الجمعة 2021/06/04

آخر تحديث: 18:42 (بيروت)

رواج الموسيقى العربية يقلق إسرائيل: تهديد لـ"الدولة اليهودية"

الجمعة 2021/06/04
رواج الموسيقى العربية يقلق إسرائيل: تهديد لـ"الدولة اليهودية"
"تيك توك" حقق هذا الخرق في بيئة المستوطنين (غيتي)
increase حجم الخط decrease
كان لافتاً أن تُغيّر صحيفة "هآرتس" اليسارية، في عنوان مقال نشرته، كلمة "تهديد" إلى "انتصار" ليصبح (أحدث انتصار لـ"تيك توك": تحويل الاسرائيليين إلى عشاق الموسيقى العربية).. فلم يُعرف إن كانت الكلمة الأولى قبل تغييرها كُتبت على سبيل السهو أم تعبيراً عن اللاوعي لكاتبة المقال خين المالي ومهندسي التحرير! بمعنى آخر: هل اعتبرت تعلق الشباب الاسرائيلي الجديد بالموسيقى العربية، ايجابياً، أم تهديداً لهوية "الدولة اليهودية" التي يسعى الاحتلال تكريسها على أرض فلسطين؟

تُقر الصحيفة أنه بفعل الحدود المفتوحة لوسائل التواصل الاجتماعي يستمع عدد متزايد من الشباب اليهود "الإسرائيليين" إلى الموسيقى العربية – "مثلما اعتاد أجدادهم أن يفعلوا ذلك"، على حد تعبيرها. وتلجأ إلى أسلوب الحكاية، "أبطالُها" مجموعة من الشباب الذين وصفتهم بـ"المراهقين المتمردين" يمارسون رياضتهم على دراجات هوائية في حديقة بمنطقة ما في دولة الاحتلال معظم سكانها يهود، لكنهم يكسرون هدوء المكان، عبر صخب موسيقى عربية، لا عبرية.. هي حديثة ليست تقليدية أو كلاسيكية معروفة سلفاً.

ورغم محاولة الكاتبة أن تتحدث بإيجابية عن ذلك من خلال اعتبار الواقعة "صحوة جديدة، خصوصاً بين جيل الشباب الاسرائيلي الذي يريد إعادة الاتصال بالعالم العربي"، على حد قولها، إلا أنها اخفت ضمنياً عنصرية وفوقية حين تتبعت ردود أفعال الاسرائيليين "المندهشين" إزاء الموسيقى العربية التي علت في المكان.. واصفة إياها بـ"الصاخبة" و"غير العادية" و"انها لا تشبه اي شيء سمعه الإسرائيليون من قبل".

لم تكن الكاتبة صريحة بما يكفي كي تعترف بأن أحد دوافع محاولات الإسرائيليين معرفة اللغة العربية من بوابة الموسيقى والاغاني، مرتبط بالخوف على الذات واستمرارية الاحتلال، من منطلق "التعرف على العدوّ العربي" جيّداً وكيف يفكر! ويتجلّى هنا ما يدفع تل أبيب إلى تكريس طغيان ثقافتها العبرية على أجيالها المتعاقبة، حيث تقول كاتبة المقال: "هذا هو السبب في أن فرقة المراهقين فاجأت الجميع بالأغاني العربية التي بثتها عبر مكبرات الصوت، كما لو أن هذا ليس المكان الطبيعي لهذه الموسيقى، أو على الأقل ليس المكان الذي تتوقع أن تقابله فيه". فحتى سنوات قليلة ماضية، كانت الموسيقى العربية بشكل عام، والشعبية خصوصاً، تُسمع فقط في أماكن محددة، الحفلات والمناسبات العائلية والنوادي الليلية والبارات في تل أبيب، كما تقول الكاتبة. "لكنها الآن في كل مكان. حقاً في كل مكان".

لعلّ الدافع الأبرز لنشر هذا المقال في "هآرتس" هو شعبية الموسيقى العربية لدى الشباب اليهودي الاسرائيلي، وهي في تزايد مستمر، إذ أن سماعها لم يعد يقتصر على حفلة الحنّاء أو الزفاف خصوصاً لدى اليهود من الأصول العربية، بل بات يُسمع في كل مكان ووقت. وهنا يتساءل المقال: "كيف ولماذا؟".. ثم يستدرك: "الإجابة هي نفسها كما هو الحال مع أي محاولة لفهم ظاهرة ثقافية حالية؛ بسبب تطبيق تيك توك".

هنا، تتحدث الكاتبة الاسرائيلية البالغة من العمر سبعة وثلاثين عاماً، عن تجربتها مع "تيك توك"، حيث تقول إنه أخيراً، ورغم انها ليست مستخدمة نشيطة في التطبيق، قفز أمامها مقطع فيديو لنجم البوب الاسرائيلي ايدن بن زاكين، وهو يرقص على ريمكس شعبي على التطبيق الرقمي. وهو مزيج من أغنية "Let's Link" لمغني الراب الأميركي WhoHeem والآخر هو "شكلي حبيتِك" لنجم الإنترنت اللبناني حمادة نشواتي. وهذا المثال، بالنسبة للكاتبة، شكل مزيجاً موسيقياً بصرياً، يلخص تماماً أزمة لدى الشاب اليهودي الاسرائيلي الذي وجد نفسه في محور ثقافي بين أميركا والشرق الأوسط.. بين العربية والإنكليزية، بين انفجار موسيقى الهيب هوب وحدث عربي.

ومع كل التفاؤل الذي يحيط بالاختراق الثقافي، تعود "هآرتس" وتُقرّ بأن "تيك توك" بمثابة خليط من مقاطع الفيديو لما وصفته "العنف اليهودي- العربي" لا سيما في ضوء القتال في قطاع غزة والاضطرابات الداخلية في المدن المختلطة داخل أراضي 48 الفلسطينية. بيدَ أن الكاتبة حاولت ان تخفف مخاوف الإسرائليين من غزو الموسيقى العربية وسطوع شعبيتها لدى الجيل اليهودي المراهق، عبر ضرب امثلة تظهر أن الهوية الثقافية العربية "لا تنتقص من الهوية اليهودية الدينية"، وبالتالي يمكن للمرء أن يستنتج أن الصراع يجب أن يقتصر على "أبعاده الوطنية"، حسب تعبيرها.

الواقع أنّ الإشكالية الدائمة تكمن في دعاية الاحتلال التي تزج باليهود وكأنهم مشكلة الفلسطينيين والعرب، في حين أن مشكلة الأخيرين هي مع الحركة الصهيونية التي استغلت اليهودية لتسويغ احتلال الغرباء من أنحاء العالم لأرض ليست لهم. وهنا، تقع الكاتبة الاسرائيلية في مربّع الدعاية نفسه، رغم تسويق نفسها كشابة منفتحة على الثقافة العربية وتتبنى نهجاً يسارياً.. إذ أنها تتحدث بطريقة وكأن اليهود هم طرف الصراع مع الفلسطينيين، والحقيقة هي قضية شعب مع مُحتلّه. وبينما تتحدث هذه الشابة الاسرائيلية عن الماضي الذي امتلأ بالتشاركية بين اليهود والمسلمين والمسيحيين على هذه الأرض، تقع في خطيئة أخرى عبر تمييزها للغة والهوية العربية في الماضي مقارنة مع الحاضر. فحسب وصفها، كانت هذه اللغة "مُحايدة". وكأنها تريد ان تقول إنها "لم تعد كذلك الآن، حتى قرروا رسم حدود حولنا".

ويُبدي المقال اندهاشه من أن نرى كيف، عبر "تيك توك" و"انستغرام" و"يوتيوب"، وبسبب العولمة المتزايدة وإمكانية الوصول، تمر اللغة العربية بعملية تصبح مرة أخرى "محايدة" بالموسيقى.. لكن، يُستشفّ من خاتمة المقال، تحذير إسرائيلي "دعائي" من "العربية السياسية" في مقابل ترغيب في "العربية الغنائية"!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها