الأحد 2021/09/19

آخر تحديث: 10:05 (بيروت)

الأردن: "جلادات السجن الوردي" يحكمن "مدرسة الروابي للبنات"

الأحد 2021/09/19
increase حجم الخط decrease
لايزال الشارع الأردني يعيش الجدل حول مسلسل "مدرسة الروابي للبنات" منذ أن عرضته منصة "نتفلكس" في الشهر الماضي، على ضوء اتهامات بالإساءة إلى صورة الطالبات الأردنيات وأخلاقيات المجتمع الأردني، وطالب البعض بوقف عرض المسلسل.
والحملة على مسلسل درامي، ليست الاولى في الاردن. ففي العام 2019، عرضت "نتفلكس" مسلسل "جن"، وأثار حينها ضجةً واسعة بسبب احتوائه على بعض مشاهد تبادل القبل وتضمن الحوار لبعض الشتائم التي يُمنع استخدامها عادةً في المسلسلات العربية. 

في ذلك الوقت استجابت السلطات الأردنية لحملات السوشيال ميديا، فأصدر المدعي العام أمراً قضى بوقف عرض العمل في الأردن، وصرّح المفتي العام للمملكة الأردنية بأن المسلسل يشكل انحداراً أخلاقياً ولا يمثل عادات الأردنيين والتعاليم الإسلامية. 

والحال ان ردود الفعل العنيفة والقرارات التي تلت مسلسل "جن"، قيّدت مسلسل "مدرسة الروابي للبنات" بشكل واضح، حيث أشارت الكاتبة والمخرجة تيا الشوملي وشريكتها شيرين كمال الى أنهما حاولتا أن تتحاشيا كل ما قد يغضب الشارع الأردني عندما صاغتا حكاية "مدرسة الروابي للبنات". 

لذلك جاء المسلسل خجولاً في طرحه للقضايا المهمة التي ركز عليها. وإضافة للتنمر، الذي كان القضية الأساسية التي تمثل العمود الفقري للمسلسل، تناول "مدرسة الروابي" العديد من القضايا المهمة ذات حساسية عالية كالتحرش الجنسي بالقاصرات ورهاب المثلية والعنف الأسري وجرائم الشرف، لكنه اكتفى بمعالجتها درامياً بشكل سطحي دون الغوص في أعماقها، كما خلا المسلسل من أي مشاهد حميمة أو لقطات تحتوي تبادل القبلات. أما الشتائم، فقد تم تخفيفها ولفظها باللغة الإنكليزية. 
رغم ذلك لم يسلم المسلسل من ردود فعل الشارع الأردني، فتركزت الانتقادات على لباس الممثلات الفاضح وظهورهن  بالمايوه خلال مشاهد السباحة؛ ورأى البعض أن هذه الصورة لا تعكس صورة الفتاة الأردنية المحتشمة، كما نفى البعض وجود ظاهرة التنمر في مدارس الأردن، لأن تعاليم الدين الإسلامي تمنع تلك السلوكيات! 

يستعرض مسلسل"مدرسة الروابي للبنات" جانباً من حياة المراهقات داخل المدارس الأردنية والمعاناة التي تعشنها في ظل النظام السائد فيها وما ينجم عنه من سلوكيات عدوانية، كالتنمر.

هكذا تبدو فكرة المسلسل مكررة، فهو يشبه بموضوعه وأفكاره العديد من المسلسلات العالمية التي اشتهرت في الأعوام الأخيرة وعُرضت على منصة العرض ذاتها "نتفليكس"؛ فتتجلى بـ"مدرسة الروابي للبنات" بعض ملامح "13 Reasons Why" الذي كان يتمحور حول قضية التنمر أيضاً، وتنتهي كل حلقة من المسلسل بعبارات توعوية مباشرة لمساندة المراهقين الذين يتعرضون للتنمر والإعلان عن فتح الأبواب لسماع قصصهم، ليسيروا على خطى "13 Reasons Why" الذي خصص موقعاً إلكترونياً وخطاً ساخناً لدعم ضحايا التنمر. 

من ناحية أخرى، فإن "مدرسة الروابي للبنات" يقتبس بعض خطوطه الدرامية من مسلسل "Elite" الإسباني، خصوصاً المشهد الافتتاحي البوليسي، الذي يتم تصويره بالأسلوب ذاته حرفياً؛ حيث يبدأ المسلسل بتعرض "مريم" لمحاولة قتل من قبل زميلاتها، وعندما تنجو تقرر أن تضع خطة للانتقام منهن واحدة تلو الأخرى، وتختم خطتها بتحريض شقيق "ليان" على قتلها بداعي الحفاظ على شرف عائلته. 

لكن هذه الاقتباسات والتقاطعات مع المسلسلات العالمية لا تجعل المسلسل يفقد خصوصيته، حيث أن أهمية المسلسل تكمن بتسليطه الضوء على حياة المراهقات داخل المدراس العربية وكل ما يرتبط بها من قيود، كالفصل الجندري الذي تطبقه أغلب المؤسسات التعليمة العربية ونظم المراقبة المتبعة. 

ما يميز المسلسل حقاً هو أسلوب تيما الشوملي بمعالجة الواقع برؤية بصرية فنية. حيث يصور المسلسل المدرسة على أنها سجن وردي زاهي الألوان، تبدأ حدوده من الباص الذي يقف عند باب البيت وينتهي بالنقطة نفسها، بعد أن تمضي الفتيات يومهن في السجن الوردي الذي تؤدي به المدرّسات  دور الشرطي الذي يحرص على عزلهن عن الجنس الآخر والعالم الخارجي. 

هذه الرقابة تمتد حتى خارج حدود المدرسة، ففي أحد مشاهد المسلسل يلتقي العديد من طلاب المدارس في نشاط مشترك، فتمارس المدرّسة (المس عبير) دورها خارج إطار السجن، لتفصل الفتيات عن الشبان بالحفلات العامة وتوبخ الفتيات على ارتدائهن لباساً "غير محتشم" خارج حدود المدرسة. 

هذا السجن الذي تعيش به المراهقات في بلادنا يصعب كسر حدوده، وإذا ما حاولت إحداهن كسر الجدار والتنفس بحرية، فإن مصيرها بالغالب سيكون كمصير "لبان"، التي هربت من باص المدرسة للقاء حبيبها، فقام أخوها بقتلها بدمٍ بارد. 

وبهذا المشهد ينتهي المسلسل بطريقة صادمة وموجعة، ليسلط الضوء على جرائم الشرف التي ازداد عددها بشكل كبير في الأردن وباقي البلاد العربية في الأعوام الأخيرة، بعد أن استثمر بعض الذكوريين المنصات الحرة في وسائل التواصل الاجتماعي للتفاخر برجولتهم واستعراض أساليبهم الوحشية بغسل عارهم. 

"جلادات السجن الوردي" اللواتي ظهرن في المسلسل، يحرصن بشكل كبير على تقييد نشاط المراهقات على مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، من خلال التحذيرات التي يواظبن على ذكرها؛ فعندما تقع "رقية" ضحية لخطة "مريم" القائمة على الابتزاز الإلكتروني، يتم تداول الحكاية في المدرسة لأخذ العبرة، لتؤكد "المس عبير" أن "رقية" استحقت مصيرها، بسبب إرسالها صورها لأشخاص مجهولين دون حجاب؛ فالفتيات يجب أن يغلقن كل النوافذ على سجنهن الوردي، بما فيها نوافذ العالم الافتراضي. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها