الجمعة 2022/10/28

آخر تحديث: 11:30 (بيروت)

عن صور الإيرانيات الجميلة.. والمحزنة

الجمعة 2022/10/28
عن صور الإيرانيات الجميلة.. والمحزنة
أربعينية مهسا أميني (فرانس برس)
increase حجم الخط decrease
لا يمكن تبديد الشعور برومانسية الصور الآتية من إيران لنساء يتحدين قمع السلطة الدينية بخلع الحجاب أمام الكاميرات، أو بقصّ شعورهن وإظهار الألوان في ملابسهن، رفضاً للأسود المفروض عليهن منذ العام 1979. وفيما تتكرر عبارة "صورة أيقونية" يومياً في مواقع التواصل ووسائل الإعلام، تحيل المقارنات إلى صور مماثلة ظهرت خلال السنوات الماضية ووصفت أيضاً بالأيقونية.. لكن إلى أي تغيير أفضت؟

في أربعينية مهسا أميني، الشابة التي قتلت على يد "شرطة الأخلاق" في أيلول/سبتمبر الماضي إثر اعتقالها بتهمة ارتداء الحجاب بشكل فضفاض، ظهرت صورة لشابة اعتلت سيارة أمام الآلاف ممن توافدوا إلى مقبرة آيجي في بلدة سقز، حيث دفنت أميني (22 عاماً)، رغم التحذيرات الأمنية والتهديدات التي لاحقت العائلة، وكل من أراد إحياء ذكرى مرور أربعين يوماً على الجريمة البشعة.


الصورة التي نشرتها وكالة "فرانس برس" جميلة حقاً بالمفهوم الصحافي. امرأة شابة أمام آلاف من الحشود "على مد العين والنظر" في تحدٍّ لنظام شمولي يقمع الأفراد باسم الدين. لكن الصورة، مثل صور كثيرة قبلها، تبقى في إطار العاطفة، ربما لأن الحدث نفسه يقع في منطقة رمادية وسطى بين الثورة بمفهومها الأشمل والاحتجاجات بمفهومها اللحظي. كما أن الصورة ومثيلاتها أيضاً تبدو في المجمل ردَّ فعل على حدث مستمر. وهي تختلف بذلك عن صور أخرى كتلك الآتية من سوريا إبان سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق واسعة فيها.

على سبيل المثال في العام 2015 التقط الصحافي المستقل جاك شاهين، صوراً لنساء يخلعن العباءات السّود ليظهرن بثياب مزركشة وألوان زاهية. وكانت تلك الصور تخليداً للحظة الخروج من الأراضي الداعشية نحو مناطق أخرى لم تبلغها "الخلافة" التي أزالت الحدود بين سوريا والعراق مؤقتاً، وامتلكت بذلك أثراً عاطفياً بسبب الحرية الفعلية التي امتلكتها النساء في تلك اللحظة، ويقينهن بأنهن نجَون من التنظيم. أما الصورة الآتية من إيران، ورغم أنها مفعمة بالمقاومة، فإنها تذكر أيضاً باستمرار القمع الديني ونظامه الذي يبدو حتى الآن صامداً، ما يسبغ عليها جانباً محزناً... هل ثمة أمل فعلاً؟


كما أن صور السيدات السوريات والعراقيات الهاربات من الخلافة الداعشية، وصوراً موازية لرجال وأطفال، جسّدت معنى الخلاص من القمع الداعشي. وفي تلك اللحظة تجسدت مشاعر الفرح والتمرد معاً، إذ كان اللباس الأسود الذي أُجبرت النساء على ارتدائه، مجرد خدعة تبعد العقاب عن صاحباته، من السلطة الغاشمة، لا تأييداً لها أوالتزاماً بقواعدها، وانتهين بالتحرر منها، وإن ليس بفعل ثورتهن وحدهن. نساء إيران يقمن بالفعل المتمرد نفسه، يومياً، منذ عقود، إلا أن استمرار قمعهن طوال تلك الفترة، هو بالتحديد ما يجعلها محزنة أكثر منها مُبهجة.

ربما تصبح الصور الإيرانية، أيقونية وتاريخية مكرّسة في المستقبل، في حال حصول تغيير سياسي كنتيجة للاحتجاجات الحالية. لكن ذلك يبدو الآن غير مرجح، نظراً لوتيرة الاحتجاجات نفسها التي تراجعت في الأيام الأخيرة قبل أن تعاود البروز مجدداً في أربعينية أميني. لكنها، في هذه اللحظة، تبقى صوراً "جميلة"، مثل لقطات تكسير تماثيل حافظ الأسد وحرق صور بشار الأسد في سوريا، قبل عشر سنوات، والتي أعطت أملاً لحظياً سرعان ما تبدد، وبات يُنظر إليها اليوم بحسرة، عند تذكّر الحدث السوري الذي تحول إلى صراع مجمّد، ضمن فيه نظام الأسد البقاء في السلطة بسبب الحل الأمني الذي اتبعه وعنفه المفرط من دون رد فعل حقيقية من المجتمع الدولي. الإيرانيات يحظين بتأييد العالم.. لكن، إلى أي مدى سينصرهن العالم حقاً؟ هل ينلنَ ما نالته النساء المحررات من تنظيم "الدولة الإسلامية" بعدما حاربته الدول الكبرى نفسها التي لم تقطع شعرة التفاوض مع النظام الإيراني؟  

لعل خصوصية الصور الإيرانية اليوم تكمن في تصدّر الجيل "Z"، وهم الأفراد الذين ولدوا تقريباً بين منتصف التسعينيات ونهاية العقد الأول من الألفية الجديدة، كمحرّكين للاحتجاجات. إلا أن غياب القيادات والتنظيم الحقيقي وخطة العمل، تجعل الاحتجاجات مشابهة للربيع العربي الذي لم يُفضِ إلى ما أراده ثواره. وفيما يثير ذلك إعجاب الجيل الأكبر سناً، من فلاسفة وكتاب وصحافيين ومثقفين، داخل إيران وخارجها، إلا أن ذلك الإعجاب يبدو شديد العمومية ويأخذ صيغة حوار بين الأجيال أكثر منه صيغة ثورة، وهو ما تبرزه كتابات لمثقفين إيرانيين في وسائل إعلام غربية خلال الأسابيع الأخيرة.

وما يزيد في عمومية تلك الصور أنها صور بلا أسماء. صُور تتشابه، بطلاتها وأبطالها لا يحظون بمجد انتصارهم، يُقمعون ولا يبلغون الاحتفال. هم أبطال في ديستوبيا خاصة بهم. وحتى ضمن الحيز الإيراني نفسه، يعتبر ذلك أقل من المتوقع. إذ برزت أسماء المحتجين، في سنوات سابقة، بما في ذلك العام 2017، عندما كانت الناشطة، ويدا موحد، تقود الاحتجاجات، بعدما اعتلت صندوقاً ضخماً وسط حشود غفيرة في شارع الثورة بطهران، قبل نزعها حجابها الأبيض ورفعه فوق عصا طويلة، ملوحة به للأعلى، في مشهد كررته النساء داخل إيران وخارجها قبل أن يذوي من الذاكرة الجمعية، فيما اعتقلت صاحبته لاحقاً.


وإن كان المحتجون الحاليون لا يركنون إلى مصطلحات إصلاح النظام، مثلما كان المحتجون من أجيال سابقة يفعلون، فإن محتجي الربيع العربي لم يدعوا للإصلاح أيضاً بل للتغيير الأشمل تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، لكن الرغبة في التغيير وحدها لا تكفي. كأن الاحتجاجات في الشرق الأوسط تبقى في إطار ردّ الفعل، ليس فقط على السيستم السياسي السائد، بل على الأهل والعائلة، من قِبل جيل شاب يرفض طريقة التفكير القديمة ويحاول البحث عن ذاته ضمن الفضاء العام، وينظر لنفسه كضحية، حسب وصف مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية، إذ حُرم من اختيار أسلوب حياته وفُرض عليه العيش في ظروف اقتصادية واجتماعية خانقة.

أما تظاهرات الطلاب العام 1999، والثورة الخضراء العام 2009، التي احتجت على تزوير الانتخابات الرئاسية، وكذلك تظاهرات العامين 2017 و2019 ضد السياسات الاقتصادية للحكومة، فدعت في الغالب إلى إصلاحات داخل النظام. وبحسب "صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن انعدام القيادة حالياً يجعل من الصعب على النظام قطع رأس الحركة. ففي السابق، أدى اعتقال زعيمَي المعارضة، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، إلى إنهاء الحركة الخضراء عملياً. لكن غياب القيادة أيضاً يجعل الاحتجاجات أقل فاعلية.

كأن شيئاً لا يتغير في الشرق الأوسط؟ هي نتيجة يكاد يكرسها العقد الماضي الذي بدأ مُبشّراً، مع ثورات الربيع العربي التي لم تؤدّ إلا لتكريس القمع وإعادة تدويره، سواء بوجوه جديدة كما في تونس ومصر، أو بالوجوه نفسها كما في سوريا. وفي إيران، مازال النظام قوياً ومتماسكاً، ويفاوض الغرب على اتفاق نووي جديد، والعقوبات المفروضة عليه لا تفضي إلى جديد، بعدما رزح نظام الملالي تحت عقوبات خانقة منذ سنوات، وبات معتاداً عليها وبارعاً في التملص منها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها