الخميس 2021/08/05

آخر تحديث: 20:28 (بيروت)

شاشات لبنان تُخرج أصوات الناس.. وتكتم سياسييهم

الخميس 2021/08/05
شاشات لبنان تُخرج أصوات الناس.. وتكتم سياسييهم
صوت السياسيين لم يُسمع على القنوات (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
بدت المحطات اللبنانية في ذكرى انفجار المرفأ، شاشة واحدة. يكاد الانتقال من محطةٍ الى أخرى يشبه تتابع حلقات متناسقة تجتمع حول قصص الضحايا والناجين من الانفجار. 
غلّفت المنابر الاعلامية وتحديدًا التلفزيونات رسائلها بصوت الناس ومعاناتهم، واستبدلت الخطاب "المتحيز" بالخطاب "الانساني". وإذا كان التقديم والأسلوب يستدعي بعض الملاحظات فإنّ تسليط الضوء على هذه التجربة الاعلاميّة وما تحمله من رسائل في تكريس اللحمة الوطنية يستحق الالتفات.

لم يستضف الاعلام اللبناني في ذكرى الانفجار الأولى، وجوهاً سياسيّة تتخذ من منبره حلبة مصارعة. على العكس، احتوت شاشته هذه المرة روايات الناس التي لم يعرها الاهتمام الكافي من قبل. وإذا كان الاعلام اللبناني منشغلًا في تغطية مواقف السياسين فإنه استدرك أن طريق العدالة لا يكون سوى بوضع جروح الناس تحت المجهر.

تُركت المنابر في الذكرى الأولى للرابع من آب، لروايات لم نسمعها من قبل أو ربما عرضت من دون أن يكون للراوي مساحة للتعبير فيها. غاص الإعلام في عمق كل حادثة، ووهب الهواء لسرد اللحظات الأولى من الانفجار ووقعها المتفاوت على كل شخص عايشها بطريقته، وراح أبعد من ذلك ليعاين ارتدادات هذا الحدث الأليم على حياتهم، فما بدا على أنه ذكرى تَحول الى استحضار لمشهديّة كاملة بكل عناصرها.

لارا حايك على LBCI


دخلت عدسة "التلفزيون اللبناني للارسال" الى إحدى المستشفيات حيث تمكث الشابة لارا حايك في الغيبوبة منذ سنة. أتى الفريق معدًا بحثه حول لارا "الانسانة"، فلكل شخصٍ حياة كان يمارسها بطبيعية كأن تكون لديه هوايات محدّدة أو مغنٍ مفضل قبل أن يصير ضحية لهذا الانفجار، وليست هي الندوب وحدها التي تشكل هويته. 

علم الفريق بأن لارا تحب المغني ناصيف زيتون، فكان منهم أن طلبوا من زيتون تسجيل رسالة لها، بهذه المبادرة الرمزية حوّل الاعلام خطاب اليأس الى خطاب أمل من دون أن يستثني حجم المعاناة التي سلبت لارا قدرتها الحركيّة أو حتى امكانيّة الرقص على الأغاني التي تحب.

سعدية على NBN

كذلك فعلت NBN حين قررت مقابلة سعديّة، التي تبلغ الثمانين من العمر، في بيتها  المجاور للمرفأ. قد لا يستطيع هؤلاء الكبار في السن مشاركة ألمهم اذ ما نزلوا الى الشارع للتظاهر، فتغيب أصواتهم في العديد من الأحداث المهمة. هم الذين يلازمون المنزل اعتقادًا بأنها المكان الآمن لهم بعدما طعنوا في السن، لكن الانفجار أتى ليحرمهم من أدنى حقوقهم. استعرضت الكاميرا منزل سعدية شبه الخالي من الأثاث بسبب الدمار الذي نجم عن الانفجار، هذا الأثاث يشهد على محطات كثيرة من حياتها. 

وعَكَس هذا التقرير بشكل غير مباشر غياب الدولة وتقصيرها في حق من يشكلون ذاكرة بيروت وتاريخها. وإذا كانت هذه الفئة المُهمشة تعيش غياب ضمان الشيخوخة والعناية الاجتماعيّة، فإنّ انفجار بيروت رمى بثقله على ظهورها وزاد من مأساتها.

ليليان شعيتو على MTV


ليست وحدها الجروح الجسديّة شاهدة على ظلم الانفجار، وإنّما تقاعس الدولة في النظر في قضايا الحضانة و الرؤية، أوعلى الأقل إيجاد آليات عادلة للتطبيق. لم تغب عن قناة MTV ليليان شعيتو، التي حرمت من رؤية ابنها بعد إصابتها في الانفجار. 

تُمثل قضية ليليان معاناة المرأة اللبنانية في ظل نظام أبوي يجردها من حقها في الأمومة، لكنها في هذه الحالة بالتحديد تعكس غطرسة هذا النظام ولاانسانيته وإجحافه المتعمّد في حق المرأة. ارتأت قناة "ام تي في" في هذا الصدد أيضًا أن تقوم بدور المصالحة لما في ذلك منفعة في تحسين حالتها الصحيّة، وذلك عن طريق توجيه رسالة ومطالبة زوج ليليان "بالسماح لها برؤية ابنها" لعله "يحتكم الى ضميره". 

أم ابراهيم.. على "الجديد"


قصّة إبراهيم، الذي ترك المنزل من أجل خمسة آلاف ليرة للساعة الواحدة أي ما يعادل نصف دولار آنذاك، تعكس واقع الفقر الذي يعيشه اللبنانيون. حرصت قناة "الجديد" على أن تتشارك العزاء مع والدة إبراهيم، منحتها الصوت لتشارك المشاهدين أجمل صفات ابنها المُحب والمعطاء". أم ابراهيم التي اعتدنا رؤيتها في جميع تظاهرات علائلات شهداء الانفجار، هي في ذلك التقرير الأم المفجوعة بفقدان ابنها والغاضبة على دولة توانت عن مهامها في البحث عن جثمان ابنها الحنون، كما وصفته. 

تشكل هذه القصص عينة شاملة عن المجتمع اللبناني بأكمله والذي يعيش صراعات يوميّة في ظل تراخي السلطات المعنية عن أداء دورها المطلوب. وفيما يرى البعض أن إعادة سرد الواقعة قد يشكل ضرراً نفسياً على الراوي من جهة، والمشاهد الذي قد يعاني من "صدمة ثانوية" نتيجة التعرض بشكل متكرر لهذه المادة من جهة أخرى، إلا أنّ دور الاعلام في منح ضحايا الانفجار فرصة لمشاركة معاناتهم حول قضية تمسّ كافة اللبنانيين هي بمثابة مواساة جماعية تعزز التضامن بين أبناء الوطن وترسخ اللحمة الوطنيّة، وتؤكد على مسؤولية الاعلام في جعل قضايا الناس في صلب اهتماماته. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها