الأحد 2022/01/30

آخر تحديث: 19:56 (بيروت)

عباس النوري يعد بمواصلة "الشغب"على النظام: لستُ بطلاً

الأحد 2022/01/30
عباس النوري يعد بمواصلة "الشغب"على النظام: لستُ بطلاً
increase حجم الخط decrease


لم يَطُل الوقت قبل أن يخرُج الفنان السوري عباس النوري لإطفاء الحرائق التي تسببت بها مقابلته النارية على إذاعة "المدينة إف إم". خلال فقرة أفردتها الإذاعة "للإيضاح والتفسير"، استطاع النوري أن يتحاشى نسف تصريحاته السابقة كاملةً، فاستعانَ بالكليشيهات الوطنيّة وطقوس الولاء لجيش النظام وبشار الأسد. 


جاء اعتذار النوري على خلفيّة مقابلة أجراها للإذاعة ضمن برنامج "المختار"، هاجم فيها "حزب البعث" وحكم العسكر في سوريا الذي "أطاح الديمقراطية والدستور والثقافة"، مُعتبِراً أن سوريا متأخرة على صعيد الحريات حتى عن دول الخليج. وأضاف أنّ "المُواطن يسمع منذ عام 1963 عن تحرير فلسطين والصلاة بالقدس، فيما بات مستوى الدخل بالمناطق الفلسطينية المحتلة عشرة أضعاف ما هو عليه الحال في سوريا". كما تطرّق إلى لحظات حساسة في تاريخ النظام حين أشار إلى حادثة إفراغ البنك المركزي لصالح رفعت الأسد قبيل خروجه إلى فرنسا عام 1984.



وعقب التصريحات حينها، كان لافتاً مرور يومٍ كامل أو أكثر دون ردود مُتوقعة على انتقاداته غير المسبوقة لـ "الدولة" و"النظام". هكذا إلى أن انطلقت صفحات السوشال ميديا الموالية في توقيت واحد بحملةٍ متزامنة مُنظمة وشرسة تنوّعت فيها أساليب التخوين لعباس النوري، لكنها ظلت في حدود تناقل منشورات موحّدة منسوخة بالحرف لم ينقصها سوى تذييلها بعبارة "والخلود لرسالتنا" كي تكتمل ملامحها المخابراتية الفاقعة.
وبالإضافة إلى الحملة المنسّقة ذات البصمات البعثية فايسبوكياً، تناوب بعض مؤيدي النظام ومنهم الإعلامي شادي حلوة على مطالبة النوري بالاعتذار بحجة أنه قام "بتحقير الجيش"، ولم تَخلُ الساحة أيضاً من مواقف كاريكاتورية على جدّيتها كإعلان حيدرة ابن بهجت سليمان سفير النظام السابق في الأردن، نيّته التقدم بشكوى بتهمة "الإساءة إلى كلّ أعضاء حزب البعث".
وفي المقابل، حظيَ عباس النوري بتضامن قسم من الجمهور وشخصيات فنية كأيمن زيدان وشكران مرتجى وفراس ابراهيم، ولوَهلةٍ بدا أنّ النوري خَرجَ منتصراً في مواجهة محاولة تشويه صورته، بعد أن باح بما يَجول في صدور السوريين.

والحال أن تأويل الموقف إعلامياً وشعبياً لم يذهب إلى التحليل المعتاد عن "مسرحيّة ينفّس فيها فنان مؤيّد غضب الناس"، مع أن العناصر كانت متوفرة لذلك، فإعلام النظام تمهّل ونسّقَ قبل الرد على الفنان، وكأنّ المعركة تدور بين أركان النظام ذاته، ثم أوكلَ مهمّة تأديب النوري لأرخص الأدوات الإعلامية.
ولعلّ سبب هذا الانطباع بعدم وجود معركة مبرمجة مسبقاً هو أنّ من تابع كلمات النوري لن يَشُكّ بعفويّته خصوصاً وأنه معروف بجرأته في نقد الواقع السوري، والنَّيل أحياناً من رموز تاريخية كصلاح الدين الأيوبي. غير أنّ المسألة هنا لم يكن لها علاقة بعفوية أو تمثيل "أبو عصام" خارج مسلسلاته، وإنما بحقيقتين أساسيّتين: الأولى أنّ عباس النوري في ملامسته للخطوط الحمراء السياسية والدينية، يمارس دوره انطلاقاً من كونه ابن النظام بإطاره العام، وعليه فالبديهي هو أن مكانة هذا الممثل الناتجة عن مقومات فنية وزبائنية - كما هو الحال مع دريد لحام مثلاً – تخوّله، بل تدفعه أحياناً للتفوّه بما يعجب أو لا يعجب أقطاباً معينة في تركيبة هذا النظام. 

وبدلاً من أن نرى أصداء العلاقات وكواليس الجلسات الخاصة لهؤلاء تتطاير من تصريحات محللين، يَقوم بهذا الدَّور فنان مَدفوع أو مُنتشٍ في لحظة نرجسيّة معرفية فائضة تجعله يقدّم مزيجاً انفعاليّاً ومعلوماتيّاً شديد الإبهار قليل الدقة والتفاصيل!

أما الحقيقة الثانية فهي ترتبط بطبيعة مرحلة يبدو فيها نظام الأسد أمام مفترقات طرق تفرض عليه تجاذبات داخلية وضغوطاً للبتّ ولو جزئياً في قضايا جوهريّة قد تُحدّد شكل علاقته بدول المنطقة، إذ يدرك النظام أن لعبة التوازنات على قاعدة "إرضاء الجميع" سوف تَحدُّ من مكاسب الانفتاح العربي والإقليمي.

وبالنظر إلى ما وردَ على لسان عباس النوري لا يمكن سوى التعجّب من مروره على القضية الفلسطينية بطريقة تعكس أسئلة إقليمية مُلحّة. ومع استحالة الجزم بترتيب مقابلته المثيرة للجدل كليّاً مع الإذاعة، يصبح هذا الأمر هامشياً طالما أن الرسائل وَصلتْ إلى مَن يهمّه الأمر. فبالنسبة لجمهور سوري واسع، فقد وجدَ نفسه أمام تلك التصريحات وهو يَقف على عتبة جديدة. وحتى وإن كان هناك انقسام حول مضمون المقابلة، في النتيجة، باتَ كلّ المتابعين مُهيّئين نفسيّاً لأي خطوة سياسيّة محتملة من "القيادة الحكيمة".

وفي ما يخصّ دوائر صنع القرار داخل سوريا وخارجها، فالأكيد أنها تلقفتْ الرسائل، ويمكنها أن تبني على الشيء ما مُقتضاه، ليبقى طيّ الموضوع إعلامياً إجراءاً شكلياً يضبط حدود الحدث ويُصوّر ما جرى على أنه زلّة لسان تختفي بحذف المقابلة، أو بتقديم إيضاحات واعتذارات من قبل الفنان يتحايل بها على الموقف، فلا يضطر للتراجع عن عناوين مقابلته الرئيسية بما يتعلق بدور حزب البعث، والدولة المخابراتية، وتسلّط حاشية الأسد ونهبها للمال العام، والأهمّ هو إدخال الموالين في عصر إخضاع جدوى القضايا القوميّة للحسابات الداخلية. 
  
 ربما نجحت ثورة الفنان عباس النوري الافتراضية العابرة بما هو أكثر من مجرّد إلقاء حجر في مياه راكدة. وهو إذ أصرّ على كونه ليس بطلاً، فإنه عاد وأكّد مواصلته لما أسماه بـ"الشّغب"، و"الخوض في الشأن العام". ولا شكّ أنه يعي ما يقول، ويُسعدهُ أن يقارنه المتضامنون معه بالماغوط وسعدالله ونوس وزكريا تامر، في حين أنّ الأدقّ لو يشبّهونه بجورج قرداحي وياسر العظمة وسواهم من القوّالين المُحتفين بوقوفهم على تخوم السلطة وتخوم الحقيقة في آن واحد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها