الأربعاء 2021/08/04

آخر تحديث: 12:46 (بيروت)

الإعلام الفرنسي في ذكرى انفجار المرفأ: لا قيامة للفينيق!

الأربعاء 2021/08/04
الإعلام الفرنسي في ذكرى انفجار المرفأ: لا قيامة للفينيق!
"لو موند": "أصلحنا المنازل، لكن لم نصلح سكانها" (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
إعلان باريس عن تنظيم مؤتمر دولي، في الرابع من آب، لمساعدة لبنان، ليس المؤشر الوحيد على مواكبة فرنسا المستمرة لشؤون هذا البلد. فما إن اقتربت الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، حتى سارعت مختلف وسائل الإعلام الفرنسية إلى استحضار هذا الحدث الأليم، ولو بدرجات متفاوتة.   

"عام على انفجار: التدخلات السياسية تعيق التحقيق"، عنوان اتخذته صحيفة L’express لتسليط الضوء على ما آل إليه التحقيق الذي تقوده الأجهزة اللبنانية. ولم تكن الـExpress وحدها من تناول هذا الملف، جميع الصحف اليومية الفرنسية أشارت في هذا الصدد إلى وجود نية سياسية لبنانية لعرقلة سير التحقيق تجنباً لأي شكل من أشكال المحاسبة. 

هو واقع شبهه بيار كودوريه، على صفحات Marianne، بـ"ذئب كُلِف بحراسة حظيرة أغنام". مقابل هذه العرقلة، يصر أهالي الضحايا على عدم التفريط "بدماء ذويهم" وهو ما وثقته، على سبيل المثال لا الحصر، كاميرا France24 في إطار برنامج "تذكرة عودة".  

اهتمام الاعلام الفرنسي بمسار التحقيق يفسر التغطية الواسعة التي حظي بها تقرير "هيومن رايتس ووتش" بعدما دل على وجود "أدلة تشير إلى تورط مسؤولين في انفجار بيروت".

إذاعة RFI لم تكتف بتلخيص التقرير عبر موقعها الإلكتروني، بل أجرت مقابلة مع آية مجذوب، الباحثة في المنظمة، التي اعتبرت أن ثقافة الإفلات من العقاب سادت في لبنان وهو ما تجلى أخيراً في مسألة رفع الحصانات. وأضافت مجذوب في حديثها مع الإذاعة الفرنسية أن التحقيق الدولي هو السبيل الأنسب لملاحقة أي مشتبه به، فعمل المحققين الدوليين لا يخضع للمسائل الإجرائية اللبنانية.  

صحيفتا Libération و Le Monde تميزتا في تغطيتهما عن باقي الصحف، إذ حلت هذه الذكرى على الصفحة الأولى لكلتي الصحيفتين وذلك في عدد الثلاثاء 3 آب. 

وتجلى التميز كذلك على صعيد المضمون بعدمت استفاضتLibération وLe Monde في تناول التبعات الإنسانية التي خلفها انفجار مرفأ بيروت. فطوال عقود، تبنى الإعلام الفرنسي أسطورة "طائر الفينيق" "متغنياً" بقدرة اللبنانيين على النهوض سريعاً بعد كل كارثة. لكن الصحيفتين المذكورتين امتنعتا، أو ربما عجزتا، هذه المرة عن التسويق لتلك الرواية بعدما عنونت صحيفة Le Monde "أصلحنا المنازل، لكن لم نصلح سكانها". من جهتها اعتبرت صحيفة Libération أن سكان بيروت يعانون حتى اليوم من صدمة ما بعد الانفجار
ولم تشذ قناة France2 عن هذا الخط، فقد قصد فريق من صحافييها العاصمة اللبنانية لمقابلة أفراد كانوا قد التقوا بهم قبل نحو سنة. وعليه، خلص التقرير إلى أن حال اللبنانيين لم يشهد أي تحسن مقارنة بالعام السابق: فجراح أهالي الضحايا ما تزال مفتوحة والمعنويات في الحضيض وسط أفق قاتم.

ولتأكيد وجهة نظهرها، أن لا قيامة "لطائر الفينيق" في المدى المنظور، تناقلت عدة صحف ومواقع إلكترونية فرنسية دراسة نشرتها منظمة اليونيسيف الشهر الماضي أظهرت أن ثلث الأطفال اللبنانيين يعانون صدمات نفسية خلفها انفجار المرفأ. وأكملت الدراسة معتبرة أن الواقع الاقتصادي يرخي بظلاله على مستقبل هؤلاء الأطفال بفعل عجز أرباب الأسر عن توفير أبسط المستلزمات كالتعليم والطبابة: فمستقبل البلاد كما حاضرها في مهب الريح.

ومن يتصفح الـLibération لا يمكنه إلا التوقف عند التغطية الخاصة  التي اجرتها موفدة الصحيفة إلى بيروت هالة قضماني. ولعل أبرز ما نشرته قضماني في هذا الإطار مقال حمل عنوان "تحقيق مضاد في انفجار مرفأ بيروت". ما ميز هذه المقالة عن سواها أنها كانت الأشمل لناحية محاولة توفير اجابات عن كل التساؤلات المطروحة: بدءاً من سبب احتواء مرفأ بيروت على هذه الكمية من نترات الأمونيوم، مروراً بالتدقيق بجميع الفرضيات حول أسباب الانفجار وتوقيته. واستفاضت قضماني كذلك في عرض كل الحجج التي تدعم فرضية ضلوع النظام السوري بهذا الملف من خلال حليفه حزب الله. 

وبطبيعة الحال نال المؤتمر الدولي، الذي ترعاه باريس، نصيبه من التغطية. لكن إذا ما قورنت تغطية هذا المؤتمر بمجمل ما تداوله الإعلام الفرنسي في هذه الذكرى، نستنتج أن السلطة الرابعة بعثت برسالة واضحة للقارئ: كل الجهود التي يبذلها ماكرون لن تجدي نفعا طالما لم يبادر أصحاب القرار في لبنان إلى تحمل مسؤولياتهم.

في مناسبات سابقة ومتفرقة، لم تتردد السلطة الرابعة الفرنسية في إعادة تدوير أنظمة سياسية، منبوذة داخلياً، لجعلها أكثر قبولاً في الشارع الفرنسي تحت عناوين الاستقرار والواقعية. من الواضح أن الإعلام الفرنسي لم يبد هذه المرة أي استعداد لأداء هذا الدور، ربما لأن حجم الكارثة التي حلت ببيروت أكبر من التستر عليها. وعليه لم تتماهى السلطة الرابعة مع الموقف الرسمي الفرنسي، موقف يهادن الطبقة السياسية اللبنانية وفقاً لعدد من المتابعين. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها