الأحد 2022/10/02

آخر تحديث: 13:47 (بيروت)

إسرائيل:ذرائع وعقبات يمكن ان تعطّل"الترسيم" مع لبنان

الأحد 2022/10/02
إسرائيل:ذرائع وعقبات يمكن ان تعطّل"الترسيم" مع لبنان
increase حجم الخط decrease
عزز تبرير رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، ومعه نائبه ووزير القضاء جدعون ساعر، اتفاق الترسيم مع لبنان، تحت عنوان أنه "حافظ لأمن إسرائيل ومصالحها الاقتصادية"، الإنطباع بأن ساعة الصفر لتوقيع الاتفاق اقتربت، وأن الإشكالية لم تعد مع بيروت بقدر ما هي إعاقة أو تأخير من المعارضة الإسرائيلية.

ولا تقدم التصريحات الرسمية الإسرائيلية أي تفاصيل عن ماهية الحل لقضية الترسيم، كما أنها تحصر التعليقات على تسويغ وشرعنة الإتفاق في الداخل الإسرائيلي، وقانونية التصويت عليه في إطار المجلس الوزاري المصغر "الكابينيت"، من دون الحاجة لعرضه على الكنيست أو الإستفتاء العام. ولخص لابيد موقفه بأن ما جرى هو نتاج عشر سنوات من المساعي الإسرائيلية لإنجاز الصفقة، بحيث تحقق أربع غايات لتل أبيب، وهي: تعزيز أمن شمال إسرائيل، عمل منصة حقل "كاريش" لإستخراج الغاز، الأموال التي ستدر على الخزينة العامة، وتمكين "الإستقلال الإسرائيلي" في مجال الطاقة.

القراءات الإعلامية الإسرائيلية، بدورها، طرحت نفسها بديلة للغموض الرسمي إزاء ماهية الحل، في اللحظات الحاسمة قبيل لحظة التوقيع، برعاية الولايات المتحدة، بعد تسلم الطرفين اللبناني والإسرائيلي مسودة اتفاق "الوسط". وارتأت محطات التلفزيون الإسرائيلية استخدام العنوان الأبرز "نحو اتفاق الترسيم؟"، في معالجاتها لأحدث تطورات الملف. وقالت الإذاعة العبرية العامة "مكان" أن مسودة الاتفاق النهائية التي سلمها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للجانبين، مكونة من عشر صفحات باللغة الإنجليزية، وتتضمن إجابات على القضايا الخلافية.

وأوضح الإعلام العبري أن المسودة هي نتيجة الجولات المكوكية السابقة التي قام بها هوكشتاين إلى تل أبيب وبيروت، مروراً بمباحثات عبر تطبيق "زوم"، وانتهاء بمباحثات نيويورك الأخيرة. وذكرت النشرة الإخبارية الصباحية لـ"مكان" أن المسودة راعت التحفظات اللبنانية والإسرائيلية، وتمت صياغتها بطريقة ترضي الطرف اللبناني أكثر، وهو ما يفسر ارتياح المسؤولين اللبنانيين.  بينما وصفت وسائل إعلام عبرية الإتفاق القادم بمثابة "الردع المتبادل"، في سياق التفسير الأمني، وطمأنة الرأي العام الإسرائيلي.

وقال راديو "مكان" أن لجنة أمنية وقانونية لبنانية تدرس، الآن، العرض الأميركي لإبداء ملاحظات بيروت، قبل تقديم الرد الرسمي اللبناني عليه، رغم الإشارات التي تشي برضا مبدئي لدى الدولة اللبنانية. ووفق الإذاعة العبرية التي بثت مقتطفاً صوتياً من كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فإن الإرتياح بدا ظاهراً على الأخير، وأنه ألقى الكرة في ملعب الدولة اللبنانية لإتخاذ الرد النهائي.

وحاولت التسريبات الإعلامية الإسرائيلية التوقف عند شكل الحل المطروح، وهو أن حقل "كاريش" لإسرائيل بالكامل، في مقابل وضع "قانا" كاملاً تحت السيادة اللبنانية، مع مراعاة أن جزءاً من "قانا" يقع في المياه الإقليمية الإسرائيلية، حسب مزاعم تل أبيب، ما يتطلب حصولها على تعويض عن كل كمية من الغاز يخرجها لبنان يتضح أنها من المخزون التابع للدولة العبرية. لكن، هذا يتطلب دراسة علمية من شركة فرنسية مختصة. لذلك، فإن مسودة الاتفاق المطروحة على بيروت وتل أبيب تشتمل على أرقام وإحداثيات، ما يستدعي دراستها من قبل لجنة قانونية وأمنية ومهنية مختصة في بيروت.

إلى ذلك، اعتبر الباحث الإسرائيلي إيال زيسر أن الاتفاق ربما يحل المشكلة لتجنب العواقب، لكنه تجاهل أيضا بعض المشاكل، من قبيل عدم ذكر الخط البحري بجانب الساحل، وإنما ترسيمه على بعد  أمتار أو كيلومترات غرب الخط الساحلي وليس مباشرة، لأن هناك مشكلة بالنسبة للشاطئ لا علاقة لها بالغاز، وإنما بأمور أخرى بينها تسوية الحدود البرية مستقبلاً.

وبموجب الاتفاق، فإن "قانا" سيكون فعلياً بيد لبنان، لكن من دون تحديد رسمي بأن الحقل جزء من الأراضي اللبنانية، حسب زيسر. وبينما تشير التسريبات التي رصدتها "المدن" إلى أن موعد التوقيع الرسمي في الناقورة من قبل الجانبين اللبناني والإسرائيلي، برعاية أميركية، سيكون في منتصف الشهر الجاري، باعتبار أن ذلك بات حتمياً، تعود تحليلات في تل أبيب لتقول أنه رغم إشارات التفاؤل، إلا أنه قد تنشأ عقبة داخلية إسرائيلية إثر محاولات المعارضة اليمينية بزعامة بنيامين نتنياهو لمنع التوقيع، بحجة أنه "تنازل إسرائيلي للبنان".

ويعزز القلق من العقبات أن إسرائيل في فترة انتخابات عامة، ما يجعل كل شيء جائزاً، في ظل جهود المعارضة لحشد مجموعات للتظاهر أمام منزل رئيس الوزراء يائير لابيد، بموازاة احتمال التوجه للمحكمة العليا، في حال إقرار مجلس "الكابينيت" للإتفاق الخميس المقبل، من أجل إجبار حكومة لابيد على طرح الاتفاق لإستفتاء عام، رغم رأي المستشارة القضائية الإسرائيلية بتخويل "الكابينيت" بحسم الموقف، من دون الحاجة إلى الكنيست أو الإستفتاء.

والحال أن النقاش الدائر في الإعلام العبري، يتركز على ماهية وكيفية الإجراءات التي ستتبعها حكومة لابيد من أجل المصادقة على الاتفاق، خصوصاً أن القانون الإسرائيلي ينص على الإستفتاء في أي موضوع يتصل بـ"منح إسرائيل جزء من أراضٍ أو الانسحاب لصالح جهة أخرى"، في ظل ادعاء تل أبيب بأن "قانا" تابع لمياهه الإقليمية.

لكن حكومة لابيد وجدت ثغرة في النص القانوني المذكور، وهو أنه في حال تعلق الأمر بمصلحة أمنية واستراتيجية حساسة ودقيقة بإسرائيل، فإنه يجوز حسم الأمر في إطار المجلس الوزاري المصغر "الكابينيت" فقط، كي يوقع على معاهدة ذات بعد أمني.

وهنا يبرز انقسام الإسرائيليين بين "نعم ولا"، اتصالاً بسؤال مفاده "هل يحق للحكومة الإنتقالية الحالية أن تقوم بترسيم الحدود البحرية؟"، من منطلق أنه يجب أن تكون مستقرة لا انتقالية. لكن الحكومة تبرر الأمر بأنه يأتي على خلفية أمنية واقتصادية واستراتيجية إسرائيلية، في محاولة للإلتفاف على الإستفتاء، خصوصاً أن حظوظ تمرير اتفاق الترسيم في إطار "الكابينيت" أكبر مما لو تم عرضه لإستفتاء.

هذا الجدل الإسرائيلي قبيل الانتخابات الوشيكة قد يؤخر اتفاق الترسيم، وفق صحيفة "هآرتس" التي أشارت إلى عقبة قانونية تلوح الأفق، في حال توجه اليمين إلى المحكمة العليا، ما يحول قضية الترسيم من "قضية دبلوماسية أمنية" إلى "قضائية".

في المقابل، يحاول رئيس الوزراء لابيد، ومعه وزير الجيش بني غانتس، أن يُظهرا نتنياهو بأنه يتحرك ضد مصالح إسرائيل الأمنية، ويعمل على إحباط خطوة تاريخية، لأسباب شخصية وانتخابية، في سياق السجال المحتدم بين اليمين. وردّ نتنياهو قائلاً: "الاتفاق لن يُلزمنا إذا عدنا إلى السلطة. لابيد رضخ لتهديدات نصر الله، وسيمنح لبنان أراضٍ إسرائيلية".

في المحصلة، تلخص قراءات في تل أبيب بأن الأخيرة تنازلت تكتيكياً وبشكل محسوب من أجل مصالحها الأمنية والإقتصادية. فيما تنتظر إسرائيل الرد اللبناني على مسودة الإتفاق، وسط تركز النقاشات على التفاصيل الأخيرة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها