الأحد 2022/01/02

آخر تحديث: 16:04 (بيروت)

"إعترافات فاشونيستا"...رسائل مهملة على أجساد النساء

الأحد 2022/01/02
increase حجم الخط decrease
يمثل مسلسل "اعترافات فاشونيستا" استثناء في التجارب العربية التي تعتمد التطور التقني في صياغة الدراما، ويختلف عن كل ما سبقه من مسلسلات، ليبدو بمثابة نقلة نوعية في تصوير حياة المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.
 
والمسلسل الذي انتهى عرض الموسم الأول منه عبر منصة "شاهد" قبل أيام، لا يتعامل بالطريقة السطحية نفسها التي سبقته اليها تجارب أخرى، مع مواقع التواصل الاجتماعي وحياة العاملين فيها. وتم انتاج المسلسل بعد إقامة ورشة كتابة لمجموعة من الكتاب وهم: ناديا طبارة، سندرين زيتون ومازن فايد، وقام الأخيران بإخراج العمل، الذي أدى أدوار البطولة فيه كلّ من مرام علي وستيفاني عطا الله وأيمن المطهر ووسام فارس.
التمايز في العمل عن سابقاته، يراعي التوازن بين القصة الانسانية والدراما من جهة، ويخلق فضاء مختلفاً عما عُرض في السابق. فقد أثبتت التجارب الدرامية العربية الاخيرة أن مؤلفي الدراما العربية لا يجيدون التعامل مع التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في أعمالهم، لتكون النتيجة دائماً مشاهد سطحية وغير منطقية كلما اقتربت الدراما من الخوض في هذه العوالم وصناعتها. 

المثال الأبرز على ذلك هو مسلسل "المنصة"، الذي عُرض على مدى العامين السابقين على منصة "نتفليكس"، والذي تتمحور قصته حول منصة إلكترونية يتم فيها نشر تحقيقات سرية وخطيرة وتتناحر للسيطرة عليها القوى الإقليمية في المنطقة، لكن العمل في أجزائه الثلاثة فشل في شرح آلية عمل هذه المنصة؛ ليتم اختزال مشاهد العمل الكثيرة بالضربات السريعة على مفاتيح الكيبوردات وشاشات تملؤها الأرقام. 

وفي بعض الأعمال الدرامية أيضاً تحضر التكنولوجيا بوفرة دون أن يكون لها أي تأثير ودون أن تلعب دوراً محورياً في الحبكة؛ بل يتم إقحامها بهدف الإيحاء بأن المسلسل مواكبٌ للعصر ليس إلا. بل إن بعض الأعمال الدرامية تتعاطى مع كل ما هو متقدم تقنياً بأسلوبٍ ساخرٍ، وترتكز السخرية على المهن الجديدة التي رافقت تطور السوشيال ميديا، كما هو الحال في لوحة قصيرة بمسلسل "ببساطة"، التي تحمل عنوان "خطبة"، وفيها نشاهد شاب "يوتيوبر" يتقدم لخطبة فتاة فاشونيستا، في سياق ساخر يسخّف حياة وأفكار كل من يمتهن هذه المهن.

هذه المعالجات، تبدو مختلفة في "اعترافات فاشونيستا". إذ يركز المسلسل الأخير بشكل أساسي على الانتهاكات التي تتعرض لها المؤثرات في مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال تسليط الضوء على حياة "سحر" و"ملاك"؛ اللتين تمثلان نمطين مختلفين من المؤثرات في العالم العربي.

فشخصية "سحر" التي تؤديها مرام علي، هي نمط الفتاة المتمردة على القيم المجتمعية، وتتعرض على الدوام لانتقادات حادة من قبل متابعيها بسبب تصرفاتها الجرئية ولباسها، فيصور العمل ما تتعرض له من تحرش ومضايقات في وسط عملها من دون أن يكون هناك أي اهتمام من الوكالة التي تدير أعمالها سوى بالربح، لتتركها عرضة للانتهاكات وتلقي اللوم عليها بشكل دائم.

فالوكالة، بحسب الحبكة، لا تهتم بالأذى النفسي الذي تتعرض له المؤثرات، بل تستثمر أي دعاية سلبية لزيادة المتابعات وحصد المزيد من الأموال من خلال الإعلانات. ومن خلال هذه الشخصية يحاول صناع العمل  إيصال بعض الرسائل النسوية التي لا نجد ما يعادلها في الدراما العربية، كما هو الحال في الفيديو الذي تصوره "سحر" لترد على التعليقات الذكورية التي يرددها الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي، حين تكتب على جسدها الذي تكشف أجزاء منه شيئاً فشيئاً لتعبر عن رأيها من خلاله. 

هذا الفيديو يتم تلقيه في المسلسل كما يحدث في الواقع، حيث يهتم المجتمع الذكوري بالأجزاء المكشوفة من جسد "سحر" من دون أي اهتمام بالرسائل التي احتلت جلدها. 

أما الشخصية الثانية، "ملاك"، التي تؤديها ستيفاني عطا الله، فهي نمط مختلف كلياً، فهي الفتاة التي تسعى دوماً لرسم صورة نموذجية ولا تشكل تعارضاً مع الأفكار المنتشرة في المجتمع، فهي نمط الفتاة العربية الملتزمة والعصرية. والمحاولات التي تبذلها "ملاك" للوصول الى الصورة النموذجية تؤدي بها الى أزمات نفسية متتالية؛ فنراها تتبع حميات غذائية  للحفاظ على رشاقتها، لكنها في الخفاء تفرط بأكل الحلويات وبتناول المنتجات الدوائية لإنقاض الوزن.
 
ترضخ لصورة المرأة الضعيفة التي يفضلها المجتمع، وتتقبل خيانة زوجها لها للحفاظ على صورة الأسرة المثالية على مواقع التواصل الاجتماعي، يبنما تطلب الطلاق، في اليوم الذي تظهر فيه أمام الكاميرا وهي تدعم زوجها.

ومن خلال الشخصيتين المتناقضتين اللتين ترتبطان بعلاقة صداقة قديمة مليئة بالخفايا والأسرار، يتمكن المسلسل من تفكيك العلاقة بين النساء المؤثرات في مواقع التواصل الاجتماعي والمجتمعات الذكورية التي ينتمين إليها؛ المجتمعات التي تنبذهن وتتوق إليهن.

إلا أن المسلسل يقع في فخ القوالب الدرامية الجاهزة من خلال الحبكة القادمة من الزمن الماضي والتي تخطف خط العمل نحو دراما الجريمة والتشويق؛ وهو الأمر الذي أدى إلى تصعيد الميلودراما في المسلسل قبل أن تشوّهه بعض الحبكات الدرامية الضعيفة في حلقاته الأخيرة، من خلال إقتحام شخصية "إيمان" للمشهد وتسيدها له، فتضيع في النهاية الخطوط الدرامية الهادفة التي بنيت بعناية عن معاناة المؤثرين في السوشيال ميديا، وينتقل المسلسل ليتناول جريمة قتل غير مقصودة، وما تلاها من انتقام؛ ستستمر حكايته في الأجزاء القادمة من العمل.
  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها