الجمعة 2021/09/24

آخر تحديث: 13:59 (بيروت)

اسرائيل تحتفي بمقال صحافية بحرينية.. فما علاقة "حماس" والخرطوم؟

الجمعة 2021/09/24
اسرائيل تحتفي بمقال صحافية بحرينية.. فما علاقة "حماس" والخرطوم؟
الصحافية البحرينية عهدية أحمد السيد
increase حجم الخط decrease
لا يهتمّ الإعلام العبري، عادة، حين يكتب صحافي إسرائيلي مقالاً عن فوائد الإتفاق التطبيعي "الإبراهيمي" بين إسرائيل ودول خليجية، في ذكراه الأولى، لكنّه يُصبح بمثابة "خبر" يقتضي النشر في قلب الموقع الإلكتروني لإذاعة "مكان" الإسرائيلية، عندما يكون بقلم الإعلامية البحرينية عهدية أحمد!

مقال عهدية أحمد، بعنوان "صحافيون في الصفوف الأمامية دفاعاً عن السلام"، عزز البروباغندا الإسرائيلية القائلة بأن "العرب يتلهفون للتطبيع معنا سراً وعلانية أكثر منّا". وبدا المقال وكأنه يتحدث عن دعاية وتحليل سياسي، أكثر من استناده إلى معلومات وأرقام بشأن التطبيع بعد مرور سنة على الإتفاق "الإبراهيمي" الذي أبرمته الإمارات والبحرين مع إسرائيل.

فالأقلام الصحافية الإسرائيلية، خلافاً لمقال أحمد، لم تتردد في الحديث بالأرقام عن تقييمها للمردود الإقتصادي والسياسي للتطبيع الجديد.. إذ أظهرت أن الرّيع الإقتصادي الأكبر كان لصالح إسرائيل، وأن التبادل التجاري مع الدول العربية التي طبَّعت حديثاً، سجل فائدة اقتصادية لدولة الإحتلال تفوق تلك التي جنتها الدول العربية التي طبّعت العام الماضي. فيما أكدت مقالات إسرائيلية أخرى، أن التطبيع الجديد لم يحقق الغايات المرجوّة، كما رُوّج له لأسباب ظرفية وموضوعية عديدة.


تستهلّ الصحافية البحرينية مقالها، بالتعبير عن تفاخرها ببلدها البحرين في اتخاذ الخطوة التي وصفتها بـ"الشجاعة"، لدرجة أن سؤالاً قد راودها في خضم متابعتها حفلة التوقيع على اتفاق التطبيع، والذي جرى في البيت الأبيض العام الماضي، ومفاده: "هل حدث هذا حقًا؟"، في إشارة إلى أن واقعة التطبيع حقق "حُلمها المأمول"!

الإشكالية المهنية في مقال أحمد، أنها تحصر دور الصحافة البحرينية في إطار رجعي تحدده هي، ولا يعدو كونه "أداة" للإشادة بأهمية الإتفاق التطبيعي والترويج له، متناسية أنها ليست مهمة الصحافة ولا من أبجديات وظيفتها؛ لأن الأصل في المحتوى الصحافي الحرّ هو تقديم معلومة وضمان "الندّية" المهنية المطلوبة، مهما كان الموقف السياسي والأيديولوجي للصحافي إزاء التطبيع.

وتُفاخر أحمد، بما وصفته "تكاتف الصحافيين الإسرائيليين والبحرينيين في الوقوف معاً في الصف الأمامي، من خلال أقلامهم وأصواتهم للدفاع عن السلام من أجل مستقبل أفضل للجميع". وتابعت: "عدسات المصورين التقطت لحظات تاريخية، والمذيعون والصحافيون كانوا سفراء للسلام في الدول التي وقعت الإتفاقيات. وتحية احترام لكل زميل يؤمن بطريق السلام".

الواقع، إن أكثر ما يهم الماكينة الدعائية الإسرائيلية ويدفعها إلى نشر مقال للإعلامية البحرينية، ليس التنظير للتطبيع والتسويق له، بل تجسيد أصوات عربية تُظهر إسرائيل "حَمَلاً وديعاً"، وتُجرِّم أي فعل مُناهض لغطرستها.. وذلك حينما تحولت عهدية أحمد في مقالها، إلى مُنظّرة للسلام والشرق الأوسط الجديد، مروراً بوسم الفعل المُقاوم، سواء كان فلسطينياً أو لبنانياً، بـ"الإرهابي"، ثم مُساواته بتنظيمات متطرفة مثل "القاعدة" و"داعش". إذ كتبت إن "ظهور ايديولوجيات سنّية وشيعية متطرفة أدت إلى صعود جماعات ارهابية مثل حماس، حزب الله، الإخوان المسلمين، تنظيم القاعدة ، داعش، والحوثيين والمزيد من المليشيات التي استخدمت القضية الفلسطينية لأغراض المتاجرة".

المؤلم في كلام عهدية احمد، ليس فقط أنها طمست الحقيقة الكاملة كصحافية، بل أنها بررت، كحقوقية، جرائم اسرائيل كمُنتهكَة لحقوق الإنسان الفلسطيني، لمجرد أنها أغمضت عينيها عن السلوك الإستعماري الإسرائيلي. على الأقل، كان عليها أن تُوثق ما جرى في هذا الملف خلال السنة الأولى من عُمر الاتفاق التطبيعي الذي تحتفي به، خصوصاً أنها عملت سابقاً كناطقة رسمية لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في البحرين.

فمهما كانت حماستها للتطبيع مع إسرائيل، ألم يكن في إمكانها سرد تجاوزات إسرائيل؟..أو حتى أن تقول إن تطبيع البحرين والامارات مع الدولة العبرية يُمكن أن يكون "وسيلة للضغط على الأخيرة من أجل وقف تجاوزاتها ضد الحقوق الفلسطينية والعربية"، بدلاً من أن تقدم النصح لإسرائيل لتصبح جزءاً من تحالف أقوى لمواجهة "التطرف والإرهاب" و"معاداة السامية"؟! ثم، عن أي تطرف وإرهاب تتحدث عهدية أحمد؟ ما هو تعريفها لهما؟
اللافت، أن مقال الإعلامية البحرينية لم يلقَ تفاعلاً لافتاً في السوشيال ميديا، سواء بالتأييد أو الرفض، سوى مشاركة للمقال من قبل الصحافي كايد ابو لطيف من منطقة النقب، جنوبي فلسطين المحتلة، في صفحته الفايسبوكية. إضافة إلى إشادة من الإعلامية الإسرائيلية عراقية الأصل، ليندا منوحين عبد العزيز، عبر تغريدة لها في "تويتر".


ويُفسّر متخصصون فلسطينيون في الشأن الإسرائيلي، غياب التفاعل "القوي" في السوشال ميديا، بأن المقال نُشر في موقع الإذاعة الإسرائيلية الرسمية الناطقة بالعربية. وموقع الإذاعة يشتهر بالأخبار، لا المقالات. ولو كان قد نشر في صحيفة إسرائيلية شهيرة، لربما كان حقق غايته في إثارة رد الفعل المطلوب. 

وتقف عهدية أحمد، في صدارة الصحافيين البحرينيين الذين قرروا التماهي مع الإعلام الإسرائيلي والترويج للإتفاق "الابراهيمي". فقد استُضيفت سابقاً في الإعلام العبري أكثر من مرة، خلال السنة الأخيرة، والتقت شخصيات إسرائيلية. وصفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" في فايسبوك، وفي منشور لها قبل أشهر، سلّطت الضوء على حوار يجمع نساء من الشرق الأوسط، بعنوان "النساء يصنعن السلام".

وجاء مقال عهدية أحمد، التي دانت حركة "حماس"، عشية إعلان السودان مصادرة جميع أصول الحركة الفلسطينية على أراضيها، وهي موارد مهمة لنشاطها، وتشمل فنادق وعقارات وشركات، كما ورد في الإعلام.. وهنا، يبدو أن القاسم المشترك بين مقال عهدية، وإعلان الخرطوم، هو إدانة "حماس" وتأكيد القطيعة معها.

وظهر أن إعلان الخرطوم عن مصادرة ممتلكات "حماس" ووقف تحويل الأموال لها، بعد يوم من احباط محاولة الإنقلاب على السلطة في السودان، عزز دعاية إسرائيلية روّجت ضمناً أن التزامنية بين الأمرين، دليل على أن إفشال الإنقلاب بـ"فضل" معلومة إسرائيلية استباقية لحُكام السودان قبل يوم من وقوعه، في محاولة مستميتة منها لطرح تل ابيب كـ"حامية لإستقرار الدول العربية وديمومتها"!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها