الأحد 2022/01/23

آخر تحديث: 13:34 (بيروت)

انهيار الدراما السورية.. نقاش ما بعد بسام الملا

الأحد 2022/01/23
انهيار الدراما السورية.. نقاش ما بعد بسام الملا
increase حجم الخط decrease
لم يهدأ الجدل في أوساط السوريين حول المخرج السوري بسام الملا، المعروف بـ"عراب المسلسلات الشامية"، منذ الاعلان عن رحيله. في مواقع التواصل الاجتماعي، آلاف المنشورات تنعى "المخرج المبدع"، وترى أن الدراما السورية "خسرت قلعة جديدة بموت الملا". وفي المقابل، مئات المنشورات التي تنقص من قيمته، وتفترض أن الملا كان أحد المسؤولين عن انحدار الدراما السورية، منذ أن افتتح "باب الحارة" الذي شق طريقاً جديداً في الدراما السورية، ترك تداعيات سلبية على الدراما السورية. 

ما يمكن ملاحظته ضمن حالة الجدل تلك، أن غالبية الفنانين والنقاد تبنوا الرأي الأول؛ فمنشوراتهم التي نعوا فيها الملا كانت مغرقة بالنوستالجيا للحظات رومانسية عاشوها في مواقع التصوير وعلى الشاشة؛ وينطبق ذلك على غالبية الفنانين الذين انتقدوا بتصريحاتهم السابقة مسلسل "باب الحارة" والقيم الرجعية التي روج لها والتاريخ المزيف الذي رسمه. 

بعض منشورات النعي تتناقض أحياناً بمحتواها مع التصريحات السابقة لمن أدلى بها، فهم يرفعون الملا إلى أعلى المراتب اليوم، بعد أن أنزلوه سابقاً إلى الحضيض. التناقض يؤشر الى أن الوسط الفني السوري يعيش حالة فصام اليوم؛ وهي تتكرر مع رحيل كل فنان سوري ترك أثراً حقيقياً في الدراما، كما فعل الملا. 

مسيرة الملا الفنية بدأت عام 1981، بعمله  كمساعد مخرج في مسلسل "تجارب عائلية" مع المخرج الراحل علاء الدين كوكش. وخلال فترة الثمانينات ظل ملازماً لكوكش في معظم المسلسلات التي أخرجها، وتناوب على لعب دور المخرج المساعد والمخرج المنفذ فيها؛ ليثقل خبرته قبل أن يقدم أول أعماله كمخرج عام 1991، حين أخرج مسلسل "الخشخاش"، الذي بدا شبيهاً بأعمال أستاذه في تلك الفترة، ويحمل ذات الصبغة والفكر بالتعاطي مع القضايا الاجتماعية. 

لكن بسام الملا خرج سريعاً عن السياق، عندما أخرج في العام التالي مسلسل "كان يا ما كان"، المقدم للأطفال. حينها بدا بسام الملا مخرجاً مختلفاً عن كل المحيطين فيه، قادراً من خلال خدع سينمائية بسيطة أن يسرد حكايات شعبية ليقدم العبرة للأطفال. وعلى الرغم من أن المسلسل ينطوي على مشكلة رئيسية، وهي ترويجه لقيم المجتمعات الإسلامية المحافظة، إلا أنه على الصعيد الفني كان ممتعاً ولا يخلو من الإثارة والتشويق. 

وبالفكر المحافظ نفسه، وبنزعة نوستالجية لحياة العائلة الدمشقية المحافظة القديمة، نسج بسام الملا مسلسله الثالث "أيام شامية" عام 1993، الذي يعتبر أول مسلسل سوري ينتمي لنمط البيئة الشامية. بذلك فتح الملا الباب أمام نوع جديد في الدراما السورية، ليسهم بشكل كبير بسيطرة الدراما السورية لاحقاً على سوق الفضائيات العربية نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة. 

كان "أيام شامية" نقطة تحول في مسيرة بسام الملا نفسه أيضاً، فمن بعده صار مخرجاً نجماً في العالم العربي، وفي عام 2000، قام بسام الملا بالتعاون مع الكاتب أحمد حامد لإعادة دراما البيئة الشامية للواجهة، من بوابة مسلسل "الخوالي"، الذي حقق نجاحاً منقطع النظير. جعل الملا يؤمن بأنه يسير على الطريق الصحيح، ليكرر الشراكة ذاتها في مسلسل "ليالي الصالحية" عام 2003، المسلسل الذي يمكن وصفه بأنه أكثر مسلسلات البيئة الشامية كمالاً وجودةً حتى اليوم. 

وفي عام 2006 دخل الملا في شراكة جديدة مع الكاتب مروان قاووق، ليبدأ بسلسلة "باب الحارة"، ليصل إلى أعلى ذروة نجاح جماهيري حققها مخرج سوري تاريخياً. إلا أن هذا النجاح كان له أثر سلبي، حيث انجر الملا وراء النجاح المالي والإيرادات الضخمة، وقدم عبر الأجزاء الأربعة الأولى التي أخرجها ما يريده الجمهور، بهامش أصغر بكثير من الإبداع، وتحول إلى الإنتاج ليزيد من قيمة الكسب المادي، وافتتح شركة "ميسلون" للإنتاج الفني. 

نجاح "باب الحارة" فتح النار على الملا، ليدخل بعدها في خلافات مع شركات الإنتاج السورية، فتحول أصدقاء الأمس إلى أعداء.

هذه الخلافات جعلت من مسلسل "باب الحارة" نموذجاً يتم طرحه عند ذكر أي عمل سيء ممتد على عدد كبير جداً من الأجزاء. ولم يخرج الملا من هذه القوقعة إلا في الأعوام الأخيرة من حياته، عندما حاول أن يعثر على نفسه مجدداً في مسلسل "سوق الحرير".

وبنظرة شاملة إلى مسيرة بسام الملا، يمكن القول بأنه لم يكن مخرجاً سيئاً كما يظن البعض، ولم يكن سبباً بانهيار الدراما السورية أو انحدار مستواها، بل كان واحداً من أفضل المخرجين في الساحة السورية، إلى أن اختار الطريق الأسهل الذي يجني به القدر الأكبر من المال، ليقع أسير "باب الحارة" ويسجن نفسه في الحارة الشامية النوستالجية التي صنعها بنفسه. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها