الأربعاء 2022/01/12

آخر تحديث: 21:08 (بيروت)

"الزيارة": حكايات الجن في الحرب اللبنانية..تشويه لقضية المفقودين!

الأربعاء 2022/01/12
"الزيارة": حكايات الجن في الحرب اللبنانية..تشويه لقضية المفقودين!
بطولة دينا الشربيني إلى جانب تقلا شمعون وعبدو شاهين وإيلي متري
increase حجم الخط decrease
لطالما برر صنّاع دراما العربية فشل أعمالهم في دراما الرعب ورداءتها، بغياب الإمكانات والخبرات العربية التي تؤهلهم لصناعة المؤثرات البصرية التي تتطلبها دراما الرعب. 
من هذه النقطة بالتحديد بدأت منصة "شاهد" الترويج لمسلسلها الجديد، "الزيارة"، الذي وصفته بأنه أضخم عمل رعب عربي، وأنها استعانت بمخرج وطاقم عمل غربي متخصص في صناعة المؤثرات البصرية والمكياج لإنجاح هذه العمل. 

والعمل تمت صياغته من خلال ورشة كتابة، شارك فيها كل من مريم نعوم ومحمد عبد الكريم وسارة لطفي ومجدي أمين، وأخرجه الإسباني أدولفو مارتينين. وأدى أدوار البطولة فيه: دينا الشربيني وتقلا شمعون وعبدو شاهين وإيلي متري.

على صعيد الإخراج والمؤثرات البصرية، يمكن القول أنها كانت أفضل بقليل مما تعودنا عليه في مسلسلات الرعب العربية، إلا انها لم تأتِ بجديد، حيث أن عدداً كبيراً من اللقطات الرئيسية في مشاهد الرعب، لم تكن سوى لقطات منسوخة بجودة متوسطة عن لقطات شهيرة في أفلام رعب عالمية، منها: "perfection" و"the exorcist". أما على صعيد الحبكة، فلم يقدم العمل أي جديد، فهي قائمة على قصص الجن والسحر الشعوذة المستهلكة في غالبية المسلسلات والأفلام العربية التي تنتمي للنوع ذاته. 

يتناول المسلسل قصة بيت آل حداد في ثمانينيات القرن الماضي، خلال فترة الحرب الأهلية في لبنان، والجني "داسر" الذي يتلبس فتيات هذه العائلة ويدفعهن إلى قتل أحبتهن من دون وعي، لتكون الحصيلة سلسلة من الجرائم الغامضة. 

تبدأ الحكاية مع وصول "إنصاف" من مصر للعمل لدى آل حداد، كخادمة، في محاولة لإنقاذهم وتحريرهم من لعنة "داسر"، التي نكتشف مع الوقت بأن إحدى جدّاتها هي السبب فيها، لأن زوجها تزوج عليها فتاة من عائلة آل حداد منذ زمن طويل، فانتقمت منها ولعنت العائلة.



المشكلة الكبرى في مسلسل "الزيارة" ليست في رداءته على مستوى الحبكة الدرامية وتواضعه فنياً فحسب، بل هي مشكلة أخلاقية، تتعلق بالأفكار التي يروج لها العمل وطريقة تلاعبه بعقول المشاهدين؛ حيث يتم افتتاح كل حلقة من المسلسل بعبارة: "هذا المسلسل مستوحى من أحداث حقيقة، تم تغيير بعض الأحداث والأسماء لأغراض درامية، وذلك احتراماً للعائلة التي واجهت هذه اللعنة"! 

هذه العبارة التي قد يكون الغرض منها الترويج للعمل والتحريض على الاستمرار في متابعته أو بث الرعب في قلوب المشاهدين، يمكن أن نشير إليها بوصفها مشكلة أخلاقية، لكونها تتلاعب بعقول المشاهدين لتحريف الواقع من دون أي اكتراث بما قد يؤدي إليه تصديق هذا النوع من الخرافات التي يستشعرها المسلسل، ولا اكتراث للدور الذي قد يلعبه المسلسل بالترويج للسحرة والمشعوذين، إذ يتم تصويرهم في المسلسل كمخلّصين وأصحاب عِلم وبصيرة. وتُلقى هذه "المعلومة" على الجمهور العربي الذي ما زالت فئات كبيرة منه تؤمن بهذا المنطق وتصدق هذا النوع من الحكايات! 



لذا فإن الترويج بأن حكاية المسلسل هي واقعية وحدثت بالفعل، قد يكون له دور في عرقلة الجهود التي تقوم بها المنظمات المدنية والحكومات وكل المتنورين في مجتمعاتهم، للتوعية ضد الانجراف وراء المشعوذين. ويزداد أثر المسلسل السلبي على الفئات العمرية الصغيرة، التي قد يدفعها للإيمان بهذه الترهات، ويخلق لديها رعباً حقيقياً حول حكايات الجن وتلبّس الجسد؛ الحكايات التي كان من الممكن أن تمر من دون أن تترك ذات الأثر، لولا التنويهات لمصادر القصة.

ولم يكتفِ صنّاع العمل بتلك العبارات، وإنما خصصوا الحلقة الثامنة والأخيرة من المسلسلل للتشديد على المعلومة وتأكيدها، حيث خرج المسلسل من إطاره الدرامي وتحول إلى عرض توثيقي، يوثق رحلة المسلسل وصناعته وارتباطه بالقصة الأصلية. واستضافوا شهوداً عيان ليثبتوا صحة ادعاءاتهم، لتظهر أطياف لشخصيات في الظل، تدّعي أنها من العائلة الملعونة أو من محيطها، وأنها عايشت أحداث المسلسل، وتؤكد على وجود الجني "داسر" ورؤيته، في اشارة الى أفراد العائلة الحقيقة التي كتب المسلسل عنها. 

فعلياً كل ما يُروى على ألسنة "الشهود" من الممكن أن يحمل تأويلات مختلفة عن قصة الجني، وقد يتم تفسيرها على أنها نتائج مرض نفسي إذا صدقنا الشهادة؛ ناهيك عن كون القصة التي يتم ذكرها هي لتبرير اختفاء أفراد العائلة من خلال حكايات غيبية، بدلاً من وضع القصة في السياق الذي يجب أن تكون فيه، باعتبارهم مفقودين في الحرب الأهلية اللبنانية وربما مختفين قسراً. 

وبعد شهادات "الشخصيات الحقيقية" ستأتي شهادات الممثلين، الذين سيتحدثون عن إيمانهم بالحكاية وتأثرهم وحالة الرعب التي يعيشونها؛ ليبدو كل ما يتم تقديمه استعراضاً رخيصاً يهدف لتعزيز الرعب في قلوب المشاهدين... ثم الادعاء بأن المسلسل نجح!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها