الثلاثاء 2021/05/04

آخر تحديث: 13:26 (بيروت)

اللبناني الـ"بلا أخلاق"

الثلاثاء 2021/05/04
اللبناني الـ"بلا أخلاق"
هنا الزيت الذي ضرب اللبنانيون بعضهم بعضاً للحصول على المدعوم منه (غيتي)
increase حجم الخط decrease
اختار شاب لبناني مغترب قريباً له لتوزيع حصص تموينية بقيمة ألفي دولار على الفقراء في قريته، مطلع شهر رمضان الحالي. وشاءت الصدف أن يطلعني على فواتير ما اشتراه من تاجر الجُملة. من باب الفضول، بدأت أدقّق فيها، واستوقفني سعر عبوة الزيت سعة 5 كيلوغرامات التي سُجلت على الفاتورة بسعر 6.20 دولاراً.

كان احتساب المبلغ على سعر صرف الدولار في السوق الموازي، فضولياً أيضاً. فقد شاءت الظروف أيضاً أن يكون شاب صديق قد أخبرني، قبل ساعات، أنه اشترى عبوة الزيت سعة 5 كيلوغرامات بـ112 الف ليرة. كان الاكتشاف صادماً بالنسبة لي. هل يربح تاجر المفرّق 32 ألف ليرة في عبوة الزيت الواحدة؟ وفي هذه الظروف؟

تملكتني الدهشة إثر ما استنتجته في تلك اللحظات، وخرجت على لساني عبارات السباب، أقلّها "التاجر البلا أخلاق". كان الاكتشاف مؤلماً، استناداً الى عاملَين، أولهما الظروف الاقتصادية التي يعانيها اللبنانيون، مما دفع بأقربائهم وأصدقائهم لمساعدتهم للحصول على سُبل المعيشة وما يبقيهم أحياء. وثانيهما جشع التجار، التاجر الذي لا يتنازل عن مستوى أرباحه السابقة، بالدولار الأميركي، رغم أن نفقاته تراجعت الى حد كبير، لجهة رواتب أو مكافآت العمال، وكلفة الحياة الأخرى سواء فواتير الكهرباء والضرائب التي لم تتغيّر، أو لجهة أسعار المحروقات التي ارتفعت 100% تقريباً في مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 8 اضعاف ما كان عليه قبل الأزمة.

من هذه الحادثة، بدأت رحلة التقصّي عن "اللبنانيين البلا أخلاق". من مستوردي السلع الأجنبية، الى تجار الجُملة، وصولاً الى مصانع تتذرع يومياً بارتفاع أسعار المواد الأولية.

يعرب عامل لبناني لدى تاجر لبناني عن استيائه من جشع معلّمه. يقول: "نحن ستة عمال في المتجر، كان متوسط روابتنا 800 دولار شهرياً. اليوم نتقاضى رواتبنا على سعر صرف 1500 ليرة، أي مليون و200 ألف ليرة لبنانية. مصلحتنا ليست مطعماً تراجعت أرباحه، ولا شركة نقل عمومي.. فالتاجر ما زالت تسعيرته كما هي، وأرباحه بالدولار كما هي. ما حققه أن ثروته ازدادت شهرياً 4200 دولار بالحد الأدنى، كفارق في رواتب الموظفين فقط".

لا يتنازل المستوردون عن مستوى أرباحهم السابقة. وترتفع أسعار السلع المستوردة. لدى مراجعتهم، يتذرعون بارتفاع الأسعار عالمياً، ارتفاع كلفة النقل. هذا صحيح الى حد كبير. لكن في المقابل، ما زالت ضرائبهم على سعر صرف 1500 ليرة، كذلك الضريبة على القيمة المضافة TVA، وسائر المصاريف التشغيلية.. فلماذا لا يخفضّون أرباحهم؟

لا إجابة واضحة على هذا السؤال لدى محاججتهم بالواقع الجديد. يتلون حججاً غير مقنعة. صحيح أنهم يواربون حين يُواجَهون بأنهم يستغلون الأزمة لزيادة ثرواتهم، لكنهم لا يستطيعون إخفاء ما يجري. يراكم هؤلاء الثروات، في مقابل تضحية من الكثير من تجار المفرق الذين تدنت أرباحهم الى أقل من 20% مما كانت عليه قبل الأزمة، في مواكبة لواقع الحياة الجديد، ولحسابات القدرة الشرائية عند المستهلك.

والمستوردون، ليسوا المعضلة الوحيدة في ارتفاع أسعار السلع بشكل قياسي، بذريعة ارتفاع سعر صرف الدولار. بعض الصناعيين يستغل الأزمة أيضاً. ما كانوا يسعرونه على الدولار في السابق، ما زال كما هو. ولا يتراجعون لدى محاججتهم في شأن انخفاض الكلفة التشغيلية، مما يستوجب خفض الأسعار.

يستغل هؤلاء غياب الدولة. الوزارات المعنية لا تتابع، فهي تتجاهل ما يفعله المستوردون، تتجنب مواجهتهم، أولئك الذين يشكلون "اللوبي" الضاغط على الدولة، ويتحركون ضمن دائرة التهرب الضريبي. الجشع يشمل مختلف نواحي الحياة. وما تقرير "ال بي سي" عن تسعيرة المنتجعات السياحية في موسم الصيف المقبل التي تفوق تسعيرة منتجعات المالديف، إلا خير دليل على فجور التجار.. والحسرة على الفقراء. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها