الأربعاء 2021/06/09

آخر تحديث: 17:16 (بيروت)

إيران: مناظرات انتخابية تجلب السأم والنعاس

الأربعاء 2021/06/09
إيران: مناظرات انتخابية تجلب السأم والنعاس
من المناظرة الانتخابية الثانية في إيران (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لفتت المناظرة الانتخابية الثانية قبيل الانتخابات الرئاسية في إيران، الثلاثاء، انتباه المعلقين الإيرانيين في مواقع التواصل والصحافة الإيرانية على حد سواء، بوصفها تمثيلاً للخواء السياسي الذي تعيشه البلاد بعد عقود من الثورة الإسلامية. فرغم أن المشهد السياسي لم يتغير حيث مازال المرشد الأعلى يحظى بالسلطة الأكبر، فإن المرشحين الرئاسيين تباروا في تقديم برامج انتخابية لا يمكن الوثوق فيها، على عكس السنوات الماضية.

وفيما كانت المناظرة الأولى مخصصة للحديث عن للجانب الاقتصادي، كانت المناظرة الثانية مخصصة للجانب الاجتماعي الذي يمس حياة الناس اليومية، وجذبت بالتالي مزيداً من الاهتمام. وفي الحالتين كان المرشحون أبعد ما يكون في حديثهم عن الاقتصاد والاجتماع، وبدت لافتة حدة التجاذب بين المرشحين وتبادل الاتهامات المختلفة، فضلاً عن تقديم وعود انتخابية "براقة"، سبق وسمعها الناخب الإيراني كثيراً من قبل، ولم يجد لها أي أثر على أرض الواقع، حسبما وصفت وسائل إعلام محلية.

وركزت الصحف الصادرة الأربعاء على المناظرة، وعنونت صحيفة "آفتاب يزد" بعبارة "مناظرة هادئة"، مضيفة أن المناظرة هي الأخرى لم تستطع أن تحرك المياه الراكدة تجاه الانتخابات الرئاسية. أما صحيفة "ابتكار" فاستخدمت عنواناً أكثر حدة: "مناظرات تجلب السأم والنعاس" للمواطن الذي يتابعها بنية الوقوف على البرنامج الانتخابي لمن يفترض أن يكون رئيسا للبلاد.

وفيما تعتبر الصحيفتان السابقتان، إصلاحيتين، فإن حجم الركاكة الكبير الذي اتسمت به المناظرات أثار انتقادات الصحف الأصولية كذلك، وهي التي تميل في الغالب للدفاع عن هذه المناظرات وإعطائها الجانب الشرعي، بعدما أقصى مجلسُ صيانة الدستور معظم الوجوه الإصلاحية، وقضى بذلك على التنافس النسبي الذي كان متوقعاً في المناظرات. وعنونت صحيفة "سياست روز" الأصولية عن موضوع المناظرات بالقول: "مناظرة أم مسابقة أسبوعية، أو برنامج لاختبار الذكاء؟".

لكن ذلك قد يكون انتقاداً للمرشحين الإصلاحيين الذين سخروا من المستوى التعليمي المنخفض للمرشح الأصولي الأبرز إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية. وتحديداً إشارة المرشح محسن مهر علي زاد، في المناظرة الأولى السبت الماضي، إلى أن رئيسي حاصل فقط على شهادة المرحلة الابتدائية، بغض النظر عن دراسته الدينية، معتبراً أنه لا يتمتع بالأهلية الكافية لإدارة البلاد. وأتي ذلك الهجوم الشخصي رغم وضع المرشد الأعلى علي خامنئي خطاً أحمر للمرشحين خلال المناظرات طالبهم بموجبه بعدم مهاجمة بعضهم البعض.

وقال علي زادة هذا الأسبوع مجدداً: "بما أنني مهندس، أرى كل شيء بدقة الملليمتر، لقد قلت أن السيد رئيسي درس 6 سنوات من التعليم التقليدي.. وفي الاقتصاد يجب أن يكون المرء قد حصل على درجة الدكتوراه حتى يكون لديه لمسة من الاقتصاد"، مع الإشارة إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومي منحت فرصة أكبر لإبراهيم رئيسي للدفاع عن نفسه رداً على أقوال مهر علي زاده، ما أثار انتقادات كثيرة في "تويتر" واتهامات بالتحيز.

وتصدر هاشتاغ "6 سنوات تعليم ابتدائي" نقاشات الإيرانيين في "تويتر". وكتب أحد المعلقين ساخراً: "صحيح تعلمت لمدة ست سنوات فقط ولكن نتيجة لقوتي في الإدارة وباهتمام من المرشد الأعلى جعلت السجون مليئة بالمتعلمين"، ورد آخر: "لا يهم إذا كان قد تعلم 6 سنوات ابتدائي فقط، لأن تنفيذ أحكام الإعدام لا يحتاج إلى شهادة بكالوريوس". وكتب آخر: "ست سنوات ابتدائية تكفي لارتكاب أي جريمة".

ولا تأتي تلك التعليقات من فراغ، فرئيسي (60 عاماً) الذي خسر الانتخابات الرئاسية العام 2017 عندما ترشح ضد الرئيس حسن روحاني، شغل مناصب عليا في الجهاز القضائي في البلاد، بما في ذلك المدعي العام في طهران، وكبير المدعين العامين لمحكمة رجل الدين الخاصة، فضلاً عن عضويته المستمرة في مجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام. وفي العام 1988، كان أحد الأعضاء الأربعة في ما سمي "لجنة الموت" في إيران، التي تم إنشاؤها بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، بأمر من المرشد الأعلى السابق روح الله الخميني، حيث نفذت إعدامات جماعية بحق آلاف المعارضين في السجون الإيرانية بفتوى من الخميني.

وكان لافتاً اجتماع المرشحين السبعة المشاركين في المناظرة الثانية، وهم إلى جانب علي زادة ورئيسي: سعيد جليلي ومحسن رضائي وعلي رضا زكاني وأمير حسين قاضي زاده هاشمي وعبد الناصر همتي، على تحميل كافة مشاكل البلاد، بما في ذلك أزمة وباء كورونا، لإدارة الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، فيما كانت السخرية حاضرة من حملته الانتخابية التي حملت اسم "الأمل" وكانت متصلة بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني العام 2015.

استوجب ذلك رداً غاضباً من روحاني، الأربعاء، قائلاً أن "حب منتقديه للسلطة سبب لهم فقداناً في الذاكرة"، حسبما نقلت وكالة "أسوشييتد برس".

وانهار الاتفاق النووي بعد أن انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب العام 2018، وفي المقابل تنصلت إيران من التزاماتها بموجبه. وأدى ذلك إلى تدهور الاقتصاد الإيراني من خلال وقف مبيعات النفط الدولية إلى حد كبير، ما تسبب في رفع التضخم وإضعاف العملة.

كما انتقد روحاني المتشددين في ما يتعلق بحقوق المرأة والرقابة على الإنترنت في إيران. وقال ساخراً: "لا أحد يجرؤ على القول أنه يدعم حجب الإنترنت. المتشددون، الذين انتقدوا الاتفاق النووي لسنوات، يجب أن يوضحوا فوراً ما إذا كانوا يريدون تخفيف العقوبات من خلال العودة إلى الاتفاق أم لا".

في ضوء ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي صلاح الدين هرسني، في افتتاحية صحيفة "جهان صنعت" أن المنافسة الانتخابية تعيش تحت وقع "الشعبوية" التي ينتهجها مرشحو الرئاسة في تعاملهم مع منافسيهم في المناظرات التلفزيونية.  وأعرب الكاتب عن استيائه من هذا الأسلوب الذي ينتهجه مرشحو الرئاسة، موضحاً أن ما يدعو إلى الأسف هو أن شخصيات يفترض أنها قد حازت على شهادات دكتوراه في علم الاقتصاد تتبنى الطريقة نفسهل، وتبني شعارات شعبوية مثل رفع نسبة الدعم الحكومي من 45 ألف تومان إلى 450 ألف تومان، متسائلاً عن كيفية تحقيق تلك الوعود الكاذبة في ظل الواقع الحالي.

وذكرت صحيفة "آرمان ملي" أن المناظرات كشفت حجم الخواء الذي يعاني منه مسؤولو البلاد. واقترح الكاتب والمحلل السياسي، نعمت أحمدي ألا يتم إجراء المناظرات الانتخابية لأن الناس سوف تدرك حجم الخواء الكبير الذي يعاني منه المسؤولون في البلاد، والذين يعدون "عصارة النظام" و"صفوة مجلس صيانة الدستور" الذي قام بتأكيد أهليتهم لتولي منصب رئيس الجمهورية.

وأكد الكاتب أن هذه المناظرات قد جعلت الكثيرين يشعرون بالسأم والبرودة تجاه الانتخابات الرئاسية، موضحاً أن مرشحي الرئاسة لم يكونوا يهتمون بأي تعهدات حتى أنهم لم يجيبوا على الأسئلة التي طُرحت عليهم في المناظرة التلفزيونية.

من جهتها، أجرت صحيفة "آفتاب يزد" مقابلات صحافية مع عدد من الناشطات النسويات، واستطلعت آراءهن حول مواقف مرشحي الانتخابات الرئاسية من قضايا المرأة وحقوق النساء في إيران. وقالت الناشطة الحقوقية مينو خالقي أن الشعارات التي تُرفع الآن في الدفاع عن حقوق المرأة هي محاولة لكسب أصوات النساء في الانتخابات الرئاسية، مؤكدة أن النساء في إيران أصبحن متشائمات تجاه الوعود الانتخابية، وأشارت إلى وعود الرئيس الإيراني حسن روحاني السابقة وادعائه أنه أراد دعم حقوق المرأة وإشراكها في العمل السياسي بنسبة أكبر، لكن ذلك لم يحدث.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها