الجمعة 2022/11/11

آخر تحديث: 12:42 (بيروت)

شام البكور: طفلة سورية قتل النظام أباها...ثم سرق إنجازها

الجمعة 2022/11/11
شام البكور: طفلة سورية قتل النظام أباها...ثم سرق إنجازها
increase حجم الخط decrease
مرة بعد مرة، يظهر النظام السوري والموالون له على حد سواء، حاجة لا يمكن إشباعها للشعور بالانتصار، حتى لو كان ذلك على حساب طفلة صغيرة مثل شام البكور التي فازت بلقب بطلة "تحدي القراءة العربي" في الإمارات، متفوقة على أكثر من 22 مليون طالب من 44 دولة. وتم فيها تزييف قصتها من حقيقة أنها طفلة قُتل والدها بقصف لقوات النظام السوري، إلى طفلة "نجت من شظايا تفجير إرهابي أودى بحياة والدها"، حسب الرواية الرسمية المتداولة في سوريا.

وعرض "تحدي القراءة العربي" قصة الطفلة شام في فيديو على لسان والدتها منال مطر التي قالت أن شام أصيبت بشظايا في رأسها ونجت من "انفجار" أودى بحياة والدها محمد البكور. لكن معارضي النظام نشروا القصة الحقيقية وصوراً لشام في طفولتها مع والدها محمد البكور الذي قتل في قصف موثق لقوات النظام السوري في مدينة خان طومان بريف حلب في 20 كانون الأول/ديسمبر 2015.



ويتحدر محمد البكور من مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، وكان يعمل حارساً في مطاحن الذاكري في منطقة خان طومان التي كانت ساحة حرب مشتعلة بسبب محاولة قوات النظام السوري وحلفائه تأمين السيطرة على ريف حلب الجنوبي. وقصفت قوات النظام وحلفاؤها المطاحن والطريق المقابل، ما تسبب بمقتل الشاب. وأوضح أقاربه في تصريحات صحافية أن طفلته شام لم تكن معه عندما تعرضت المطاحن للقصف، وهو ما يتعارض مع ما الرواية الرسمية.

يغيب ذلك كله عن التداول الأوسع لغايات دعائية. فبينما يذرف وزير التربية السوري، دارم الطباع، الدموع، وتنشر صفحة رئاسة الجمهورية التهاني، وتحتفي الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي بـ"الثأر الجميل لآلاف الأطفال السوريين والعراقيين واليمنيين الذين انطفأت موهبتهم تحت الأنقاض"، يتم تحوير القصة وكتابة تاريخ جديد لشام التي لا تعرف والدها ولا قاتله، فيما يتم نشر صور لها بالجاكيت العسكري الذي يفترض أنه يعود لوالدها في تصور مفترض لـ"عزيمة لا تلين" ولـ"الصمود" الذي يتم تدريسه للسوريين من قبل طفلة لا يتجاوز عمرها السبع سنوات.



وليس غريباً استغلال طفلة بريئة لتلميع صورة النظام الأسدي أمام السوريين في الداخل، ممن يعبرون عن استياء متزايد من السلطة الفاشلة، وأمام الجمهور العربي الأوسع أيضاً. فالدولة السورية تستثمر في النجاحات الفردية، لكنها في الوقت نفسه جلّادة الأفراد حتى لو كانوا أصحاب تلك الإنجازات أنفسهم. وذلك هو التناقض في أي دولة شمولية بالتأكيد، لكنه في سوريا الأسد يبلغ مستويات فاقعة في لا أخلاقيتها، خصوصاً أنه يشكل نمطاً متكرراً وليس حالة فردية، حيث يمكن استذكار استغلال أسماء الأسد، زوجة الرئيس بشار الأسد، لقصة الطالبة أنوار عبد الرزاق العلي الغبيط، التي فقدت قدمها في قصف لقوات النظام السوري بالبراميل المتفجرة على بلدتها الغارية الغربية في درعا العام 2017، وتم الاحتفاء بها العام 2021 في فعالية "تكريم المتمزين رغم إعاقتهم".

والاستغلال الرسمي لكل هذه القصص الفردية، ومنها أيضاً قصص الرياضيين السوريين الذين شاركوا في أولمبياد طوكيو 2021، جزء من جهود أوسع تحدد العقد الاجتماعي الجديد في البلاد، والذي قدمته بوضوح المستشارة الرئاسية لونا الشبل في العام نفسه، وطالبت فيه السوريين بالصمود الإيجابي، معتبرة أن الدولة السورية ليست مسؤولة عن إيجاد الحلول وتقديم الوعود في ما يخص الجانب الاقتصادي والخدمي. وتصبح إنجازات السوريين كأفراد خارج البلد المدمر والممزق المحافل العالمية، مثالاً إيجابياً يتم طرحه أمام الموالين المتذمرين الذين يريدون من الدولة الأسدية أن تقوم بواجباتها لا أكثر، والذين كانوا يعتقدون أن الحياة ستعود أفضل مما كانت عليه قبل العام 2011 بعد "نهاية الحرب".



ولا تحدث القصة الحقيقية للطفلة شام، أي تأثير على الموالين سوى إظهار مزيد من الإنكار للواقع. لأن غير ذلك سيسبب إحباطاً يهدم الأمل في عودة الحياة السورية إلى طبيعتها، والذي يأتي بدوره من تورط عاطفي أعمق بالانتماء للوطن، حيث يكمن الشرخ الأكبر ضمن المجتمع السوري اليوم، ويمكن تلخيصه بالتساؤل عن معنى الانتماء للبلاد الممزقة بفعل الحرب الطويلة ومعنى أن يكون الشخص سورياً.

والموالون كأفراد، لا يكترثون بالحقيقة مهما كانت مؤلمة. بالنسبة إليهم تعتبر الشكليات والبروتوكولات والرمزيات مثل العلم السوري والبزة العسكرية. ويتحول كل من يتحدث عن الحقيقة إلى "نكدي" في أفضل الأحوال لأنه لا يستطيع تحمل فكرة "فرح الشعب السوري"، أو إلى عميل مأجور ينشر الأخبار الكاذبة، أو إلى حاقد "يموت بغيظه". وهذا الشعور ليس غريباً حيث تشكل جرعات الانتصار بغض النظر عن شكلها وحيثياتها، خطوة يحتاجها الموالون على الصعيد الشخصي لتبرير تمسكهم بنظام الأسد طوال 11 عاماً، بعد الثورة السورية التي يصفونها بمؤامرة أفضت إلى بؤس يعيشونه يومياً على الصعيد الاقتصادي والخدمي والأمني.

ويعزز تلك الحاجة حقيقة أن النظام عجز عن تحقيق أي انتصار فعلي لأن إنجازاته العسكرية مع حلفائه، لم تترجم إلى ما هو أبعد في السياسة أو الاقتصاد، حيث مازالت البلاد تعيش عزلة دبلوماسية واقتصادية بفعل العقوبات الدولية، ما عزز انهيار المجتمع ككل. وتحول النظام الذي دعمه الموالون ووقفوا إلى جانبه، إلى عبء يزيد معاناتهم اليومية مع تحويله الموالين أنفسهم إلى أعداء جدد له في حال تذمروا أو اشتكوا من ظروف الحياة الصعبة في مواقع التواصل على سبيل المثال. وفيما يدرك الموالون ذلك، فإنهم لا يعترفون به، بسبب الخوف من جهة، وغياب البدائل من جهة ثانية، مع تورطهم العميق مع النظام أخيراً طوال العقد الماضي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها