أسوأ عناصر الفيلم). 

هنا، الكيتش والشفقة مرحب بهما بأذرعٍ مفتوحة. هو بلا شكّ فيلم موجّه لإسعاد الجماهير، لإشعارهم بشي من الرضا الذاتي، لإيصال رسالة مهمّة حول أزمة اللاجئين المتزايدة في جميع أنحاء العالم. قصة يسرى وسارة مارديني تتضمّن كل هذا "الباكدج"، لكن المؤسف أن صانعي الفيلم لم يستطعوا قضاء الوقت الكافي لرؤية حياتهما أبعد من مجرد كونها وعاء لهذه الرسالة.
 
رغم كل هذه المآخذ وغيرها من مشاكل أخرى تتعلّق باختيار الأدوار، تبقى فضيلة الفيلم المتمثلة في لفت الانتباه إلى تراجيديا هيمنت منذ وقتٍ ليس ببعيد على عناوين الصحف اليومية الأوروبية لكنها تراجعت إلى الأخبار الصغيرة بعد الوباء، ثم هجوم بوتين على أوكرانيا. بإعطائه وجهاً وصوتاً لموضوع اللجوء، وتوضيح لماذا اضطر كل هؤلاء الأشخاص إلى مغادرة وطنهم وترك أحلامهم ومعاشهم؛ تصبح البطلتان وابن عمهما رموزاً تمثيلية تندمج فيها المصائر الفردية والاجتماعية، نماذج لسوريين آخرين لم يُسمع بهم لأسباب لا يعلمها إلا الله.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها