الأربعاء 2021/08/18

آخر تحديث: 17:47 (بيروت)

الكاجو أو طالبان.. إخصاء الاحتجاج ضد الأسد

الأربعاء 2021/08/18
الكاجو أو طالبان.. إخصاء الاحتجاج ضد الأسد
حظرت السلطات استيراد اصناف غذائية بينها التمر والزبيب والجوز والكاجو (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لم تجد بعض الصفحات الموالية ما تختتم به حفلة الكوميديا المقامة على شرف "منع استيراد الكاجو"، أفضل من تذكير الناس بنعمة "الأمن والأمان"، والتخويف من البعبع الإسلامي المتمثل بـ "حركة طالبان".

ورغم عدم التناغم الشكلي لعناصر هذا الكولاج (مقاتلون ملتحون، ومواد غذائية فاخرة) فقد كان مفهوماً أن يتم استثمار الحدث الأفغاني الطاغي بأي طريقة، خصوصاً بعد أن استطاع نظام الأسد تمرير قرار اقتصادي سيؤدي إلى ارتفاع جديد بالأسعار، دون الاضطرار لتبريره حتى.
وبموجب هذا القرار أوقفت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري، استيراد 20 مادة لمدة ستة أشهر، بهدف "ترشيد الاستيراد والحد من استنزاف القطع الأجنبي" بحسب توصية اللجنة الاقتصادية بمجلس الوزراء.

وتضمنت قائمة هذه المواد: باصات وميكروباصات للمؤسسات التعليمية والقطاع الحكومي، والزيوت والشحوم المعدنية للسيارات والآليات (المنتجة محلياً)، والسيارات السياحية والفانات والميكروباصات للقطاع العام، والمواسير والأنابيب المعدنية (المنتجة محلياً)، وحديد الزوايا، والسيراميك والموزاييك، والبلاط، وأحجار النصب والبناء، والغرانيت الطبيعي. وحظرت وزارة الاقتصاد استيراد مواد غذائيّة، كجبنة الشيدر والجوز والكاجو والزبيب والتمر.

لكن استشعار الموالين لشبح تدهور معيشي جديد، لم يمنع غرقهم في موجة سخرية عارمة، ليستفيقوا في نهايتها على "صوَر للعِبرة" قادمة من أفغانستان، و"توجيهات حكيمة" تنقل الجمهور من الهزل إلى الجد، وتذكّر بفضل بقاء الأسد حتى لو يبقَ في البلد خبز أو غاز أو كهرباء!.   
وبعيداً من جدوى استخدام هذه "القفلة"، والردود التي ذكّرت بسطوة الميليشيات في سوريا الأسد كحال طالبان، فإن مخزون المعلقين والمنتقدين جاء فارغاً تقريباً من الزخم، بعد أن سجلت الغالبية حضورها بتبادل النكات، قبل ساعات. وعليه جاءت المشاركة واسعة في ترند "الكاجو" الذي شكّل عنواناً للتفاعل مع قرار منع بعض المستوردات، وفيه لعب السوريون على التناقض المحبب لديهم بين الكماليات والأساسيات، وتحويله الى كوميديا سوداء، والتندر من فكرة الحرمان بالنسبة لشعبٍ يعتز منذ زمن طويل بأنه يحترف الاستغناء، ويجيد التكيف مع أقسى الظروف.

ويَحفَل التاريخ السوري تحت حكم البعث بأمثلة عديدة على إخصاء الاحتجاج بالكوميديا، سواء بتقديم محتوى درامي (مسلسلات، مسرحيات)، أو عبر ما تنشره الصفحات الموالية، والتي تخضع لإشراف أعضاء شِعب الحزب في كل منطقة أو مدينة.

وفيما كانت الأجهزة الأيديولوجية للنظام سابقاً (هيئات ووزارات ووسائل إعلام وشخصيات) تبذل جهداً أكبر للتأثير في المحتوى الساخر سواء بالإنتاج او التعديل الرقابي، فإن مهمتها اليوم باتت أسهل بحكم التطور التقني، وتحول المتلقي إلى منتج ومرسِل في آن واحد، بما يجعل الجميع متورطاً في تعاطي الضحك كمادة مخدرة غير ملموسة، كون المبرر جاهزاً وهو "انعدام منافذ الترويح عن النفس، وتراكم ضغوط الحياة".

وفي هذا السياق لا بد أن نستذكر تصريحاً شهيراً للفنان السوري دريد لحام، يُعدّ مثالاً لتوظيف التناقضات بطريقة سلطوية، بلغةٍ تخفف من وقت الكارثة بأسلوب ساخر. ففي مقابلة مع قناة "الميادين" تزامنت مع دخول عقوبات "قانون قيصر"على نظام الأسد حيز التنفيذ، قبل نحو عام، قال لحام: "لن يموت الشعب السوري من دون جبنة فرنسية وزبدة دانماركية، وأنا متأكد أن لدينا إنتاجاً بديلاً، يمكن أن يكون أطيب وأرخص، ومبارك أكثر".

ولِلحام مساهمات أخرى سابقة في ما يتعلق بحاجات الإنسان السوري المضبوطة على إيقاع أزمنة الحصار ووفقاً لطموحات ومكاسب حاشية الأسد وخيارات النظام بين الاستيراد والتهريب، لعل أبرزها حلقة "الموز" ضمن مسلسل "أحلام أبو الهنا" الذي عُرض في فترة التسعينات من القرن الماضي.
وبالمقارنة مع ما كان يُقدّم، يمكن القول أن المعلق الموالي المتفاعل على صفحات فايسبوك أصبح يتفوق إبداعياً في بعض اللقطات على لحام وسواه!. وربما هنا يكمن وجه من وجوه مأساة استعصاء التغيير في سوريا، ولو بمجالاته الخدمية وحدوده الدنيا، بما أن ممارسة المواطنة تقلصت كثيراً إلى مجرّد المساهمة بفكاهة.

ولا يعني هذا طبعاً أن المواطن الأعزل من عناصر القوة والتأثير السياسي، والمحاصر بالخوف والجوع وأجهزة المخابرات، مسؤولٌ عن خراب يديره النظام. وإنما يشير إلى الآلية التي يصبح فيها كل مشارك بمحفل ساخر كمن يقتل نفسه بالضحك، بما أنه يرتضي أن يكون جزءاً من دوران عجلة الانهيار السريع، بدلاً من إبطائها وانتظار اللحظة المناسبة تمهيداً لإطلاق حملات تنقل الاحتجاج إلى أرض الواقع، كما حصل في حملة "بدنا نعيش" أو في الاحتجاجات المطلبية التي وقعت مؤخراً في مناطق بالساحل السوري.

وبالتالي، فلا يجب الاستخفاف بدور وسائل التواصل الاجتماعي، كونها أداة لضبط الجمهور، ولوضعه من وقت لآخر بين حدود "اللذة المحرّمة" و"الخوف المقيم"، والذي يُعيد الناس إلى التفكير بمنطق "القائد الضرورة الحامي من الأفغنة"، سواء كلفهم ذلك خسارة الكاجو.. أو حتى الخبز.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها