الخميس 2021/06/24

آخر تحديث: 20:01 (بيروت)

صورة "الدولة" في الجنوب: متآمرة وقاتلة

الخميس 2021/06/24
صورة "الدولة" في الجنوب: متآمرة وقاتلة
increase حجم الخط decrease
شيعت بلدة الشرقية في جنوب لبنان، ضحاياها. الأم وبناتها الأربع، احتضنهنّ العلم اللبناني، بينما لف جثمان الشاب حسين الزين بعلم "حزب الله". الانتماء السياسي والعقائدي ليس مهماً، فالظلم لحق بهم جميعاً. 
نعى الجنوبيون أبناءهم ونعوا الوطن. امتلأت مواقع التواصل بصور التشييع وصور والد الفتيات الأربع الواصل من إفريقيا في حالة صدمة. مَن لم يسمع بالحادث عبر وسائل الاعلام، سمع عنه في الشارع، في البيوت، في المقاهي، أينما كان، لا حديث للجنوبيين اليوم سوى فداحة الواقعة. 

من الظلم أن نطلق عليهم صفة الضحية، فذلك يعني القضاء والقدر، المحتوم، مشيئة الرب أو الطبيعة، لا قدرة لنا على تغييره. ومن الظلم أيضاً أن نطلق عليهم صفة شهداء، فالشهيد يموت في سبيل قضية، راضياً بالتضحية لأجلها. أي قضية ماتت لأجلها الأم وبناتها الأربع والشاب حسين؟ هل قبلوا بالتضحية بأنفسهم لأجل وطن قتلهم؟ بالطبع لا.

ربما أفضل وصف نطلقه عليهم هو "قتلى"، فالقتيل نتيجة جريمة، حتى لو كان قتلاً غير متعمد، لكنه قتل ارتكبته الدولة بسبب إهمالها وتقصيرها، والقتيل هنا يطالب بالعدالة والقصاص. خصوصاً أن الحادث لم يأت من عدم، بل سبقته حوادث عديدة أنذرت بالكارثة، حوادث متفرقة وقعت بسبب ازدحام السير أمام محطات الوقود صمّت الدولة آذانها عنها. 

نعى الجنوبيون اليوم دولتهم، وربما وطنهم أيضاً، ونثروا التراب فوق جثتها. تقول عجوز قريبة من العائلة المفجوعة، للإعلام: "ماتوا بسبب الدولة، ونحن سنلحقهم، إن لم نمت بسبب الحوادث، سنموت من الجوع". 


"نحن  ضد الدولة". جملة أضافتها المرأة العجوز، وتكاد تقرأها بين سطور منشورات اللبنانيين جميعاً في وسائل التواصل. ليست الدولة كمؤسسة ارتضى البشر بناءها لرعاية مصالحهم والحُكم بما في الصالح العام، بل الدولة بما تمثله من شخصيات سياسية وأحزاب فاسدة  لم ير منها اللبنانيون إلا القهر والموت. 


والحال أن صورة الدولة اهتزت أكثر مما هي مهزوزة، في الجنوب. باتت في نظرهم قاتلة ومتآمرة على القتل. لم تحمِ مواطنيها، ولم تقدّم لهم ما ينقذهم. يعود الشعور الى ما قبل الحادث. الى زمن الاحتلال الاسرائيلي، وتواصَل مع الاعتداءات والخروقات الاسرائيلية. وجدوا في "المقاومة" بديلاً، وربما يجدون فيها بديلاً للدولة لتأمين ضرورات حياتهم، بل تأمين مجرد بقائهم أحياء. فهم لا ينظرون إليها كدولة مستقيلة من مهامها فحسب، بل دولة تمعن في القتل، وتسترخص الدم.. الدم الذي سُفك على طريق السعديات وأباد عائلة بأكملها. 

علِم عماد بقتل عائلته عبر "فايسبوك". مَن نشر نعيهم، لم يعر أي اهتمام لمشاعره ووضعه ووَقعِ الصدمة عليه. رمى في وجهه خبر موت عائلته ومشى. الإعلام نفسه الذي لم يراعِ مشاعر عماد فيما يُفترض أنه يسلط الضوء على قضيته. أصرّ على استغلاله حتى الرمق الأخير، فنشر مَشاهد فجيعته وصدمته، في المطار، أثناء التشييع وتقبّل العزاء، باحثاً عن مأساة تجذب القراء/المشاهدين. 


بعد كل ما حدث، وفي وصف الدولة والقيّمين عليها، قد نستعير من أحد خطابات حسن نصرالله مقطعاً صغيراً، مع استبدال عبارة "قاطع الطريق" بـ"السياسي"، على اعتبار أن هذا ما شعر به الجنوبيون اليوم، وخطابات نصرالله باتت مرجعيتهم الوحيدة المعبّرة عن آلامهم: كل سياسي في البلد من نواب ووزراء ورئيس جمهورية وزعماء، سنقول لهم: أنت أيها السياسي تجوع الناس وأنت تزيد الفقر في البلد، أنت تقتل الناس، هناك في البلد الآن قتلى وجرحى، أنت تضع البلد على فوهة الحرب الأهلية، أنت أيها السياسي مشبوه في ما تفعله… أنت تضع الناس أمام سفك دماء وتذل الناس على الطرقات، وأنت تشارك في مؤامرة  خارجية على البلد. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها